قدم «محمد هنيدى» عبر شخصية «همام» فى فيلمه الثالث، نموذج لمهاجر مصرى غير شرعى حاول أن يصدر للهولنديين «الاستعباط» المخلوط بما يظنه «صياعة» أو«فهلوة» معجونة بقدر لا بأس به من «النطاعة»، عن طريق الوقوف فى أحد الأماكن المخصصة لإنتظار الدراجات التى يستعملها هؤلاء الناس المتحضرون، وصراخه وكأنه فى موقف «وراق العرب» (باركينج .. باركينج أند كلينينج) ممسكاً بفوطة متسخة، ومهرولاً (بكل ما حبته به طبيعته الفقيرة من قدرة على الاستلواح) تجاه أى شخص يحاول أن يُخرج دراجته ليعاونه - قسراً - فى مهمته السهلة، متبعاً ذلك بضربات متتابعة من فوطته المتسخة فى الهواء (كناية عن عملية التنظيف) فى بلد من الممكن أن تأكل فيه الطعام من على أرضية الرصيف بدون خوف أن يكون مختلطاً بذرة تراب. بالطبع أدرك الهولندى انه أمام أحد الشحاذين الذين أبتلاهم بهم جنوب العالم المطحون والمُبتلى بالدكتاتورية والفقر فتطوع بإعطائه بعض «الجيلدرات» مما كان له عميق الأثر على خيال «همام» المريض أن تمثل تلك «الحسنة» دافعاً قوياً لنفسه الملوثة بالجوع لأن يستمر فى «الشحاذة» مقنعاً إياها - نفسه - بأنه يقوم بعمل شريف له فائدة ما! ولكن لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً (لم يحدد القرءان جنسية أو دين صاحب العمل) وأراد بهؤلاء الناس المتحضرين إنسانياً خيراً، وأيضاً لإنقاذ عبده الغبى من إمتهان التسول، أرسل له أحد رجال الشرطة ليجرّه من قفاه العريض إلى أقرب «كراكون» هولندى والذى يشبه إستقبال أحد الفنادق المحترمة فى بلدنا المنكوب. بالطبع ما حدث كان متوقعاً لأن قوانين العالم المتحضر تقاوم الاستنطاع والسرقة والاحتيال على خلق الله تحت إدعاء القيام بعمل وهمى لا يستفيد منه أحد، إلا نحن! لأن حكومتنا ترعى النطاعة وتربيها وتشد من أزرها وتساعدها على النمو والتطور وعلى إبتكار أساليب جديدة لسرقة مواطنيها المغلوبون على أمرهم، وهيأت بيئة خصبة من الجهل والفقر والمرض والقوانين المعيبة لينتشر «الاستنطاع» ويتطور ليصبح فناً وأسلوب حياة للبعض، ونظرة من حولك لكل مناحى الحياة لتجد الأنطاع وقد تصدروا المشهد السريالى فى كل مجال. على سبيل المثال (لعدم القدرة على الحصر) عند دخولك أى من المولات الكبرى - التى انتشرت فى بلدنا السعيد التى ينعم أكثر من نصف سكانها بالحياة تحت خط الفقر - ستجد أسراب من هؤلاء الغلابة الذين يمارسون النطاعة كعمل (أو العكس) وقد أرتدى بذلة رخيصة، وكرافتة عدمانة، داعياً إياك بإلحاح لتسجيل إسمك لتفوز بهدية مجانية! وبالطبع من يستجيبون ويفعلون ذلك (حياءًا أو طمعاً) يسقطون فريسة لهذه الشركات عن طريق دفع أموال فى منتجات أو منتجعات ليس لها وجود أصلاً. وعند خروجك بسيارتك (أو التى يحلو لك أن تسميها كذلك) إلى الشارع الذى يشبه سيرك أو مولد بدون صاحب، ستجد بعض أفراد «الشرطة» يمارسون نوع أخر من النطاعة وهو التلويح بدفتر المخالفات لكن مع السماح لك «بالركنة» صفاً ثانياً أو ثالثاً مع دفع «المعلوم» من الجميع و«المجهول» من القانون بالطبع - خاصة لو كنت تركن أمام أحد البنوك أو الكافيهات - وبالنسبة للأماكن التى لا يوجد بها فرد شرطة (وهى كثيرة بسبب الخواء الأمنى والعقلى) ستجد بها أحد هؤلاء الأنطاع وقد أحتل الرصيف والمساحات المخصصة للركنة بجانبة واضعاً «أحجاراً» أو «كراسى محطمة» أو «كاوتش سيارة قديم» أو «فرع شجرة يابس» ليحجز المكان لراغبى متعة الركنة! ومع مرور زمننا الغابر الذى نعيبه والعيب فينا، وبتتابع الأيام السوداء على هذا الوضع الذى أصبح أمراً واقعاً، تغير التعامل من قبل هؤلاء «الألواح» البشرية ليصبح الشارع «حقاً» مكتسباً بوضع اليد لهؤلاء «الأنطاع» الصيّع! وبعد أن كان إبتزازك مقروناً بجُملاً من نوعية «كل سنة وانت طيب يا بيه»، أو مزيناً بأفعالاً مثل مسح الزجاج أو فتح باب السيارة لك أو للمدام، تغير الوضع لجمل من نوعية "هتتأخر سيادتك؟" أو أفعالاً مثل فرض تسعيرة جبرية وبالساعة كمان! وإذا كان عاجبك!! بشكل شخصى حاولت مرات عدة مقسماً بأغلظ الأيمان ألا أعطى أى «لوح» من هؤلاء المتنطعون أى أموال، ولكنى كنت أفشل كل مرة لجرأتهم على إبتكار وسائل جديدة لتحصيل أموال لقاء الرصيف المحتل، مثل الحواجز سالفة الذكر أو بالتلويح أن السيارة من الممكن أن تصاب بضرر ما (والحدق يفهم)، ولكن فى أغلب الأحوال كنت أقنع نفسى (كنوع من الاستسهال) أن هؤلاء الصّيع هم فى الأصل «ضحايا» وأن هذا النوع من «الاستلواح» لن يكون مقبولاً فى دولتنا الجديدة التى ستأخذ بأسباب التقدم والعلم! ولكنى بمرور الأيام الثقيلة أزداد يقيناً إننى كنت واهماً وشاطحاً فى الخيال إلى حد بعيد لأنه لا يبدوا فى الأفق «دولة» ولا «عِلم» ولا نيلة. ولو كان فى استطاعتى فيما مضى أن أجد حجة لأسراب الصيّع الذين يسدون الأفق فى الطرقات، فما فشلت فيه (بإمتياز) هو أن أجد أى حجة لإستنطاع أغنياء بلدنا المنهوب الذين يتسولون ويحتالون على مواردنا - القليلة أصلا بسبب حكام الشؤم - بشتى الطرق! بدءاً من ركوب سيارات تحمل نمر «جمرك» (وتلك للعجب كناية عن أنها لم تدفع جمرك أصلاً!!!) فضلاً عن عدم دفعهم أى مخالفات أساساً، غير جيوش من المحاسبين القانونيين الذين لا شغلة لهم إلا إبتكار طرق جديدة للتهرب من الضرائب (التى يدفعها المحاسب القانونى نفسه كاملةً!!!) أو الحصول على منافع (تشمل الأراضى والمناصب وعضوية المجالس والإنتداب بكل أنواعة..إلخ) بدون أى وجه حق، أو بدلاً من صاحب الحق الأصلى، والذى يكون فى الأغلب (أو فى كل الأحوال) من النسبة غير المحظوظة التى ترفل فى حياة أخرها دخول الجنه قبل غيرهم كما وعدهم الله الذى لا يُظلم أحد عنده. ولكن كل عينات النهب والإحتيال والسرقة المذكورة أعلاه، والتى تعد كلها من فنون الاستهبال والنطاعة التى برع فيها قطاع عريض من الشعب المنكوب بحكامه الظلمة، لا ترقى إلى مستوى جرائم الاستنطاع السياسى التى تمارسها الكثير من الفصائل (من فصيلة) التى تتمحك فى السياسة وتدعى زوراً ممارستها كوسيلة للإحتيال على الغلابة الذين يحلمون بغد أقل سؤاً، وأوضاع أقل هواناً. فارق كبير بين من يحتل «شارعا»ً ليسترزق منك ومن يحتل «وعيك» ليستنزفك، أو من يتسول «ملاليم» تحت ستار «باكو مناديل» ومن يتسول مقعد فى البرلمان تحت ستار أنه سيصحبك للجنة! بين من يستلوّح ليسلبك بضعة جنيهات ومن يستلوح ليسلبك حاضرك ومستقبلك، هناك فارق بين من يسوق الهبل على الشيطنة ليبيعك الهواء أو ما لا تحتاجة، ومن يفعل ذلك ليبيعك للأعداء ليسطو على مقدرات وطن بأكمله، بين من يدعو لك ولأولادك لتنفحه جنيهاً ومن يعدك بمستقبل أفضل لك ولأولادك (فى الجنة لأن الدنيا فانية). من الخطأ أن يمارس أحدهم النطاعة على إمرأته ليستولى على راتبها، ولكن الخطيئة التى لا تغتفر أن يقول أن كل المرأة عورة ثم يستخدمها للدعاية وكمطية للوصول إلى ما يريد! من يمارس الاستهبال للبقاء فى السلطة بضعة شهور حتى يقوم بتهريب أو تسهيل خروج بعض الأموال يرتكب ذنباً، ولكن من يمارس الاستلواح ويخبرك أنه لن يبقى إلا فترة إنتقالية لن تتعدى الشهور حتى نرى الضوء فى نهاية النفق، أو رغيف العيش فى نهاية الطابور، ثم يخطط للبقاء للأبد قد أرتكب كبيرة الكبائر! والجميع نسوا أو تناسوا قول «مانتوس» الحكيم: "ماتحاولش .. غيرك ماقدِرش"