أصبحت الانتخابات البرلمانية القادمة حديث الساعة لأنها أول انتخابات بعد الثورة ولأننا نعقد الآمال عليها لنبني مستقبل بلادنا لعقود قادمة لكي تحدد معالم الديموقراطية التي طالما تمنيناها والتي حرمنا منها علي مدي عقود مضت. نتمناها انتخابات نزيهة شفافة ، لا عنف فيها ولا دماء ، بدون بلطجية وبدون رشاوي انتخابية ، نريدها انتخابات حرة يتسابق إليها كل المواطنون ليختاروا ممثليهم بكل وعي حتي يتحملوا نتائج اختياراتهم .. لم يعد لدينا إلا التفاؤل رغم الضباب الذي يملأ الأفق من حولنا ليحجب عنا جانبا من الحقيقة .. حتي الآن تقدم ما يزيد عن 10 آلاف مرشح لانتخابات مجلسي الشعب والشوري ، منهم حوالي 2000 مرشح من فلول الحزب الوطني المنحل وذيوله ، أما الناشطون الذين يخوضون الانتخابات لأول مرة فيتنافسون علي المقاعد الفردية ويواجهون تحدي اتساع الدوائر الانتخابية بعد إعادة تقسيمها وتحدي سلاحي المال والبلطجة وهي الأسلحة التقليدية التي تحسم المعركة الانتخابية لصالح الطرف الأقوي ، أما أصعب العقد فهي القوائم الحزبية التي تمثل لغزا يصعب علي الناخب فهمه رغم أن إعدادها استغرق وقتا وجهدا ومعارك ضارية بين الأحزاب بعضها معلن ومعظمها خفي .. فانفضت تحالفات وأقيمت أخري تحت ضغوط حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين الذي قرر السيطرة علي المجلس القادم دون منازع معتمدين علي خبرتهم في الانتخابات السابقة ، وأصروا علي أن يوضع مرشحيهم علي رأس القوائم حتي يضمنوا الفوز بأكبر نصيب من كعكة المجلسين النيابيين ، وأعلن أحد قادة الحزب أنه يسعي إلي الفوز بنسبة تتجاوز 50٪ من مقاعد مجلس الشعب عبر الفوز بأصوات 25 مليون ناخب اعتمادا علي تأييد 65٪من الأغلبية الصامتة لفكر الإخوان بينما سيصوت الباقون لصالح الليبراليين والعلمانيين !، أما الأحزاب السلفية الأخري فقد أعلنت تحالفها تحت اسم التحالف الإسلامي ساعين للفوز بنسبة 30٪ من مقاعد المجلس .. تلك أمانيهم وخططهم التي تؤكد عزم الفريقين علي استخدام الشعارات الدينية للتأثير في الناخب البسيط عبر مخاطبة مشاعره الدينية .. ومنذ أيام خرج أحد المحامين من قادة الإخوان في تصريحات استفزازية في مؤتمر انتخابي بالاسكندرية ليعلن أن الحزب سيشكل الحكومة ويدير مصر وأن "الفلول إذا طلعت من الحفر التي تختبيء بها فسوف تدفنها الجماعة" وأضاف أن الجماعة انتقلت بعد الثورة من مرحلة تحدي حماية الدعوة الي مرحلة تحدي حماية الدولة ولو فكر أحد في إقصاء الاخوان أو تهميشهم "يبقي بيلعب بالنار واللي بيلعب بالنار هتحرقه"! ، هذا جانب من التصريحات النارية المستفزة التي تسبق الانتخابات والتي لا تدفع المواطنين للإطمئنان إلي البرلمان الجديد الذي تبدو ملامحه قلقة غامضة في غياب الفرص العادلة للشباب الذين قاموا بثورة يناير وواجهوا الموت من أجل مستقبل أفضل لمصر، ورغم إعلان المجلس العسكري عن دعمه لأحزاب الشباب بإعفائهم من نفقات الإعلان عن الحزب بالصحف لكن ضيق الوقت وقلة الخبرة السياسية لن تتيح لهم فرصا حقيقية للمشاركة الفعالة والمنافسة في الانتخابات أمام قوي تملك الخبرة والإحتراف والتمويل الضخم .. وللأسف فإن الشواهد تشير إلي برلمان أغلبيته من الإخوان والجماعات الإسلامية وأقليته من الأحزاب الباقية ولن يبقي للشباب إلا الفتات .. ولكن لازلنا نأمل في صدور قرار بالعزل السياسي لأعضاء الحزب الوطني المنحل لمنعهم من خوض الانتخابات البرلمانية. أما الجمعيات الأهلية ووسائل الإعلام فدورهم رفع وعي الناخبين.