اعرف اني بكلماتي هذه سوف أقتحم مناطق أصبحت محظورة، حتى ان بعض خلصائي شككوا في أن ما سأكتبه ستتحمل أي جريدة مغامرة نشره، ولكني لا زلت ازعم أننا في عهد جديد، وان حريتنا قد اكتسبناها بالدم وليس مسموحا لنا أن نتنازل عنها لحساب هذا أو خوفا من ذاك. والحقيقة أني وقفت متفرجا على الخلاف الدائر حول مطالب المليونية، والفخ الذي استدرجنا إليه بتاع الدستور أولا أو مجلس الشعب أولا، واستغربت قليلا من حالة فقدان الاتجاه. لنا في ذلك خبرة في الماضي أيام ثورة القضاء من أجل استقلاله، جمعيات عمومية كثيرة ولا فعل، وتضاربت الآراء والاتجاهات في تخبط شديد إلى أن ضاعت الدنيا. والآن أريد أن أكون في غاية الوضوح والتحديد، يوجد الآن جهتين في مصر تتوليا مقاليد السلطة، الأولى هي وزارة المفترض فيها أنها وزارة ثورة قادمة من قلب ميدان التحرير، والثانية هي مجلس عسكري ليس قادما من قلب ميدان التحرير! وإذا كانت الوزارة- وزارة الثورة- المفترض فيها أنها السلطة السياسية العليا في البلاد، وأن رئيسها له سلطات رئيس الجمهورية حال غيابه بحكم الدستور، وإذا كانت قيادة الجيش مهمتها في الأساس ذات طابع امني تتلخص في إدارة شئون البلاد إلى أن تنصلح أحوال الأمن ، فإنني لا افهم كيف لسلطة مهمتها ذات طابع إداري بحت تكون هي الآمر الناهي في شأن السلطة السياسية الأعلى التي هي وزارة الثورة، لدرجة ان رئيس وزراء وزارة الثورة يعطي ذقنه ويسلمها كاملة للمجلس العسكري لدرجة أنه لا يستطيع أن يقيل وزيرا أو يعين وزيرا دون إذن المجلس في ظل وضع مقلوب رأسا على عقب!ليس لهذا في عقلي سوى معنى واحد، الثورة اتسرقت يا رجالة!! لا افهم كيف أقيل وزيرا وأنا رئيس وزراء ثم يجبرني المجلس على الإبقاء عليه، ولا اغضب للثورة وأقدم استقالتي واحتكم للشعب لأخبره بالحقيقة؟ ما هذا الضعف الذي يصل إلى حد التفريط في الثورة كلها؟ ألا يجب ان تحصل الثورة على رئيس وزراء قوي يصلح ممثلا لكل الثورة؟ أين كان عصام شرف في ليلة الثلاثاء الأسود في ميدان التحرير؟ بل وأين كان المجلس العسكري الذي مهمته تأمين البلاد في ذات الليلة؟ ولماذا اختفيا كليهما حتى ساعات الصباح الأولى تاركين الشرطة اياها والشعب على خط المواجهة؟ لن استدرج إلى دستور ومجلس الشعب وخلافات من هذا النوع لأني لا احب ان العب لعبة رد الفعل التي تصرفني عن الأهداف الرئيسية التي من اجلها قامت ثورة 25يناير، لن ينصلح حال الجسد إلا إذا انصلح حال الرأس. ولكي ينصلح حال الرأس فلا بد من توحيد السلطة الحاكمة في البلاد في يد وزارة الثورة لا توقفها ولا تعطلها سلطة اخرى. أرى ان مطالب المليونية القادمة يجب ألا تخرج عن المطالب الثلاثة التالية: أولا, الاتيان بوزير دفاع يكون جزءا من وزارة الثورة وتحت مظلة سلطتها السياسية تكون مهمته هي ذات مهمة المجلس العسكري تحت رقابة الثورة، وليشكل تحت رقابتها من المجالس العسكرية ما يشاء فإن تباطأ او تلكأ عزلته الوزارة وأتت بغيره، ولقد حدث هذا في الماضي عندما عين مجلس قيادة الثورة في عام 52 أحمد ماهر رئيسا للوزراء وكان من رجال الملك، ثم عاد مجلس قيادة الثورة وعزله بعد شهرين والسبب هو تباطؤه في تنفيذ مطالب الثورة! لقد فهم هؤلاء آنذاك ما لا نريد أن نفهمه وهو أنه لن يحقق مطالب الثورة إلا أصحابها الثورة, اكرر, لن يحقق مطالب الثورة إلا أصحابها ! لقد فهموها في عام 1952 بعد شهرين وليس خمسة أشهر ولا زلنا لا نعرف الدستور أولا وللا مجلس الشعب!!!