أنا أعلم جيداً إننا لن ننظف شوارعنا لا بالشركات الأسبانى ولا بالطبل البلدى! وعلى يقين تام إننا لن نستطيع توفير الأمن والأمان للسائح مادمنا لا نستطيع أن نفعل ذلك للمصرى صاحب البلد، كما إننى لا أرى أى نية من أى نوع لإصلاح حال الطرق أو المواصلات أو لتنظيم المرور (الأسوأ على مستوى العالم)، أو حتى لوضع قوانين تنظم سيرك البناء العشوائى القبيح فى كل وأى مكان، ناهيك عن المشاكل الطائفية والمظاهرات الفئوية بسبب كثرة المظالم المعلقة، مع ممارسة رياضة قطع الطرق بإستمرار من كل من هب ودب، غير أشباح الماضى الذى يسيطر على حاضرنا الملخبط ومشوشاً على مستقبلنا الغامض. برغم ذلك أرى ضوءاً فى كل هذا الخراب جعلنى أفكر فى إستثمار هذا الواقع السيريالى بشكل إيجابى. إزاى؟ أعتقد إن تسويق مصر سياحياً يسير فى الإتجاه الخطأ، وأكبر خطأ هو التسويق بالبروشورات والبوسترات التى تظهرها وكأنها موناكو، من يريد موناكو مقلدة ولديه موناكو أصليه؟ ولا تنسوا سمعتنا (فى عصر السموات المفتوحة) بالنسبة للتاكسى والأمن والحوادث والتحرش والسرقة والزحام والتلوث إلى أخره .. أعتقد أو أكاد أجزم أنه يجب أن نسوق مصر على أنها البلد التى سيفعل بها السائح مالن يستطيع فعله فى أى بلد فى العالم وأن نعد السائح بتجربة خرافية لن تتكرر ولو دفع مال قارون فى بلده. الصح هو تسويق مصر على إنها "بلد الحريات الأولى فى العالم" وهذا حقيقى، لذلك يجب أن نخبر السائح المثقل بالقوانين والنظام فى بلده إن بإمكانه فى مصر - مثلاً - أن يلقى القمامة فى أى وكل مكان، صحراء كان أو بستان (لو لقى واحد)، وإنه بإمكانه أن يركب سيارته ويقودها بأى سرعة فى أى إتجاه - عكسى أو طوالى او بالورب أو حتى للخلف - فى أى شارع أو طريق سريع (إن وجد) أو بطئ (فى الأغلب)، كما يمكنه أن يركن صف ثانى أو ثالث أو على الرصيف نفسه أو فى مطلع كوبرى أو أمام مدخل جراج أو طوارئ مستشفى أو مدخل نفق أو ميدان، كما لا يشترط أن تكون السيارة مزودة بأنوار أو وسائل أمان أو حتى زجاج - ليتمتع برائحة العادم النقى - ولا لوحة أرقام حتى، وبدلا من ذهابه لأى من شقق الدعارة المنتشرة فى المهندسين أو العجوزة يتم إيصال بائعات الهوى حتى غرفته فى أى فندق، ولو كان من راغبى "الحلال الشكلى" يتم توفير سمساراً (يزوَد المرشدين بلستة بالأرقام) ليزوجه عرفياً، أو يجلب له محام تخصص زواج متعة (من اللى محدد باليوم والساعة) من بنات الريف مثل (الحوامدية والعزيزية والعياط) أو الممتلئة بهم المناطق الشعبية الفقيرة، التى لا يوجد سعر لأبنائها إلا فى سوق الدعارة والبلطجة وتجارة الأعضاء البشرية. لماذا لا نستغل كوننا قد أصبحنا أخيراً (نشكر الريس السابق والحكومة الحالية التى تسير على نهجه) الدولة صاحبة المركز الأول فى تقرير أسوأ الدول فى التخطيط العمرانى فى العالم، حسب التقرير السنوى للمنظمة الدولية للتخطيط العمرانى، أقول لماذا لا نستغل هذا فى دعوة السياح للإقامة فى مصر وبناء منازل لهم فى الأماكن الأثرية كما يحدث فى نزلة السمان والأقصر ومصر القديمة، أو فى وسط المحميات الطبيعية كما حدث ويحدث طوال الوقت فى المعادى وعين شمس وطريق القاهرة الأسكندرية الصحراوى (وهذا مستحيل فى القارات الست إلا فى مصر)، أو فى وسط الغيطان والأراضى الزراعية القليلة الباقية مستمتعين بالمساحات الخضراء قبل إنقراضها نهائياً من البلد التى كانت سلة الغذاء للعالم حتى منتصف القرن الماضى! أعتقد أنه لو كان لدينا وزيراً للسياحة يتمتع ببعض الخيال لقامت وزارته بطبع بوسترات توزع فى أرجاء العالم تحمل شهادة "الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات" بإن مصر أسوأ بلدان العالم في التحرش الجنسي، تخيلوا معى عدد النساء الرقيعات فى العالم - وهم بعشرات الملايين - اللاتى ستسعدهن معرفة تلك المعلومة؟ وقتها ستصبح مصر قبلة المطلقات والأرامل والساقطات من كل بقاع الكرة الارضية. لماذا لا ننتهز فرصة عدم وجود رئيس أو مجلس نواب أو شرطة - فى خليط عجيب من التسيب لا يوجد فى أى مكان فى مجموعتنا الشمسية - لنسوق للسائح أنه يمكنه شراء أى شىء من على الأرصفة (يتم وضع خريطة) بدءاً من الأثار الفرعونية، مروراً بكنوز أسرة محمد على، وحتى المخطوطات الإسلامية والقبطية النادرة، وليس إنتهاء بشراء كلى أو نخاع أو جزء من كبد نص عمر، أو كام لتر دم؟ وكله على الرصيف فى بلد يفعل به أى فرد من الشعب الحر (حقاً) ما يريد، بدءاً من قطع الطرق الدولية وحتى قص قضبان السكك الحديدية بدون إنذار مسبق! وحتى قضاء الحاجة فى الطرق الرئيسية. أليس هذا كفيلاً بتصحيح صورة مصر أمام العالم الذى يعتقد (كذباً) أنها دولة بوليسية قمعية، أصبحت دولة عسكرية تدار بالأحكام العرفية؟ أين نحن من الدول البوليسية والأحكام العرفية؟ أى مراقب بموضوعية أو محلل سياسى بالإعدادية، يعلم أنه كانت هناك دولة بوليسية إسمها "الإتحاد السوفييتى" غزت الفضاء منذ الخمسينات، كما أنه هناك دولة كانت تحكم عسكرياً مثل تركيا ومع ذلك اصبحت رقم 12 على مستوى الدول الكبرى الصناعية فى هذا الكوكب الذى يحوى 231 دولة ترتيبنا فيها هو 120 متأخرة عن دول لو ذكرت أسماؤها لك لأطلقت السباب لى ولمن نشر هذا المقال أو نصحك (الله يسامحه) بقرائته. المهم. أولى خطوات النجاح هى دراسة إحتياجات الأسواق الناشئة. ولكننا ببعض الإبداع من الممكن أن نكسب مليارات من التسويق السياحى فى أكثر الدول المتقدمة والغنية فى العالم. إزاى؟ واحد نبيه ومهتم سألنى إزاى. أقوللك. هل تعرف أو يعرف أى منكم كم دولة حرة فى العالم توجد بها إنتخابات ديموقراطية حقيقية؟ لا تعرف طبعاً وهذا سيعطينى فرصة ذهبية للفذلكة والتنطيط عليك بإهداؤك هذه المعلومة. هناك ثلاثون دولة تتمتع بديموقراطية كاملة تزينها رفاهية العيش والحرية وحقوق الإنسان والدخل المرتفع. تبدأ بالسويد وتنتهى بسلوفينيا. وتتضمن - طبعاً - إنجلترا وفرنسا وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة. لماذا لا ننتهز مواسم الإنتخابات (وتعد بالألاف فى هذه الدول التى تنتخب على نفسها) فى دعوة هذه الحكومات لإرسال رحلات سياحية لمجموعة مختارة من رعاياها إلى مصر؟ هل تعرفون عدد الأصوات التى سيفوز بها عمدة "ميونيخ" لو سار أحد مواطنيه أعلى الطريق الدائرى؟ هل يدرك رئيس وزراء "بريطانيا" نسبة منتخبيه وكم ستصبح لو أرسل رؤساء التحرير والقنوات التليفزيونية فى رحلة إلى مصر ليتجولوا وسط البلد ساعة الزروة ليقوموا باللف فيها بالساعات دون أن يصادفوا جراج واحد أو بقعة خالية من الممكن إستعمالها لركن السيارة أو حمام أدمى يمكن إستعماله؟ هل تعرفون ماذا سيحدث لرئيس سويسرا (ممكن يغيروا الدستور لينتخب للأبد) لو زار أحد مواطنيه مستشفى أبو الريش للأطفال (إحترقت السنة الماضية بالأطفال) ورجع يحكى عما رآه؟ (وأنا هنا اتحدث عن مستشفيات العاصمة القاهرية المرفهة، ولا أنصح بإرسال هؤلاء الناس إلى الريف وإلا فقدناهم كسائحين للأبد). هل تعرفون حجم تمثال رئيس بلدية "باريس" الذى سيقام أسفل قوس النصر فى الشانزليزيه لو شاهد أحد الفرنساويين مدى قبح أشهر شوارعنا على الإطلاق (جامعة الدول والهرم)؟ إلى أخره من الفوائد الجمة التى ستعود على هؤلاء لو رأوا النعمة التى يرفهون فيها والجحيم الذى نعيشة وبهذا نضرب صرصارين بشبشب واحد (أسف لثقافتى التى لا تعرف العصافير، أخر واحد شوفتوه إمتى؟) ولن نحتاج أن نطور أو نحسن أى شئ (وهذا ما يحدث فعلاً) وبالمرة نستفيد من خيبتنا القوية ووكستنا التقيلة فى كسب بعض الدولارات. الموضوع كبر فى دماغى وبدأت افكر فى شكل البروشور بالفعل. على الغلاف وبستة لغات حية وإتنين ميتين سنكتب: أيها السائح الأجنبى - بالنسبة لينا يعنى - تعال إلى مصر بلد الحريات فهنا يمكنك أن تفعل الأتى: - أن تقضى حاجتك على شاطئ النيل العظيم مظهراً مؤخرتك للمارة، ولا تقلق من أى رد فعل فلقد أعتادوا هذا. - أن تركن فى أى وقت وأى مكان بالطريقة التى تختارها وأن تسير بدون نمر ولا أنوار ولا أبواب فى أى إتجاه ولا تقلق من المخالفات فلا يوجد من يحررها. - أن تركن سيارتك أعلى أى كوبرى تختاره على النيل وتنزل منها لتجد مقاهى كاملة فرشت الرصيف بالكراسى البلاستيك لتستمتع بشرب حمص الشام أو حاجة ساقعة، بينما أطفالك يلعبون من حولك وطظ فى راكبى السيارات الراغبين فى عبور الكوبرى فقط وليس الاستمتاع به (دول فاهمين الكبارى غلط). - أن تشترى أى شئ وكل شئ بدءاً من الأثار وحتى قطع الغيار البشرية. - ستتحسن صحتك كثيراً من المشى - لأن معظم الطرق مقطوعة طوال الوقت - إذن المشى أسرع للوصول إلى هدفك (لو كان لك واحد). - حالتك المعنوية ستصبح فى السماء (وهذا غرض أجازتك أصلاً) عندما ترى طوابير العيش والأنابيب والسولار ونوعية ما نأكل أو نشرب ونوع الرعاية الصحية (لو صح الكذب وتسميتها هكذا) التى نلقاها. - لو تضمن برنامجك السياحى فى بلدنا الحر الذهاب للفرجة على أقسام الشرطة أو زيارة أحد المعتقلات، نقسم لك أنك ستبوس يد أول عسكرى جربان (إن وجد) عند عودتك إلى بلدك، وإنك لن تشتكى أبداً من حكومتك مهما عملت فيك للأبد. - لو صادف وخرجت عن سيناريو رحلتك وركبت أحد المواصلات العامة (أوتوبيس أو مانسميه هكذا، مترو، ميكروباص جمعية * يوجد شرح لمعنى "ميكروباص الجمعية" خلف البروشور) فإعتبر هذه فرصة للتعرف على ثقافة التلاحم بين أبناء شعبنا، ونرجو ألا تربط هذا بما تنادون به من حرية للشواذ أو حفلات الجنس الجماعى، فالصورة تعبر عن موضوع مختلف والخطأ فى الفهم غير مقصود. - جارى التخطيط الآن لإضافة التوك توك إلى برنامج الرحلات السياحى، وأيضاً تزويد كل سائح ب "فردة كاوتش" يقوم بحرقها ليقطع الطريق الدائرى أو المحور أو الكورنيش، وإن تعذر ذلك هذه المرة لأن كل الطرق مقطوعة، فأعذرونا ونعدكم بتعويضكم بقطع الطريق الدولى المرة القادمة لأنه مقطوع برضه المره دى. - أخيراً أرجو أن تكون قد أستمتعت بزيارة بلدك الثانى مصر، ولو كنت على قيد الحياة نرجو تكرارها وإن لم تكن - لركوبك أوتوبيس الغردقة أو شرم أو قطار الصعيد - نرجو أن تذكر فى وصيتك نصيحة للمستفيدين بأن يزورونا ليتمتعوا مثلما فعلت. بالذمة مش فكرة إيجابية معتبرة؟ وداعاً للإحباط والتشاؤم وأهلاً بالمستقبل الوردى.