الرسائل المؤرخة ما بين 1953 و1960، كتبها الى صديقه الأرستقراطي من مدينة البندقية جيانفرانكو ايفانسيتش، الذي ألهمت شقيقته أدريانا الكاتب إرنست همنغواي لكتابة أشهر رواياته. يكتب آرنست همنغواي في إحدى رسائله "نعم لقد إفتقدتك. أفتقد أنكل ويلي. لقد إضطررت لإطلاق النار على بعض الناس، لكن لم أطلق أبداً على من عرفته وأحببته منذ 11 عاماً. ولا على الذي يموء برجلين مكسورين". وأنكل ويلي هو إسم الهر الذي كان مؤلف "الشيخ والبحر" يملكه، مات في حادث سيارة في كوبا، في 22 فبراير/شباط عام 1953. لقد كان قلب الشيخ يتألم وهو ينظر الى البحر، أو الى الصياد، أو الى الذين يكافحون من أجل الحياة، أوالى الهر وهو يتالم. هكذا يبدو همنغواي الرقيق، والمرهف الإحساس، والعاطفي، عندما يكشف لصديقه جيانفرانكو ايفانسيتش، وهذا لقب أرستقراطي إيطالي معروف، الذي كان إلتقى به في حانة في البندقية عام 1949. كانت جروح الحرب قد جمعتهما، ليشرعا فوراً في الحديث عن تجربتهما في جبهة القتال. لقد كانت بداية علاقة متينة، علاقة فريدة، إنعكست من خلال رسائل متبادلة، غير منشورة، فيما بينهما، والتي أُعلن عنها الآن، للمرة الأولى. وبفضل جيانفرانكو، تعرّف همنغواي على شقيقته أدريانا إيفانسيتش، البالغة 19 عاماً، والتي كانت مصدر إلهامه في بناء الشخصية الرئيسية في روايته "عبر النهر وبين الشجار"، وكذلك روايته الفائزة بجائزة بوليتزر "الشيخ والبحر"، أثناء إقامته في كوبا عام 1950. والحب الذي كان همنغواي يكنه لأدريانا، لم يكن سوى حباً من النوع الإفلاطوني.
وتأريخ هذه الرسائل غير المنشورة يقع بين الأعوام 1953 و1960، أي قبل عام من يوم 2 يونيو/ حزيران من عام 1961، الذي إسيقظ فيه همنغواي مبكراً، وتوجه الى خزانته، وإستلّ منها بندقية الصيد وأطلق رصاصة في رأسه. بعض هذه الرسائل مكتوبة عن طريق آلة الطابعة، والبعض منها بخط اليد، وكانت تصل البندقية في مغلف، من مزرعته في فيخيّا في كوبا. وفي مناسبات أخرى، كان الحائز على جائزة نوبل للآداب يبعث برسائله من كيتشوم، وكليمانجارو، وإداهو، ونيروبي، وباريس، ومدريد. أن هذا الجانب الرهيف، والمفعم بالمشاعر، الخفي في شخصية الكاتب الكبير، لم يكن معروفاً إلاّ بعد العثور على 15 رسالة، في صندوق يحتوي على وثائق خاصة به، كان بحوزة المكتبة الرئاسية الخاصة بمؤسسة جون إف. كينيدي. وأن الخبراء والمحللين يتفقون على أن هذه النصوص تسلط الضوء على صورة مختلفة تماماً لهمنغواي المعروف بعلاقته بجبهات القتال، والصيد. أن الجانب الإنساني في إرنستو، والذي تعكسه هذه الرسائل، يدعونا لأن نحتفل به. وكانت مؤسسة مكتبة كينيدي ( المعروف عن رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية أنه كان من المعجبين جداً بهمنغواي، وقد سمح لزوجة الكاتب الرابعة، ماريا، السفر الى كوبا، رغم المنع المفروض على السفر، من أجل إسترداد الأوراق الخاصة بالعائلة، ومتعلقاتها) قد إقتنت الرسائل من جيانفرانكو ايفانسيتش في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وكانت سوزان رين، المسؤولة عن متعلقات همنغواي سافرت الى إيطاليا، للإجتماع بالعجوز جيانفرانكو للغرض ذاته. الرسالة التي كتبها همنغواي عن موت "أنكل ويلي"، تعبّر عن الصراع الداخلي الشرس للكاتب مع ذاته، من أجل الفصل بين حياته الخاصة وحياته المتعلقة بالآخرين. ويروي مبدع "وداعاً للسلاح"، تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم، الذي أتت الى محل إقامته مجموعة من السياح. حيث يعرض أحدهم، وبصورة مفاجئة، التضحية بالحيوان، لكنه، يضيف قائلاً، أنه لم يتمكن من المجازفة. يكتب همنغواي لجيانفرانكو "كنت لا أزال أملك البندقية، وأوضحت لهم بأنهم قد أتوا في وقتٍ غير مناسب، وطلبت منهم أن يتفهموا الوضع، ويغادروا المكان". إلاّ أنه لم يتمكن من إقناع أحدهم، وهو الذي قاطع الكاتب قائلاً: "لقد وصلنا في الوقت الأكثر إثارة، وفي الوقت الذي نستطيع فيه مشاهدة همنغواي الكبير وهو يبكي، لأن عليه أن يقتل هراً". ويستمر همنغواي في الكتابة لصديقه: "لقد قمت بإذلاله، بكل ما تعنيه كلمة الإذلال. لا أريد أن أدخل في تفاصيل أكثر". في إحدى رسائله الأخيرة، والتي تحمل تأريخ 30 مايو/ آيار 1960، يقر همنغواي: "لقد عملت بجهدٍ مضني للغاية. فقد كتبت أكثر من 100.000 كلمة، منذ آواخر يناير، ويومياً، كلما أنتهي، أشعر بإرهاق شديد، يمنعني من كتابة الرسائل". وربما تعود هذه ال 100.000 كلمة لرواية "وليمة متنقلة"، التي تتناول حياته في باريس، وكانت صدرت في 1964.
في نهاية كل رسالة من هذه الرسائل المفعمة بالمشاعر الصادقة، يسأل إرنست همنغواي صديقه جيانفرانكو، دائماً، عن شقيقته أدريانا، حبه الإفلاطوني، وبارونة روحه.