أداء المجلس العسكرى وجنرالاته المعاشات الفاشل هو الذى وضعنا فى المأزق الذى نمر به حاليا للخروج من المرحلة الانتقالية.. فالسادة الجنرالات لم ينجزوا شيئا يذكر خلال هذه الفترة للانتقال إلى دولة ديمقراطية مدنية قامت من أجلها ثورة عظيمة أطاحت بديكتاتور ومستبد فاسد.. وعصابة حوله كانت تروج له أنه حكيم عصره وزمانه.. وقد ناور جنرالات معاشات المجلس العسكرى ولفوا وداروا حول مطالب وأهداف الثورة.. التى كانت واضحة.. لكنهم أصروا على الإطالة والدخول فى تحالفات غريبة ومريبة مع قوى سياسية انتهزت الفرصة لتقسيم «تورتة» الثورة.. ومحاولتها الركوب على الثورة وسرقتها.. والتكويش على السلطة بعد مهاترات ولف ودوران.. والإصرار على أن تكون الانتخابات أولا قبل وضع دستور جديد للبلاد، مخالفين بذلك العقل والمنطق والأعراف وتجارب الآخرين.. ويتبين للشعب الأداء الفاشل لتلك القوى وضعف كوادرهم.. وبحثهم عن مصالحهم الشخصية، على حساب مستقبل هذا الوطن وأجياله القادمة..
وكان نتيجة لما حدث خلال ال14 شهرا بعد الثورة، محلك سر.. فلم يحدث إنجاز يذكر.. وبدا أداء البرلمان المنتخب الذى يعتبره أعضاؤه برلمان الثورة.. والثورة براء من أدائهم الفاشل.. ولم يختلف كثيرا عن برلمانات حسنى مبارك وإدارة فتحى سرور وصفوت الشريف لها. فقد أبقى مجلسا الشعب والشورى على كل رجال الحزب الوطنى والنظام المخلوع الذين يديرون شؤون المجلس، ولهم خبرة كبيرة فى تطبيق اللائحة «القديمة» واللف والدوران، وزد على ذلك وقف الصوت الميكروفونى بعد دقيقتين «!!» مع احتفاظ قيادات البرلمان بكل المميزات التى كانت تحصل عليها عصابة مبارك وفسدة العهد السابق.. من سيارات وحراسة ومكافآت.. وغيره..
ولم تعمل تلك القيادات الجديدة والمستجدة منهم على تلك المناصب المهمة، على مطالب الثورة فى إعمال الشفافية فى عملهم.. تلك الشفافية التى يمكن أن تنقذنا من مساوئ فساد الحكم السابق.. وسيطرة عصابته على مقدرات الأمور ودون مكاشفة وكأنهم يعملون فى تنظيم سرى.. وهكذا استمر الحال على هذا الوضع لندخل فى أزمة دستورية.. من خلال تسلط الإخوان، ومن معهم من حلفائهم السلفيين، للسيطرة على تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.. لتفشل جمعيتهم فى النهاية أمام الرفض الشعبى، ثم الحكم القضائى الذى أفشل جمعيتهم ومعايير اختياراتهم «الفجة»، التى لا تعبر عن كل القوى الشعبية، التى هى أساس كتابة الدستور.. ولكن الإخوان خانهم غرورهم وأكثريتهم وتخيلوا أنهم أصحاب القرار وحدهم فى بلد قام أهله بثورة وسقط شهداء فيها.. تلك الثورة التى جعلت الإخوان فى صدارة المشهد السياسى وأخرجت قياداتهم من السجون..
ووصل الأمر بالمجلس العسكرى إلى أن يطالب الآن بأن يكون الدستور قبل انتخابات الرئاسة حتى يحدد اختصاصات الرئيس.. وهو أمر لا يمكن أن يحدث فى خلال أيام قليلة، حيث الانتخابات الرئاسية ستبدأ فعليا يوم 11 مايو من خلال تصويت المصريين فى الخارج، ويتبعها التصويت هنا فى 23 و24 مايو، فكيف يكتب دستور فى أيام؟ فضلا عن الخلافات القوية بين القوى والأحزاب حول معايير اختيار لجنة المئة.. وهو أمر كنا فى غنى عنه لو مشينا على الطريق الصحيح بوضع الدستور خلال الأشهر الستة التى وعد المجلس العسكرى بأن تكون الفترة الانتقالية بعد الثورة..
وينسى أو يتناسى المجلس العسكرى أن الإعلان الدستورى الذى أصدره فى مارس 2011 به اختصاصات الرئيس من خلال المادة 25 التى تنص على «رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية ويسهر على تأكيد سيادة الشعب واحترام الدستور وسيادة القانون وحماية الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية، وذلك على الوجه المبين لهذا الإعلان والقانون.. ويباشر فور توليه مهام منصبه الاختصاصات المنصوص عليها بالمادة (56) من هذا الإعلان، عدا المبين فى البندين 1 و2 منها».. والمادة 56 من الإعلان الدستور جرى فيها منح المجلس الأعلى للقوات المسلحة اختصاصات الرئيس ومجلس الشعب معا، وانتهى اختصاصه بالبندين 1 و2 الخاصين بالتشريع وإقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها بانتخاب مجلس الشعب، لتبقى اختصاصات الرئيس الممثلة فى تعيين الأعضاء المعينين فى مجلس الشعب، ودعوة مجلسى الشعب والشورى لانعقاد دورتهما العادية وفضها، والدعوة إلى اجتماع غير عادى وفضه، وحق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وتمثيل الدولة فى الداخل أو الخارج وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وتعتبر جزءا من النظام القانونى فى الدولة، وتعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفائهم من مناصبهم، وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وعزلهم على الوجه المبين فى القانون واعتماد ممثلى الدول الأجنبية، والعفو عن العقوبة أو تخفيضها، أما العفو الشامل فلا يكون إلا بقانون، بالإضافة إلى السلطات والاختصاصات الأخرى المقررة لرئيس الجمهورية بمقتضى القوانين واللوائح..
يعنى الاختصاصات موجودة فى الإعلان الدستورى الذى يعد دستورا مؤقتا للبلاد إلى حين التوصل إلى تشكيل الجمعية التأسيسية ومعاييرها.. اللهم إلا أن المجلس العسكرى يريد شيئا آخر..