لا هذا ولا ذاك، ولكن حكومة قوية للثورة ووزير دفاعها وسلطتها على الأرض أولا ! اما المطلب الثاني فهو إصلاح مرتبات ضباط الجيش، ولسنا هنا في حاجة إلى أي أموال إضافية لأن الجيش، كما الشرطة سواء بسواء تحصل القيادات العليا فيه على مرتبات فلكية بينما يعاني الضباط الحقيقيون على الأرض كل المعاناة. لقد صدرت الأوامر بالفعل أيام الثورة للجيش بحرق الميدان بمن فيه فرفض وامتنع، ولا أظن أن الجيش سيطلق النار اليوم على متظاهرين ينتصرون للظلم الواقع على جنودهم وضباطهم ويطالبون بإصلاح مرتباتهم وإعادة توزيعها عليهم في إطار إصلاح حال البلاد، هذا هو عين شأننا وكل ما يخص مصر الثورة هو من اختصاصنا، أما المطلب الثالث فهو العفو عن الضباط المعتصمين، لقد خرجت هذه الفئة القليلة الشجاعة تعتصم للمطالبة بتنفيذ مطالب الثورة وإقامة الدولة المدنية وإنهاء الحكم العسكري، ولكننا تخلينا عنهم بمقولة ان لا شأن لنا بهم بينما أن لنا كل الشأن في كل ما يخص بلادنا. لقد ضحى هؤلاء بمستقبلهم وحياتهم في سبيل مطالب الثورة وتركناهم يضيعون، وأعرف تمام العلم ان هذا الأمر قد خلف مرارة في حلوق زملائهم لم تمنعهم مع ذلك من القيام بواجبهم، لا أظن ان الجيش سيطلق النار على من ينادون بمطالب كهذه، وهي عين المطالب التي سينصلح بها الرأس ، وهي عين المطالب التي يجب أن تقوم من اجلها ثورة جديدة الأسبوع القادم يلتف حولها الجميع ويتمسك بها دون ان يستدرج لأمور أخرى وإلا فقدت الثورة مصداقيتها وأنهاها الملل الشعبي والذي أراه قادما في الطريق بسبب التخبط ! هذه المطالب الثلاثة هي الترجمة الصحيحة الوحيدة لهتاف "الجيش والشعب إيد واحدة" . للأسف فإن رئيس الوزراء عصام شرف رغم كل محبتي له واقتناعي بإخلاصه كان عليه كقائد لوزارة الثورة أن يلجأ للشعب لتحقيق مطالب الثورة إذا ما عجز عن تحقيقها مع وزارته، أراه وزير اقتصاد ممتاز، ولكنني لا أظن أنه يصلح قائدا قويا حازما لوزارة ثورة، ولست على كل حال أطالب بعزله أو إقالته، ولكنني أطالب الشعب والثوار بمساعدته فيما لم يستطع هو القيام به وحده أيا كانت أسبابه أو ظروفه، مساعدته بأن نطالب ما لم يستطع المطالبة به، وأن نضع الأمور في نصابها الصحيح لكي ينصلح الرأس، وفقط ساعتها سينصلح الجسد كله. هذه هي المطالب الثلاثة الواضحة والحاسمة للمليونية القادمة حسبما أراها، واذكر البشر ونفسي أن صدّيق الرسول الذي ذكر معه في القرآن كان أول مطلبه عندما تولى الخلافة حاكما مقولته الخالدة، إن أخطأت فقوموني، ولم ينصب المحاكمات العسكرية لمعارضيه ومنتقديه، ولا أظن أن المشير طنطاوي يحق له وضع أفضل من وضع أبو بكر الصديق، وإلا فنحن نضيع كل شيء ونعود لنخشى بشرا من دون الله وكأنك يا ابو زيد ما غزيت. هذه هي مطالب المليونية الواجب التمسك بها كمن دون غيرها كما أراها وإلا ضاعت الثورة.ولا أنسى أبدا أن اهمس لجماعة الإخوان المسلمين أن قولوا كلمة الحق في وجه السلطان بدلا من ان تتحالفوا معه للحصول على مكاسب سياسية، فالغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة! أما المجلس العسكري وعلى رأسه المشير طنطاوي فأنا أقول له بعلو الصوت، قد يخاف كثيرون منكم ويخشونكم ، ولكنني سأقول لسيادتكم أني لا أخافكم، ارفعوا أيديكم عن مصر. اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد!