خلال الخمسة وثلاثين عامًا التي عمل خلالها علي بدرخان مخرجًا، لم يقدم سوي عشرة أفلام فقط، أي بمعدل فيلم واحد كل ثلاث سنوات أو أربع.. الملاحظة الأهم في تاريخ المخرج الكبير علي بدرخان أن الأفلام العشرة التي كتب بدرخان اسمه عليها كمخرج جميعها بلا استثناء تمثل علامات في تاريخ السينما المصرية بداية من «الكرنك» الذي كتب له السيناريو ممدوح الليثي وعرض عام 1975، مرورا ب «شفيقة ومتولي» و«أهل القمة» و«نزوة» و«الرجل الثالث» و«الراعي والنساء».. علي بدرخان رفض أن يكون واحدًا من المخرجين الموجودين علي الساحة الفنية بأسمائهم فقط، واختار أن تكون له رؤية مختلفة وبصمة مميزة علي كل عمل فني يقدمه.. رفض أن يقدم أي تنازلات فنية حتي لو اضطره الأمر للابتعاد عن الساحة الفنية ثمان سنوات متتالية كما حدث معه بعد آخر أفلامه «الرغبة».. ورغم ذلك لم يغب بدرخان عن الوسط السينمائي ليوم واحد، فقد كان حريصًا علي الوجود كسينمائي وليس كمخرج، فطوال الوقت كان مشغولاً بقضايا السينمائيين باعتباره عضوًا مؤسسًا لنقابة السينمائيين، وهو ما دفعه لأن يرشح نفسه كنقيب للسينمائيين ثلاث مرات.. كانت الأولي في الثمانينيات، والثانية عام 2005، وهي المرة التي دخل فيها معركة شرسة أمام ممدوح الليثي انتهت بالإعادة، ثم فاز فيها الليثي بفارق 168 صوتًا فقط.. أما المرة الثالثة فقد فعلها بدرخان في الانتخابات الجديدة للنقابة المقرر إقامتها في الواحد والعشرين من شهر فبراير المقبل.. لكنه هذه المرة لديه شعور مختلف ونفسية مقاتل شرس رافض أن يتخلي عن حلمه في خدمة زملائه من أعضاء النقابة من خلال منصبه كنقيب للسينمائيين لأي سبب من الأسباب معتمدا في ذلك علي خبراته في مجال العمل العام والسينمائي وشعبيته الكبيرة في الوسط الفني. عادة ما يفضل الأعضاء اختيار النقيب القريب من السلطة، وأنت أبعد ما يكون عن السلطة؟ - هذا حقيقي، لأن الحكومة هي التي قامت بتنظيم النقابات، وتدعيمها وبالفعل فإن الأعضاء يرون أن القوة في المركز الوظيفي، مع أنهم كأعضاء أقوي من أي مركز وظيفي. هل يدرك أعضاء نقابة السينمائيين هذا؟ - يجب أن يكون هناك وعي نقابي وممارسة نقابية حقيقية، فالمشاركة مهمة.. القانون مثلاً ينص علي تشكيل شُعب مختلفة لكل مجالات النقابة مثل الديكور والإخراج والإنتاج والسيناريو، لأن كل شعبة أدري بمشاكلها المهنية التي تواجهها، فكل مهنة لها طبيعة وخصوصية لا يعبر عنها سوي أبنائها، لكن إحنا للأسف مجالس الشُعب لدينا ليست مفعلة في النقابة، واللجان الثقافية عملها محدود جدا.. علينا أن نفعّل هذه المشاركة. لكن في عرف الأعضاء دائما يكون النقيب البعيد عن السلطة غير قادر علي اقتناص صلاحيات للأعضاء؟ - هذا غير صحيح، فمثلا إحنا عددنا 6700 عضو، والنقابة بتاعتنا ثلاث غرف وصالة فقط.. أنا أذكر أنني ذهبت ذات مرة لمحافظ القاهرة الأسبق عبد الرحيم شحاتة لكي أطلب منه قطعة أرض لنبني عليها ناديًا للنقابة، وهو ليس رفاهية، لكنه أمر مهم للتعارف لكي يصبح هناك تواصل بيننا كسينمائيين، وحتي نناقش مشروعاتنا وأحلامنا وآمالنا، فنصبح قادرين علي حلها، وأذكر أنني عندما تقدمت للمحافظ بطلب بناء النادي، أنه قال لي في ذلك الوقت: «انتوا أخيب نقابة شفتها في حياتي، لأن عندكوا كيانات وفنانين ممكن تعملوا بيهم حاجات كتير، لكن انتوا ماعندكوش أي حاجة»، وأمر بتخصيص قطعة أرض في المقطم لبناء النادي، فذهبت بجواب التخصيص للمسئولين بالنقابة، لكني فوجئت بهم وبدلا من أن يقولوا شكرا، أنهم يعترضون علي مكان النادي، وكأن أمامهم الاختيار أن يحصلوا علي قطعة أرض في جاردن سيتي مثلا، وقلت لهم: «لأ، خدوها في المقطم».. وبالفعل رفضوا أن يقوموا ببناء النادي، وقالوا إنهم سيقومون ببنائه في الزمالك علي النيل، وبالفعل حصلوا علي قطعة مساحتها ثلاثة امتار في 30 متًا علي النيل، ووضعوا عليها لافتة استغلوها فيما بعد في الدعاية الانتخابية، ولم يبنوا عليها النادي، لأنه كان ممنوعًا إقامة أي منشآت عليها بحكم كونها علي الجانب الضيق من النيل، وانتهي الأمر بوضع اللافتة لحين انتهاء فترة الانتخابات، ودلوقتي لا في نادي ولا في يافطة.. طيب ليه - ولمصلحة مين يتحول الأمر لوجاهة اجتماعية، ومصالح شخصية تخدم الشخص وظيفيًا بدلا من أن يستغل هو وظيفته في خدمة النقابة، حتي كدنا أن نفقد مكانتنا الفنية وريادتنا. في نظرك ما الذي يدفع الأعضاء لاختيار علي بدرخان دون غيره من المرشحين؟ - مفيش حاجة جاذبة للناس لتختارني، لكن في وعي.. إحنا هانقدر نشتغل مع بعض لو الوعي موجود، لكن أنا مش هاشتغل لوحدي.. يجب أن يكون الأعضاء فاهمين إني مجند لتنفيذ طلباتهم.. انا والمجلس والشُعب واللجان والأعضاء.. يجب أن نتفاعل ونشتغل عشان نحقق حاجة.. مش ممكن يبقي في 12 شخص، وهم أعضاء المجلس في خدمة 6700 شخص، وهم أعضاء النقابة. ترشيحك أمام المخرج خالد يوسف يضع العاملين في المجال السينمائي في حرج بالغ لاختيار أحدكما؟ - أنا لم أضع أي شخص في أي موقف حرج، لقد أعلنت ترشيحي للمنصب قبل الإعلان عن الانتخابات، خلال فترة الجمعية العمومية الأخيرة، وكل اللي نزلوا بعدي كانوا عارفين إني مرشح نفسي، وإن كانت لديهم توقعات بأنهم الأفضل أو الأجدر، فما أقدرش أتكلم في ده، لكن الخوف أن يكونوا مدفوعين من ناس بتخلص حسابات قديمة. بعيدا عن الانتخابات هناك خلاف قديم بينك وبين المخرج خالد يوسف؟ - أنا كل إلي قلته إن فيلم «حين ميسرة» لم يعجبني.. هذا رأيي.. أنا لم أحب الفيلم.. هذه حرية شخصية، هو أنا غلطت؟ ده أنا اعترضت علي أفلام ليوسف شاهين وكان بيقعد يسمعني.. كل واحد حر في رأيه، ففوجئت برده عليّ عندما صرح في الإعلام أنني لم أعمل في السينما منذ عشر سنوات لذلك أقول مثل هذا الكلام.. يعني أنا هابص في اللقمة اللي هو بياكلها - فلا يسعني إلا أن أقول له شكرًا يا عم خالد.. ربنا يفتح عليك. خلال المعركة الانتخابية التي دارت عام 2005 تردد أنك ضد اشتراك العاملين في التليفزيون في النقابة؟ - ده كان كلام بعض المنافسين.. وهو كلام لا أساس له من الصحة، لأنه كان يستغل سذاجة الأعضاء.. هو العضو في نقابة المحامين بيكتبوا له في الكارنيه محامي ولاّ محامي في وزارة العدل - ولا في الشركة الفلانية - نحن نقابة مهن، ولسنا نقابة قطاعات.. وهذا الكلام كان المنافسون يرددونه لأنهم كانوا خايفين، لدرجة إن أحدهم طلع في التليفزيون وقال إني باخد تمويل من الخارج عشان جبت الوردة وعملت بوسترين، وقال إن حزب الغد هو الذي يمولني، وهذا أسلوب رخيص ولا يروقني في المنافسة.. أنا ممكن أنافس بالمنطق وبالكلام المعقول، لكن هذا كلام لا يدخل العقل، لأن نص الناس اللي في التليفزيون زمايلي وتلاميذي.. أنا اشتغلت في التليفزيون سنة 1946 كنت مساعدا للمخرج حمادة عبد الوهاب في البرامج الريفية.. عيب لما نتكلم كده وعيب إن الناس تصدق. ما الأخطاء التي ارتكبتها في الانتخابات الماضية وقررت أن تتلافاها هذه المرة؟ - أنا لم أخطيء في الانتخابات السابقة وخسرت بسبب مؤامرات وشائعات كاذبة مازالت تشاع حتي الآن. فالحكاية بالنسبة لي واجب عليّ أن أؤديه لأني يحزنني أن أشاهد النقابة بهذا الحال. وفي الانتخابات السابقة كان فارق الأصوات بيني وبين ممدوح الليثي 168 صوتًا وهي أصوات الإدارات اللي كانت بتيجي بالأتوبيسات ومعاها الوجبات. أنا عمري ما بحبش الأونطة دي لو ماكنش العضو سيختارني بإرادته بلاش منه. لماذا لا تكثف مجهوداتك هذه في صناعة أفلام سينمائية؟ - لم أقدم طوال مشواري الفني كله سوي عشرة أفلام فقط، لأني مش عارف أشتغل بمزاجي في هذا المناخ الإنتاجي الذي يحكم الصناعة.. أنا لن أسمح لمخرج أن يأتي بمشهد تليفزيوني ويطلب مني أن أحوله لمشهد سينمائي.. كيف أواجه الطلبة الذين أقوم بالتدريس لهم فيما بعد؟ فالمخرجون أنواع.. نوع يعرف كيف يصنع فيلمًا، وهو مخرج جيد، وهناك مخرج مبدع لديه رؤية ووجهة نظر مختلفة وأفكار ومعاني يتم تلقيها علي عدة مستويات، وهو النوع الذي اخترت أن أنتمي إليه وأن لم تتح لي فرصة عمل أفلامي بهذه الطريقة.. يبقي مش لازم أشتغل. هل للنقابة ميثاق شرف مهني علي الأعضاء أن يلتزموا به؟ - المفروض أن هناك قسمًا يؤديه العضو لحظة دخوله النقابة يقسم خلاله أنه سيلتزم بأصول المهنة ويحافظ علي النقابة ويعمل لصالح البلد، لكن القسم ما بيتقالش أصلا! هل أنت حريص علي النجاح هذه المرة؟ - بالتأكيد أنا حريص علي النجاح، ولو حدث لا قدر الله ولم أنجح يبقي ده اختيار الناس.. أنا لم أرشح نفسي إلا بعد أن طلب مني الناس ذلك، فأنا الوحيد في المجموعة الذي يجمع بين السينما والتليفزيون، فكل منهما إما مخرج سينمائي أو تليفزيوني، بالإضافة إلي أن لدي خبرة في هذا المجال، فأنا من مؤسسي هذه النقابة وليّ تاريخ نقابي طويل، فالنقابة تأسست في الخمسينيات، وكنت أنا عضو في النادي عام 1968، وعام 1970 أصبحت عضوًا مؤسسًا، وكان معنا وقتها كل المخرجين الموجودين علي الساحة في ذلك الوقت مثل أحمد بدرخان وعاطف سالم وصلاح أبو سيف ويوسف شاهين وكمال الشيخ وتوفيق صالح. هل تتصور أن المعركة الانتخابية ستكون نظيفة؟ - أتمني ذلك لأني مليش في الطرق الملتوية.