أحدهم سيصبح رئيسا لمصر بلا برنامج! أمر مثير وغريب وغير منطقى ويُظهِر تماما مدى العبث والفوضى التى تعيشها مصر فى انتخاباتها الرئاسية.. فحتى الآن لا نعرف برنامجا واضح المعالم لأى من المرشحين للرئاسة، لا نقول برامج المرشحين للرئاسة بل نريد برنامجا واحدا «يوحِّد ربنا».. لتصبح انتخاباتنا فريدة من نوعها وناخبونا طرشانا فى زفة عريس لا يعرفونه، ويكون رئيسها القادم شموليا معتمدا على «ذاتية نفسه» كاللمبى بالضبط، بل إن «اللمبى نفسه» كان له برنامج فى حياته قائم على التنفيض والنوم فى أى مكان. فبعيدا عن جو التوافقيات وغيرها من التربيطات الرئاسية أو المؤامرات التى قد تحدث فى انتخابات الرئاسة.. لا أعرف كيف نذهب إلى صندوق الانتخابات ونعطى أصواتنا لأحد المرشحين ولم يعلن لنا أحدهم بندا من برنامجه.. سننتخب من لا نعرف؟ داخليا.. لا نعرف رأى أى مرشح وموقفه من ملف الشهداء والمصابين فى ثورة يناير.. وكيف سيتعامل معهم؟ هل سيضمن لهم حقوقهم؟ ويطالب (على الأقل يطالب) بإعادة التحقيق فى ملابسات قتل المتظاهرين فى أحداث الثورة بالكامل؟ هل سيعوِّض أهاليهم؟ هل سيحاول أن يقول لنا مَن قتل المتظاهرين؟ بما أن الجميع أخذ براءة ولا يتبقى فقط سوى مبارك والعادلى ويصبح قاتل المتظاهرين مجهولا تماما. لا نعرف إن كانت الداخلية سيُعاد هيكلتها بالفعل أم أن هذا المرشح أو ذاك سيدعم «مروى» فقط فى تطوير الداخلية؟ لا نعرف ما البرنامج الاقتصادى لأحدهم؟ ولا كيف سيتم إعادة هيكلة الصناعات المصرية بالكامل؟ ولا كيف ستتطور الزراعة؟ ونصبح دولة زراعية بحق بما أننا تتوافر لدينا البيئة اللازمة لذلك. لا نعرف ما برنامجهم لتطوير التعليم المتردّى فى كل المراحل بدءا من «كى جى 1» وحتى الدكتوراه؟ وما مصير حقل تجارب كل العصور والأزمنة الثانوية العامة فى عصره؟ وهل يستعين بخبراء تعليم فعليين يؤسسون لها نظاما لا يتغير بتغيره أو بتغييره لوزير التعليم؟ هل قال لنا أحدهم إن تطويره للتعليم لا يهتم بشكل خاص بالخلوة الشرعية فى المدارس ويركز فى الفصل بين البنات والأولاد أكثر من مراجعة معادلات الكيمياء فى كتابها للمرحلة الأولى أو الثانية من الثانوية؟ بالطبع الإجابة ستكون «لأ» على كل الأسئلة السابقة ولنعلم جميعا أن رئيسا بلا برنامج واضح عن التعليم هو رئيس مباركى تماما لن يتقدم بنا خطوة إلى الأمام وسيعيدنا إلى تعليم أسوأ وأقذر من العصر السابق. لا نعرف السياسة الخارجية لأى مرشح فجميعهم لخص الأمر فى أنه سيراجع عقود الغاز وسيحترم الاتفاقيات الدولية التى وقعتها مصر وإن تطرق واحد منهم إلى مراجعة كامب ديفيد فلم يقل لنا إزاى وإمتى؟ لا نعرف موقف أحدهم من ثورات الربيع العربى؟ أو مدى تعاونه مع دول بقيادات جديدة مثل تونس وليبيا؟ وكيف سيتعامل مع ملف مياه النيل؟ وكيف ستكون علاقته مع أمريكا؟ هل ستكون قائمة على منطق الركوع أم السجود؟ البعض يقول إن المرشحين الأبرز فى سباق الرئاسة يمتلكون برامج انتخابية لكنهم لن يعلنوها الآن خوفا من غضب أى فريق منهم فى ظل انقسام البلد ما بين ليبراليين وإسلاميين وغيرهم من التوجهات السياسية، لكن الحقيقة فى رأيى أن هؤلاء المرشحين يستغلوننا وسيصبح بالفعل أحدهم رئيسا لمصر دون أن نعرف ماذا سيفعل بها أو بنا؟ أعلم تماما أن أى مرشح بلا برنامج يضحك علينا -حتى وإن كان الجميع فعلا يضحكون علينا و«هيلبِّسونا» فى رئيس- وأعلم أيضا أن مبارك كان له برنامج فى انتخابات الرئاسة عام 2005 فى الوقت الذى كان فيه يضمن نجاحه بلا ذرة شك، ونشره وقتها فى «أهرام الجمعة»، وأعلم أيضا أن «الدول المحترمة» التى تقدر تماما المواطن يعلن المرشحون فيها عن برامج انتخابية لها شعارات معينة معروفة ويأتى كل رئيس ببرنامج معين ينفذه ويحاسَب عليه بعد انتهاء فترته. أوباما مثلا فى برنامجه عام 2008 كان يعتمد على ملف التأمين الصحى كأهم بنود برنامجه؟ هل نعرف نحن على سبيل المثال ماذا سيفعل أى مرشح فى التأمين الصحى أو الدعم أو حتى أنابيب البوتاجاز؟! يكفى أن صحفيا منذ أيام قليلة اتصل بأحد مرشحى الرئاسة يسأله عن أمر ما فقال له لا أستطيع التحدث معك الآن لأننى أكتب البرنامج.. سيادته لسه بيكتب البرنامج؟