لم يكن فى نيتى أن أكتب فى موضوع الدكتور محمد البرادعى لعدة أسباب، أهمها أننى قررت أن أقف كمراقب للأحداث، حتى تتضح لى الرؤية من وراء هذا التحرك، فقد عاصرت محمد البرادعى كدبلوماسى، وتابعت مساره الدولى بكل سعادة وتقدير.. وقد شعرت وهو يتسلم جائزة نوبل للسلام بأنها قد مُنحت للدبلوماسية المصرية التى أفرزت الدكتور محمد البرادعى.. وقناعتى الذاتية بأن الدكتور محمد البرادعى قد حرك المياه الراكدة فى الحياة السياسية المصرية، مستنداً فى هذا إلى كونه مصرياً ووطنياً أصيلاً، أراد التعبير عن تصوره لحاضر ومستقبل بلده، فى رؤية إصلاحية للنظام السياسى السائد، بهدف الوصول إلى الديمقراطية الحقة، التى تعتمد على التعددية الحزبية- الحقيقية- والأسلوب المتفق عليه فى أبجدياتها لضمان التمثيل الأوفق لممثلى الشعب- سواء فى البرلمان أو الرئاسة- مع اعتماده معيار العدالة الاجتماعية والإصلاح التعليمى والبحث العلمى والاقتصادى والاجتماعى فى رؤية عامة، ولكنها تنم عن فكر هادف. وكان ما دعانى إلى أن أكتب هذا المقال أنى قد قرأت لبعض من النخب السياسية المصرية كلاما لا يتسق مع هذا المقام. ■ فالقول إن مناقشات وأحاديث كثيرة حول البرادعى استندت إلى معلومات غير كاملة أو غير دقيقة بأنه عالم ذرة، فى حين أنه حاصل على الدكتوراه فى القانون من الولاياتالمتحدةالأمريكية، والربط بينه وبين حلم دخول مصر عصر الذرة الذى تأخر كثيراً- هو قول مرسل وغير مؤسس على واقع أو تحليل سياسى، فالبرادعى لم يدّع يوماً أنه عالم ذرة، ولم يتطرق إلى اختراقه بمصر عصر الذرة فى أحاديثه الصحفية ولا الإعلامية، فضلاً عن أن رئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما كانت لتقتصر على علماء الذرة حتى نروج لهذا الدفع، علاوة على أن 99.9٪ ممن دعموا الدكتور البرادعى لم يفكروا فى موضوع عصر الذرة المصرية، وربطه بتحرك البرادعى السياسى. ■ كما أن القول بأن الدكتور البرادعى عندما كان قريباً من المغفور له بإذن الله وزير الخارجية- القوى- إسماعيل فهمى، كان يتعامل مع بعض زملائه وأقران له أو أكبر منه سنا أو أرفع منه فى المرتبة الإدارية بأسلوب كان محل شكواهم، وإسقاط ما تقدم على شكوى بعض مستقبليه فى المطار باعتباره قد تجاهلهم ولم يخرج لتحيتهم.. هو تعميم يخل بالحقيقة، فقد كنت من أقرانه ولم أشعر منه بالتعالى، بل بكل الإنسانية والشهامة، التى كان يستخدم فيها علاقته الحميمة بالوزير إسماعيل فهمى فى تذليل وتحقيق المطالب العادلة لزملائه، خاصة أنه كان ضمن مهامه متابعة أعمال إدارة شؤون السلك الدبلوماسى والقنصلى المسؤولة عن ترقيات وتنقلات وشؤون الدبلوماسيين، وهى إدارة غاية فى الحساسية بالنسبة لمستقبل الدبلوماسيين. علاوة على أننى لم ألحظ سمة التعالى على محمد البرادعى، وربما جاز لى استبدالها بمصطلح الأدب الجم، الذى قد يصل لحد الخجل كتقرير للواقع. فضلاً عما تقدم فلا أعتقد أن الدكتور البرادعى قد رفض الالتقاء- بإرادته- بجموع مستقبليه، وربما كان العكس هو الصحيح، بدليل إصراره على العبور بسيارته وسط جموع المستقبلين، وفاء لتحملهم مشقة الحضور لاستقباله. ■ أما عما ذكر عن تأكيد الدكتور البرادعى تقدمه بطلب تشكيل حزب يعكس فكره، فلقد عصرت ذاكرتى، ولم أجد تأكيدا لهذه المعلومة- وأدعى أننى من المتابعين الجيدين للصحافة والإعلام المصرى والعربى- وحبذا لو أمكن للدكتور البرادعى تشكيل هذا الحزب، حتى يصحح من الخريطة الحزبية المصرية. ■ إننى من غير الموقنين بأن هدف هذا التحرك السياسى للدكتور البرادعى هو خوض الانتخابات الرئاسية القادمة، للعديد من الأسباب أهمها تقديره صعوبة تحقيق ذلك فى هذا التوقيت فى هذه الفترة الزمنية المحدودة، وقناعتى بأنه سعى للاستفادة من وضعه ومكانته الدولية والسياسية، لدخول معترك الإصلاح السياسى المصرى كهدف وطنى أساسى. وفى النهاية فإننى أود أن أقول- كأحد الليبراليين المصريين- قولاً حقاً: إننى غير منحاز إلى شخص، ولكنى أنحاز وبشدة لمصر ومستقبلها، وأرى أن السير فى طريق تحقيق الديمقراطية- الحقيقية- هو أمر وجوبى، وأن التعديلات الدستورية التى تذلل السير فى هذا السبيل باتت ضرورية، وأن الترقى بالمواطنة لتصل لمستواها المأمول بات حتمياً.. ذلك أن مصر تعانى من كثير من المشكلات الملحة التى تستوجب مشاركة الشعب الحقيقية فى رسم مستقبل بلده ووطنه، فى لحظة مفصلية فى تاريخه. * دبلوماسى وسفير مصر السابق فى دمشق