قد يكون هذا هو أعبط مقال كتبته في عشرين عاما من العمل الصحفي .. ولكنني مؤمن تماما بكل كلمة فيه .. فأنا أدعو ألتراس الأهلي للحضور بكثافة في مباراة الزمالك القادمة في كأس مصر والجلوس في مدرجات الزمالك .. أتمنى أن أرى الأعلام الحمراء والقمصان الحمراء تمتزج بالأعلام البيضاء في المدرجات كما وقف الألتراسان جنبا إلى جنب مع ملايين المصريين في ميدان التحرير .. لا يهم الهتافات أو التشجيع ..إبقوا صامتين .. أو شاركوا في تشجيع اللعبة الحلوة .. إرفعوا صور زملائكم المعتقلين كما رفعها أعضاء من ألتراس الزمالك في مباراتهم الأخيرة .. غنوا مع الوايت نايتس للوطن وللمستقبل .. ولا أدعوكم للإحتكاك بعساكر الأمن المركزي الغلابة الذين هم دم الوطن ولحمه .. ولكنني أريدكم أن تقدموا مع ألتراس الزمالك رسالة سياسية بالغة الأهمية للمجلس العسكري الحاكم ولكل القوى السياسية المتصارعة في مصر بأن أبناء الوطن يستطيعون أن يجدوا أرضية مشتركة من التفاهم بغض النظر عن الإنتماء السياسي أو الديني أو العقائدي .. يتجادل قادة التيارات السياسية المختلفة على شاشات الفضائيات ويطالب بعضهم بتأجيل الإنتخابات ويحلو للبعض تصنيف المصريين بأنهم شعب غير مؤهل للديمقراطية يتخندقون في خنادق منفصلة متعادية .. سلفيون وليبراليون .. مسلمون وأقباط .. إخوان وناصريون وفلول وعلمانيون .. الكل يبدو وكأنه متخندق في موقعه ينظر للآخرين في عداء ويلقي بدعاوي التكفير والتخوين والتآمر والعمالة ضد الآخرين .. أصحاب هذا التصنيف النمطي الكئيب ينتمون إلى فصيل من إثنين : إما مروجون لفكرة نظام مبارك التي ترى الشعب المصري غير مؤهل للديمقراطية ويتمنون أن تنتهي الثورة إلى إعادة إستنساخ النظام السابق فتفشل التجربة الديمقراطية ويتم تأجيل تسليم السلطة من العسكريين إلى الشعب لحماية الشعب من نفسه التي يرونها أمارة بالسوء والتقاتل والإختلاف .. وإما فصيل تسلق على أكتاف الثورة وأصبح يتحدث باسمها في الفضائيات ويخشى أن يخرج من حفلة الإنتخابات والديمقراطية بدون نصيب من الكعكة فهو يزيد في حروب الفصائل ويزيد في تعميق صورة الخلاف المصطنعة بين التيارات السياسية .. فإذا كان ليبراليا فهو يشحن ضد الإسلاميين وإذا كان سلفيا فهو يكفر الليبراليين وإذا كان قبطيا فهو يقف من الإخوان موقف الشك والريبة .. أنا أحلم ببرلمان يمثل كل المصريين يجلس فيه السلفي والليبرالي والناصري والإخواني والراديكالي واليساري .. برلمان يقصي المتصارعين ويرحب بالمتآلفين من حق كل منهم أن يؤمن بمبادئه دون أن يقلل ذلك من احترامه لمبادئ الآخرين .. هم يريدون أن يجهضوا التجربة الديمقراطية ويريدون أن يعطلوا تسليم السلطة للمدنيين ويريدون أن يثبتوا أن المصريين متخندقين متعصبين مشتتين لا يمكن حكمهم إلا بعصا الطوارئ وبيادة العسكر .. وأنا أحلم أن تقدم لهم مدرجات الكرة رسالة واضحة وصريحة بأن ميدان التحرير (الذي شارك الألتراسان في ملحمته الرائعة) يستطيع أن يحول "الزيت والماء" إلى "زيتنا ودقيقنا" .. وأن شباب الألتراسين يمكن أن يكونوا أكثر وعيا وحكمة من شيوخ السياسيين الذين يتصارعون على الفراغ .