أكتب هذه السطور وأنا حيران ومشوش الفكر وأعاني أعراض قلق فلسفي خطير بسبب فشلي وإخفاقي التام في القطع برئ واضح تجاه تلك الإشكالية العويصة التي ربما تصوغ نفس حضرتها (الإشكالية) علي هيئة برئ سؤال يقول: ياتري ياهل تري، أيهما أكثر تعبيرًا عن حالة المصريين المحدثين الراهنة، هل هي الأمجاد والانتصارات الكروية التاريخية التي عشنا مؤخرا ومازلنا عينة من أفراحها ولياليها الملاح؟ أم أن الأزمات الأنبوبية البوتاجازية الوجودية المستحكمة والمتكررة كل أسبوع والتاني هي الأصدق تعبيرًا عن هذه الحالة؟! والواقع أنني لم أدخر جهدًا ولا جبنت أو تقاعست عن خوض غمار كل مغامرة عقلية ظننت أنها قد تساعدني في الوصول إلي يقين يمنحني إجابة محددة عن السؤال السابق، ويكفي هنا أن أشير إلي ما تحملته صابرًا محتسبًا وأنا قاعد صامد في جلسة جمعتني قبل أيام قليلة بنخبة ممتازة من الأصدقاء المثقفين علي رصيف المقهي البائس الذي يلملمنا كل مساء، في هذه الجلسة دار حوار فلسفي عميق جدًا حول إشكالية أو جدلية العلاقة الملتبسة بين كل من «الكورة» و«الأنبوبة» في حياة مصر المعاصرة !! والحق أن حرارة الجدل والتهابه الشديد خففت إلي حد ما من قسوة الزمهرير الذي كان يلفح ويضرب أقفيتنا ووجوهنا ومفاصل عظامنا بغير رحمة ولا شفقة بينما نحن منخرطون في مباراة فكرية حامية الوطيس استخدم الأصدقاء فيها كل ترسانة الأسلحة النظرية والمنهجية اللي خلقها ربنا بما في ذلك عبارات التقعير والتنظير المحرمة دوليا طبقا لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية رواد المقاهي الغلابة العزل الذين ليس لهم «في التور ولا في الطحين» وقد تسوقهم أقدارهم السيئة إلي القعدة علي القهوة بجوار حفنة مثقفين من نوع أصدقائي. ومنذ بداية الحوار كان واضحًا أن الجلسة منقسمة علي نفسها بين فريق ميال لإعطاء «الكورة» دوراً مركزيًا حاسمًا وحاكمًا في سياق التفاعلات السياسية والاجتماعية العميقة والتاريخية التي يموج بها مجتمع المصريين حاليًا، وبين فريق آخر يري أن «الأنبوبة» هي الجديرة باهتمام كل باحث جاد في واقعنا عن إشارات وعلامات تدل علي أي إمكانية قريبة أو بعيدة للنهوض والقيام من فوق الخازوق التاريخي الذي نستمتع به منذ ثلاثة عقود حتي الآن.. وقد بدأ السجال بمداخلة افتتاحية صاخبة قرع بها صديق من أتباع الأنبوبة أسماع الحضور قائلاً: أظن دلوقتي أن إخواننا الذين بالغوا واشتطوا وأسرفوا في تصديع أدمغتنا بنظرياتهم التعبانة حول دور «الكورة» وتأثيرها في حاضر الوطن ومستقبله السياسي والاجتماعي، لابد أن يعترفوا بخطأ منهجهم وطريقتهم المخبولة في التفكير .. ففي تلك اللحظة التي أتحدث فيها إليكم تعيد «أنبوبة البوتاجاز» إثبات حضورها الأصيل والطاغي في حياة هذا البلد وشعبه بما يؤكد أن كل العوامل والظواهر الأخري، بما فيها الموالد الكروية التي تخطف أبصار وتشد اهتمام بعض السطحيين، إنما هي طارئة ومؤقتة وإلي زوال فيما «الأنبوبة» وحدها باقية ومستمرة ولا تفتأ تعبر بالأزمة تلو الأخري عن حقيقة وجودها الراسخ والمتحكم في مسيرة شعبنا للخلف أو للأمام، حسب تساهيل ربنا، إضافة لمعطيات الظرف الموضوعي ودرجة وعينا بهذا الظرف وقدرتنا علي رؤية أبعاد الأزمة الأنبوبية والتنبؤ بتطوراتها ومفاعيلها السياسية والاقتصادية في الواقع المعيش والذي لم يُعش بعد. طبعًا لم يمر هذا الكلام الثقيل بغير رد لا يقل ثقلا وقوة من جانب فريق أنصار الدور التاريخي الحيوي ل«الكورة» إذ انبري أنبه أعضاء هذا الفريق هاتفًا: يؤسفني أقولك ياصديقي إنك البعيد حمار، وتفتقد في نظرتك للأمور والظواهر المجتمعية والسياسية إلي الحد الأدني من الوعي المنهجي الكافي للفتوي والحكم علي دور الظاهرة الكروية ضمن سياق التفاعلات الجدلية والحراك المجتمعي والسياسي الذي تشهده البلاد الآن، حيث يستطيع الأعمي في عين أهله أن يري بجلاء كيف أن الأبواب أضحت مشرعة ومفتوحة أمام كل الاحتمالات والسيناريوهات خصوصًا سيناريو توريث سلطة حكم البلاد من الأب الرئيس للابن الذي صار رئيسًا بالمشاركة فعلاً.. هل تحتاج ياصديقي إلي أن أذكرك بأن وجود السيدين جمال وعلاء مبارك في بؤرة المشهد الكروي الحالي ليس صدفة وينضح بمعان كثيرة واضحة، بينما غيابهم التام عن المشهد «الأنابيبي» الراهن يقطع بضعف وتفاهة دور الأنبوبة بتاعتك في حياتنا؟! أراك وقد اتهمتني ب«الحمورية» تختم بكلام لا تقوله جاموسة ترعي لمؤاخذة في «زريبة».. من أين لك بكل هذه الجرأة الجاهلة علي وصف دور «الأنبوبة» في حياتي وحياتك وحياة الناس أجمعين بأنه «تافه وضعيف»؟! .. ليه ياخويا ماعندكوش في بيتكم «بوتاجاز» ولاَّ بتطبخوا بالحطب؟!