أولا : لأن الإعلان باطل من الناحية الدستورية والقانونية فيبدو أن مصدري الإعلان الدستوري لم يذاكروه ويصرون على تجاهله بأنفسهم .. فالمادة 59 من هذا الإعلان تقول بشكل واضح " وفى جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر ولا يجوز مدها إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته على ذلك" فالمادة تشترط أن يصدر إعلان الطوارئ محددا بمدة معينة بينما الإعلان الأخير الذي صدر لم يذكر تاريخا لإنهاء حالة الطوارئ .. كل ما فعله بعض المسؤولين هو محاولة طمأنة الناس بأن الطوارئ ستكون مؤقتة ولن تستمر طويلا دون تحديد زمن معين لإنهاء حالة الطوارئ وهو ما يتناقض بشكل واضح وصريح مع نص الإعلان الدستوري ثانيا : لأن إعلان حالة الطوارئ توسع في الحالات التي يطبق عليها الطوارئ بشكل فاجر لم يجرؤ عليه حتى النظام المخلوع الذي حصر قانون الطوارئ في قضايا المخدرات والإرهاب .. فأصبحت قضايا النشر الصحافة واقعة تحت سلطان الطوارئ بحجة نشر أخبار كاذبة أو شائعات مغرضة .. وأصبح حتى لعب الكرة في الشارع قابلا من الناحية النظرية البحتة للمحاسبة طبقا لقانون الطوارئ الذي يعاقب على (تعطيل المرور) وهي جريمة نسمعها لأول مرة في تاريخ الطوارئ المصرية العريقة والسوداء ثالثا : لأن الإنتخابات التي تجري تحت مظلة قانون الطوارئ هي إنتخابات فاسدة مطعون في نزاهتها وشفافيتها وتسمح لأجهزة الدولة بالتدخل السافر ضد أي مرشح وإعتقال أنصاره ومنع مؤتمراته الشعبية التي قد يعتبرها أي عسكري مرور تعطل المرور أو تنتهك السلم العام رابعا : لأن إعلان الطوارئ بهذا الشكل يتحدى الإرادة الشعبية التي استقى المجلس العسكري منها شرعيته والتي خرجت منذ الخامس والعشرين من يناير تطالب بإلغاء حالة الطوارئ وكان هذا المطلب سابقا حتى على مطلب إسقاط النظام الذي لم يتبلور بشكل قاطع ونهائي إلا بعد جمعة الغضب يوم 28 يناير خامسا : لأن من الناحية الواقعية وعلى الأرض .. فالطوارئ مطبقة بدون إعلان وبدون قرارات .. والقوانين سيئة السمعة التي تجرم التظاهر والإضراب والإعتصام صدرت بالفعل من المجلس العسكري ومجلس الوزراء .. وإحالة المواطنين إلى المحاكم العسكرية أمر واقع ومؤسف ومستمر رغم مخالفته للدستور .. وبالتالي فإعلان حالة الطوارئ بهذا الشكل لا يقدم جديدا على الأرض وإنما هو مجرد إجراء رمزي ورسالة سياسية بأن الثورة ترجع للوراء وأن المجلس العسكري يلوح بالعصا الأمنية في مواجهة الجميع .. إنها رسالة شديدة الدلالة تقول باختصار "أنا الذي أصدرت الإعلان الدستوري وأنا الذي أستطيع أن أخرقه .. لا تتصوروا أيها الباحثين عن الحرية أنها حق لكم ولكنها هبة من الحاكم يمنحها بحساب وبشروط ويحجب ما يريد منها حسب إرادته ورغبته .." إنها مجرد رسالة إستفزاز ومواجهة وتصعيد تتحجج بالإنفلات الأمني (المقصود والمتعمد) وتقيس ردود أفعال الشارع والقوى السياسية التي تتصارع على التفاصيل وتشيد أحلاما على أرض غير موجودة إلا في تعهدات تولد في الربيع وتموت في الخريف .. إنها رسالة جس نبض تحاول أن تفرز القوى السياسية لتعرف حجم الذين يمكن أن يمنحوا شيكا على بياض ويدافعوا عن أي قرار سلطوي سواء عن حق أو باطل .. إنها قنبلة دخان يحاولون بها التمويه على تساؤلات ساخنة عن قتلة الثوار وقناصة الداخلية وبلجية الفلول ومفجري كنيسة القديسين وقتلة سيد بلال ومزوري الإنتخابات وطباخي قوانينها .. ووأد السؤال الأهم حول الجدول الزمني المفترض لتسليم السلطة إلى مؤسسات مدنية منتخبة وهو الأمر الذي تعهد المجلس العسكري أن يتم قبل نهاية هذا العام وأصبح حاليا أمرا مؤجلا لا يظهر في أفق هذا العام أو حتى العام الذي يليه. قانون الطوارئ المشبوه لم يحم المخلوع من غضب الجماهير ولم ينقذه من الخلع ولم يكمم الحناجر وهي تهتف ضده وتسقط عرشه .. فللطوارئ سلطة تفرضها .. وللثورة شعب يحميها .. والله قادر على أن يحمي الشعب الذي هو مصدر كل السلطات والشرعية رغم أنف قانون الطوارئ.