إذا لم تكن قد شاهدت مسلسل «الضائعون» «Lost» وهو احتمال ضعيف للغاية فمن المؤكد أنك سمعت عنه أو قرأت عن الجدل الذي أثاره، والذي مازال يثيره حتي الآن، وكانت آخر أخباره منذ أسابيع تلك الحملة التي أقامها المعجبون بالمسلسل علي الإنترنت ودفعت الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» إلي تغيير موعد خطاب الاتحاد الذي كان يفترض أن يلقيه في نفس موعد عرض الحلقة الأولي، وفي النهاية رضخ البيت الأبيض وغيّر موعد خطبة الرئيس حتي لا تتعارض مع موعد عرض الحلقة التي ربما يتلهف الرئيس أوباما نفسه علي مشاهدتها أكثر من لهفته علي إلقاء خطابه السياسي الذي كان بمثابة إعلان فشله سياسياً في تحقيق الكثير في عامه الأول في البيت الأبيض، وإذا كنت من المشاهدين المدمنين لحلقات المسلسل الذي يحكي حكاية مجموعة من الناجين من سقوط طائرة فوق جزيرة غامضة يوم 22 سبتمبر عام 2004، فمن المؤكد أنك استمتعت بكل دقيقة من الاثنتين وأربعين دقيقة مدة عرض الحلقة، ولكن زميلنا في الدستور «هشام فهمي» يشكك في كتابه الأخير عن المسلسل أن المشاهد العربي قد حصل علي المتعة كاملة، الكتاب صدر عن دار كيان للنشر والتوزيع وعرض في معرض الكتاب الأخير، وهو كتاب دسم وفخم وأنيق الطباعة ويستحق الاقتناء سواء من عشاق المسلسل ومتابعيه، أو ممن قرروا البدء في مشاهدته والاستمتاع به، فالمسلسل المكتوب بدقة وحرفية شديدة اعتمد علي كثير من الأسرار والرموز الخفية والتفاصيل التي ربما تكون قد مرت علي المشاهد دون أن ينتبه لها، ولم يكتف هشام في كتابه بمجرد الإشارة إلي أهم تلك التفاصيل وتفسيرها، بل قام بمجهود كبير فعلا في حصرها وفرزها وفي وضعها في مكانها الملائم ضمن الأحداث، وتضم دراسته التي حملت عنوان ( Lost أول دراسة باللغة العربية عن المسلسل الذي يشاهده الملايين حول العالم) 24 فصلاً كل منها يتناول حلقة من حلقات الموسم الأول، في كل فصل تحليل لما وراء الأحداث أو الظواهر الغامضة التي شاهدناها في المسلسل، طبيعة الجزيرة الغامضة والوحوش والظواهر الغريبة والآخرون الذين يعيشون علي الجزيرة، يفسر الكتاب غموض هذه الأحداث ويلتقط الإشارات التي تظهر وتختفي ولا يتمكن المشاهد من تذكرها مع ظهور أحداث ومواقف جديدة، يربطها التحليل مع الفلاش باك تيمة المسلسل الرئيسية التي تكشف كثيرًا من ماضي الشخصيات، تقوم الدراسة بمساعدة المتفرج علي تعويض كثير من المتعة التي يمكن فقدانها مع غياب هذه القطع عن اللوحة الكبيرة التي يصنعها المسلسل. إنه يفسر أيضاً عنوان المسلسل «الضائعون» بحالة الشخصيات التي تظهر منذ البداية نتيجة الحادث، الضياع هنا ظاهر في حالتهم علي الجزيرة التي لا يعرفون مكانها أو متي تأتيهم النجدة للإنقاذ، وهم أيضاً ضائعون في الزمن حيث يختلط في عالمهم علي الجزيرة الزمن الحاضر بالماضي، بالإضافة إلي الضياع علي المستوي النفسي والشخصي ومعاناة أبطال المسلسل نتيجة ماضيهم المرتبك، ويري هشام في دراسته أن المسلسل درس حقيقي لصناع الدراما في العالم، وهو يسد في دراسته النقص الكبير في الكتابة عن المسلسل في المطبوعات العربية التي عابها كثير من السطحية وعدم الدقة، ومن المؤكد أن التحليلات الجذابة التي احتوت عليها صفحات الكتاب بالإضافة إلي المعلومات القيمة والطريفة تمثل متعة للقارئ المهتم بالمسلسل والمتخصص المهتم بالدراما الأمريكية.