مع تواصل حلقات الحركة الوطنية في تاريخ مصر الحديث، عبر تطلعها لتحقيق استقلال إرادتها؛ فإن محاولة استجلاء هذه الحركة ورصد المفاهيم الدالة عليها يشير إلى آليات جديدة عبرت عنها حلقاتها المتصاعدة والمتواصلة، فضبطت ووجهت قواها وإمكاناتها وأعطتها شخصيتها المائزة. في هذا السياق يأتي كتاب الدكتور محمد حافظ دياب الجديد «انتفاضات أم ثورات في تاريخ مصر الحديث» الصادر عن "دار الشروق"، ضمن (سلسلة التاريخ: الجانب الآخر إعادة قراءة للتاريخ المصري)، الذي تواكب صدوره مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011، ليستعرض من خلاله فصول العمل الوطني المصري بدءا من المقاومة الشعبية المجيدة للحملة الفرنسية على مصر 1798 مرورا بالتصدي لحملة فريزر أيام محمد علي باشا، والثورة العرابية 1881، فثورة 1919 "أول ثورة وطنية تنفجر بعد الحرب العالمية الأولى، وأول حدث جمع المصريين على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم وأجيالهم"، ثم انتفاضات الطلبة والعمال في 1946 إلى يوليو 1952 حيث كانت «الثورة المجهضة»، على حد وصفه وحتى «هبّة الجياع» عام 1977. ويرصد دياب في كتابه تشكيلات وتكوينات الحركة الوطنية المصرية منذ بزوغها في العصر الحديث التي يتداخل فيها الشعب من الفلاحين والعمال والطلبة مع الجيش أحيانا كثيرة، ليتتبع مساراتها، ويحدد مفاصلها، ويتوقف بالدرس والتحليل عند محطاتها التاريخية الكبرى ليبرز حقيقة أن المصريين «ليسوا دوما شعبا مستكينا بل هم شعب قادر على التمرد والعصيان والرفض والاحتجاج والانتفاضات والهبات»، بحسب الدكتورة لطيفة محمد سالم في تقديمها للكتاب، وأن هذه الهبات والاحتجاجات تأتي في سياقات أصلها سياسي وحواشيها من الآداب والفنون التي ساهمت، كما يشير المؤلف، في تشكيل وتنسيق مجموعة المفاهيم المعبرة عن الحركة الوطنية المصرية. وفي سعيه لرصد هذه الأنساق والمفاهيم من خلال آلياتها المتولدة معها، ركز دياب على بروز آليتي "الثورة" و"الانتفاضة" مع أطياف تتبدى منها بهذا القدر أو ذاك، وإن ظل السؤال حولهما ماثلا إلى أن تبدت الإجابة عنهما في طوايا الأيام المصرية الحاضرة، بعد قيام ثورة 25 يناير المجيدة. الدكتور محمد حافظ دياب (من مواليد 1938) أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، وأستاذ الأنثروبولوجيا غير المتفرغ بكلية الآداب جامعة بنها، حصل على الدكتوراه في الاجتماع جامعة القاهرة عام 1980 عمل أستاذا بالعديد من الجامعات المصرية والعربية وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الأنثروبولوجيا والفولكلور وعلم اجتماع الأدب، وهو عضو بالعديد من الجمعيات والمؤسسات العلمية والبحثية. من أشهر أعماله "سيد قطب الخطاب والأيديولوجيا"، "الإسلاميون المستقلون الهوية والسؤال"، "الخلدونية والتلقي"، عدا العديد من المساهمات في علم اجتماع الأدب وتحليل الخطاب.