لم يكن غريبا على الإطلاق أن نرى ما حدث بالأمس فى ميادين التحرير المختلفة من قفز على هذه الجمعة بمطالبها، وبوحدة صفها ولم شملها، بعد التأكيد الذى صرح به بعض القيادات السلفية بأنهم سيحولون الثوار إلى أغلبية صمتة . بالفعل.. إختفت المشاركة وتلاشى التوافق على توحيد المطالب التى دعت جميع القوى السياسية إلى هذه المليونية من أجلها.. وظهرتالمغالبة، ومحاولات الإجهاز على الميدان وإضفاء صبغة واحدة عليه واضحة.. وهو ما رسخفكرة محددة لدى الجميع وهى أن : الركوب على الثورة أسهل بكثير من عناء القيام بها. لماذا إذا كل هذا الغضب والسخط من قبل معظمالقوى السياسية والإئتلافية والحزبية التى إنسحبت من الميدان إعتراضا على هذا المشهد؟!.. لماذا لم تتوقع هذه القوى أن هذا هو ما سوف يحدث؟! لأنهم – للأسف - لم يدركوا بعد حقيقة أن القوى الإسلاميةالمتشددة لم ولن تكون مستعدة فى يوم من الأيام لتقبل هذا الهراء الذى تتحدثون عنه من ديمقراطية، ومشاركة سياسية إيجابية، وتقبل لوجهات النظر الأخرى.. لماذا؟ لأن الأيدولوجية المسيطرة على العقل الجمعىلمثل هذه الجماعات – ببساطة – تقوم فى الأساس على فكرة الطاعة العمياء للأمير،وبالتالى النظر إلى الخروج على تعليماته وأوامره على أنها إنشقاق.. وهو ما يعتبر من أكبر الكبائر التنظيمية والمؤسسية التى من الممكن أن يرتكبها أحد أعضاء الجماعة. لذا لم يكن من الضرورى – أصلا - القيام بكل هذه المحاولات التى تمت من قبل القوى السياسية للتوصل إلى توافق - لا يرتكز فى الأساس على ضمانات – على المطالب الجوهرية لهذه المليونية.. لأننا – بديهيا – كنا على علم مسبق بعدم إعتراض هذه القوى المحافظة – بطبيعة الحال – على خارطة الطريق التى وضعها المجلس العسكرى للعبور إلى ما بعد المرحلة الإنتقالية.. فنجدهم – على سبيل المثال – لا يميلون إلى إتخاذ أى خطوات راديكالية أو ثورية على الإطلاق، حتى لو أن هذه الخطاوات قد تساعد فى تحقيق مطالب الثورة عن طريق إتباع أقصر المسالك المتاحة، وقد تضمن بصورة أو بأخرى عدم الإلتفاف عليها . لماذا الدعوة إذا إلى النزول إلى الميدان؟! ولماذا وقع الإختيار على هذه الجمعة بالذات توقيتا لهذه المليونية السلفية ، وإختيار ميدان التحرير مكانا لها ؟! فى الحقيقة ، هذه هى المرة الأولى منذ أن تنحى الرئيس المخلوع التى نرى فيها القوى الإسلامية المتشددة ( ونحن لا نتحدث هناعن الإخوان المسلمين ) تنتفض فيها بهدف توجيه رسالة إلى جميع الأطراف مفادها أن القوى السلفية لا تهتم على الإطلاق بغالبية الأهداف المعلنة مسبقا للتوافق حولها، وإنما جاءت مطالبها الخاصة على النحو التالى : 1-الضغط على المجلس العسكرى للتراجع عن المبادىء الحاكمة للدستور، وهى ما ينظرون إليها على أنها إلتفاف واضح على نتيجة الإستفتاء، وبالتالى الإلتفاف على الإرادة الشعبية . 2-اللجوء إلى الحشد وإستعراض القوة لتوجيه رسالة إلى جميع القوى السياسية المدنية بأن الجماعات الدينية الأصولية مازالت قادرة على لعب دور سياسى محورى بما لديها من تأثير لا يمكن إغفاله أو تجاهله على الشارع المصرى . 3-التأكيد على عدم التراجع عن فكرة الدولة الإسلامية أو إسلامية الدولة بغض النظر عن ما قد تحدثه هذه الأفكار من تأثير سلبى على الأيدولوجيات السياسية والدينية الأخرى التى هى جزء لا يتجزأ من المجتمع المصرى . ما هو إذا موقف المجلس العسكرى مما يحدث على الساحة الأن؟! واضح جدا لا إلتباس فيه.. فالمجلس العسكرى يريد بكل صراحة فض هذا الإعتصام، ووضع نهاية لهذه التظاهرات، وخاصة بعد ما شهدناه من حالة الضجر والضيق الكبيرين الذين تسببت فيهما مظاهرات العباسية، والتى ظهرت بوضوح فى إتهامات الخيانة والعمالة التى أخذ المجلس يقذف بها هنا وهناك بعد هذه المظاهرات التى سببت له ارتباكا شديدا . ما أزعجه أكثر هو عدم جدوى الكمين – الشعبى –الذى نصب فى العباسية للمتظاهرين، والذى لم يؤتى ثماره فى إرهاب المعتصمين ودفعهم إلى تعليق إعتصامهم.. وبالتالى كان لابد من الإلقاء بالورقة الأخيرة وهى السماح للقوى الدينية بالتوجه بكثافة إلى ميدان التحرير بإعتباره ليس حكرا على أحد.. مما دفع معظم القوى السياسية المدنية إلى الإنجراف إلى خطأ الإنسحاب من الميدان وإن لم يعلنوا عن تعليق الإعتصام إلى الأن . لكن ما يدعوا للقلق – حقيقة – هو أن هذه التيارات المتشددة قد إكتشفت كيفية الوصول إلى الميدان بأعداد ضخمة وبطريقة منظمة، وبالتالى فإنه من الطبيعى أن نشاهد مثل هذا المشهد مرة أخرى فى جمعات مقبلة.. لذا فإن الخوف كل الخوف من وصول المعتصمين والإئتلافات الشبابية والأحزاب المختلفة إلى حالة من التململ والزجر نتيجة ما يلاقونه من محاولات لطردهم خارج ميدان ثورتهم التى ضحوا بأرواحهم من أجلها، وبالتالى اللجوء إلى المغالبة والتنافسية فى حشد أكبر أعداد ممكنة.. وهنا سوف نجد أنفسنا أمام حالة شقاق حقيقى، وتصدع حتمى فى الصف الوطنى، مما سينعكس بالتأكيد على الشارع مؤديا إلى ما نخشاه جميعا.. ربنا يستر !!