وصلتنى رسالة من قارئة مثقفة تحوى السؤال التالي: لماذا تكتب؟ وهل تعتقد أن الكتابة يمكن أن تؤدى- و لو على المدى البعيد-إلى إحداث التغيير الذى نحلم به؟ ولما كانت هذه القارئة هى فى نفس الوقت كاتبة شابة و صاحبة واحدة من المدونات الجديرة بالإعجاب، فقد أخذت سؤالها على محمل الجد و بعد طول تفكير كتبت لها ما يلى: "هذا السؤال صعب، وباعتبارى من قوم اعتادوا على أن تكون الأسئلة فى مستوى الطالب العبيط، الأمر الذى يجعل النجاح بتفوق هو شئ مفروغ منه..أجدنى مرتبكا ومترددا. وفى العادة عندما أجابه بسؤال من هذا النوع فإننى أرد بابتسامة ثم أغير الموضوع.. لأن الإجابة قد تقتضى العودة إلى أصل الموضوع، و أصل الموضوع قد يصل بنا إلى بدء الخليقة و قصة اَدم..و فى هذه الحالة لا أنت لديك الوقت و لا أنا لدى القدرة. ومن المؤكد أن سؤالك هذا لو كان وجها لوجه لحظيت بابتسامة الموناليزا ثم الهروب الكبير. و لكن لأنه سؤال مكتوب سأقول لك الآتى : إن المرء على قدر ما تتراكم المواقف و الأحداث طبقات فوق طبقات فى رأسه مكونة ما يسمى بالخبرة.. بقدر ما تكون السيناريوهات أمامه واضحة فتضيع المفاجآَت وتختفى مستوجبات الدهشة، و بناء على هذا فإنى لا أرى و لا أعتقد أن الكتابة يمكن أن تُحدث أى فرق أو أى تغيير كبر أم صغر، ليس فقط بسبب أن عدد الأميين فى بلدنا أكبر من عدد من يعرفون القراءة، ولا بسبب أن الأخيرين يعرفون القراءة لكن لا يمارسونها، وإذا مارسوها قرأوا حظك اليوم و أقبلوا على صفحات الرياضة فى الصحف..مع أن لا رياضة لدينا و لا يحزنون، و إذا فكروا فى قراءة صفحة الرأى لم يجدوا بها فى الغالب أى رأى..وإنما مجرد موضوعات إنشاء ركيكة من أجل ملء المساحة وكأن المساحة هى عبء على الكاتب وعلى الصحيفة، أو وجدوا كُتابا من نوعية عجيبة لا يشغلها سوى إرسال إشارات الغزل للمسؤولين و تسخير المقالات لصالح البزنس!..ثم المشتاقين الطامعين الذين تعدت أشواقهم حدود الطبيعى و المعقول الذين يكتبون فى مدح شخصيات تافهة وعيونهم على المناصب الموعودة. هذا هو ما يجده القراء فى الصحف، يسد عليهم الطريق و يسمم تفكيرهم، أما القلائل من الكُتاب الحقيقيين الذين يملكون الرؤية و يملكون الموهبة، فإن ما يكتبونه يضيع وسط محيط متلاطم من التفاهة، والقارئ المسكين يتوه و يضل. أما القراء الذين يشبهونك يا عزيزتى و يملكون الثقافة و الذكاء و القدرة على الفرز، فالكتابة الجيدة لن تغيرهم وإنما قد تساعدهم على أن يروا ما هم مؤهلون بطبيعتهم لرؤيته، وقد تُثبت يقينهم أو تحمل لهم شيئا من الترويح. لهذا لا أستطيع أن أخدعك وأقول إننى أكتب بغرض إحداث تغيير أو دفع المجتمع إلى الأمام أو التحريض على الثورة..لا لا شئ من هذا أبدا، أنا ببساطة أكتب لأن هذا يساعدنى على التخلص من السموم التى تعلق بالروح من جراء تفصيلات الحياة اليومية التى لا مفر منها، أى أننى أكتب لأعالج نفسى، وأحيانا أكتب لألوذ بالعالم الذى أصنعه من العالم الذى أعيشه. و إذا كنت تريدين مزيدا من الدقة..أنا أكتب لأن هناك بضعة أفراد من أصدقائى يحسنون الظن بى و ينتظرون ما أكتبه، وأنا أكتب لأسليهم و أمنحهم مادة للهزار على القهوة فى المساء. هذا هو ردى يا أستاذة، فما رأيك أنت؟