تقسو الحياة عليّ أحيانا، فأسامحها دائما. أفتح صفحة جديدة وأكتب قصيدة أخرى كي لا أستسلم. يوم الأحد الماضي كتبتُ مقالا أودع به زملائي وأصدقائي في مكتبة الإسكندرية التي ينتهي عملي بها يوم الخميس القادم. كتبتُ لهم كلاما حزينا مفعما بالمحبة، ثم خففتُه عليهم كي لا أؤلمهم برحيلي. بعد إعادة كتابة المقال أكثر من مرة، وقبل إرساله لموقع الدستور، فجعتني أحداث ماسبيرو. يا إلهي الرحيم! كنت أشفق على نفسي وأصدقائي من كتابة وداع حزين، فكيف يمكنني الآن أن أكتب شيئا عن هذه الكارثة؟ ما الذي يمكن أن أكتبه عن مينا دانيال الذي طاف أهله بجسده في ميدان التحرير قبل دفنه احتراما لرغبته؟ ما الذي يمكن أن أكتبه عن فيفيان التي تبكي وفي حضنها كف خطيبها المسجى على الأرض؟ لكن الكارثة أكبر من ذلك، لأنها تذكرني بقتل خالد سعيد، حين يُقتل إنسان بهذه البشاعة، ثم لا يكتفي القتلة بجريمتهم، فيجتهدون في تشويه القتيل والحط منه والتطاول عليه، وهو جثة ممزقة لا تقدر على الدفاع عن شرفها الإنساني إلا بدمها المراق. علينا إذن أن نفعل شيئا، نحن مسئولون عن إنسانيتنا؛ وملزمون بعمل أي شيء أمام هذا الإجرام. في مايو الماضي جاء الصديق الرائع علاء الأسواني ليتحدث بإحدى ندوات الإسكندرية، فالتقينا قبل الندوة، وسألني عن رأيي في مصر الآن، فقلت له إنني متشائم وخائف من أن تمر سنوات قليلة فنقرأ في الكتب والصحف عن "انتفاضة 25 يناير" أو "مظاهرات 25 يناير"، وينتهي الأمر. الآن أشعر أن تشاؤمي كان في محله، لكنه يقتضي أن تكون المدة الزمنية هي شهور قليلة وليس سنوات قليلة كما تصورت. مع ذلك لا أشك في أن تشاؤمي هذا نوع من التفريج عن كربي، وأننا رغم كل شيء سننهض وسننتصر لأنني أشاهد نماذج لا يسعني إلا الفخر بها والتفاؤل بسببها، وكنت على وشك الكتابة عنها مثل مستشفى القباري العام، الذي لا يمكنك إلا أن تتفاءل وتنتشي إذا قرأت مقالا عما حققه المصريون الشرفاء من خلاله بعد الثورة. لكل ذلك فكرتُ أنه من المناسب ألا أكتب شيئا عن الدماء والجثث الممزقة و... أريد أن نفعل شيئا حقيقيا، الآن، في هذه اللحظة، يجب أن نخطو خطوة للأمام. لنفكر معا في حقوق الضحايا: من الذي قتلهم؟ أكيدٌ أنه لم يقتلهم قاتل واحد، هناك قتلة كثيرون ينبغي أن يُحاسبوا. هل شاهدتَ هذا المقطع ضمن تغطية الإعلام المصري؟ http://www.youtube.com/watch?v=E7m08JJdxao&feature=player_embedded الاقتراح الآن الذي سأتبناه بهدوء وإصرار: هل يوجد بين المصريين محامون شجعان يحرصون على مقاضاة المدعو هيكل وقيادات التلفزيون المصري بسبب هذا التطاول والكذب؟ وهناك جرائم أخرى لهذا الإعلام: تحريض أهالي بولاق أبو العلا على الاعتداء على المصريين المسيحيين بماسبيرو بعد أن سحقهم الجيش بعرباته وسلاحه. لكن دعوني أسأل: من الذي اختار هيكل وزيرا للإعلام؟ أليس عصام شرف؟ رغم أن هيكل أعلن عداءه للثورة في مقال صريح بالوفد يوم 24 يناير، ومع ذلك اختاره شرف وزيرا فهو مسئول أيضا عن كل كلمة قالتها هذه المذيعة التي تتساءل ببلاهة: لمصلحة مَن هذه الأحداث؟ وأنا أقولها لها بصراحة: لمصلحة المشير طنطاوي والمجلس العسكري الذي أصر على إجهاض ثورتنا وزعم أولا أن الانتخابات الرئاسية في سنة 2011، ثم أجلها لسنة 2012، ثم في الإعلان الدستوري جعلها في 2013، والآن بعد إطلاق النار بهذه البشاعة وقتل المصريين بيد الشرطة العسكرية بدلا من أمن الدولة، سيعلن المجلس تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية. يا مجلس يا عسكري، لماذا قمنا بهذه الثورة؟ لأننا نريد دولة قانون حقيقية، دولة مؤسسات مبنية على القانون وفصل السلطات؛ يا مجلسنا نحن نريد سلطة تبني خططا للتنمية وتدرك أنها خادمة للشعب وليست سيدتنا التي تصبر علينا صبر أيوب. يا مجلسنا أريد أن أقول لك ببساطة شديدة إن السلطة التي تفكر بطريقة مبارك، يعني تفكر أن تحفظ بقاءها بتهديد أمن المواطنين وقتل الأبرياء منهم وفقا لنظرية "أنا أو الفوضى"، حتى يرتعب الناس ويركعوا لهذه السلطة التي تستخف بعقولنا وتدفع إعلامها الكذاب إلى الإعلان عن قتل ثلاثة جنود بيد المصريين المسيحيين دون أن نعرف اسما لأي منهم، ودون أن نصدق أن المصريين المسيحيين سيخرجون بمظاهرة ومعهم ملوتوف وأسلحة... هذه السلطة يا مجلسنا لا تصلح أبدا لمصر بعد الثورة، لأن الثورة قامت لتسقط هذه العقلية وتأتي بعقلية أخرى تفكر بدأب شديد: كيف نخدم المصريين وننمي وطننا؟ أين خطط التنمية التي وضعتها الحكومة؟ وما رؤيتها لتطوير الاقتصاد المصري وزيادة دخل الفرد؟ وما موقفها من الغلاء المتسارع الذي يهددنا بثورة جياع لا تبقي ولا تذر؟ أين شرف والمجلس من كل ذلك؟ لماذا يشغلون أنفسهم بإقناعنا بأن الفتنة الطائفية على الأبواب، وبأن المصريين يقتلون الجيش. هل تعرف يا مجلسنا ويا شرفنا: منذ فترة قررت مقاطعة أي مسيرة للتأكيد على الوحدة الوطنية، لأنني شعرت أنني حين أردد بأننا شعب واحد وإيد واحدة، فكأنني أسير بمسيرة وأهتف فيها: أنا اسمي عمر عبد العزيز حاذق، أنا اسمي عمر عبد العزيز حاذق، أنا اسمي عمر عبد العزيز حاذق........ هل يحتاج أحد إلى أن يظل يذكر نفسه بهويته لأن السلطة الحاكمة له تصر على أنه ليس هو، وأن إنسانيته منقوصة، وأنه في عداء مستمر مع إخوانه. يعني يا مجلسنا، هل تتصور فعلا أنك ستقنعنا بأننا أعداء لإخوتنا المسيحيين أو ستقنعهم بأنهم أعداء لنا؟ سأبدأ من الآن البحث عن محامين لمقاضاة هيكل والإعلام المصري بتهمة التحريض على القتل، ابدأ معي يا صديقي القارئ، ولنعتمد على القضاء هذه المرة. يا مجلسنا... كفاية كده.