استطيع أن أتفهم أننا في حالة رد فعل يشبه الفوضى الروسية في مرحلة ما بعد جورباتشوف، ولطالما طمأنت نفسي لأن الميراث الحضاري المصري سيسهل علينا تجاوز مرحلة الفوضى بسرعة، ولكنني أشعر بالقلق البالغ. لم أكن مرتاحا أبدا للمجلس العسكري، والأسباب كثيرة أبسطها وأولها مفترض لأنه عمل تحت نظام مبارك لسنوات طوال، وثانيها أيضا مفترض وهو أن الحكم العسكري مرفوض جملة وتفصيلا، وعلى قدر عشقي للجيش المصري واعتزازي وفخاري الكامل به وحتى بموقفه العبقري في قلب الثورة، إلا أني لا أنسى أننا منذ عام 1952 والجيش يحكمنا وآدي النتيجة، وأن الرئيس المخلوع كان ضابطا ونسرا وقائدا للقوات الجوية في أشرف وأعظم وأنبل حروبنا ولكنني على عكس كثيرين لم اخلط أبدا بين الجيش وقيادته، ومن هنا فانا لا أريد للجيش ان يتدخل في السياسة، وأريد للمجلس العسكري ان ينهي مهمته في اقرب فرصة ويرحل، ثالثا أن إدارة المجلس العسكري لشئون البلاد لا تعجبني جملة وتفصيلا، وكأنني أرى سيارة عجلتها الأمامية اليسرى تسير بسرعة فائقة ونطلب منها ان تتمهل فلا تفعل، استفتاءات على إعلان دستوري لا يعلم به إلا الله، تسارع في إجراءات قانونية ذات طابع شمولي من سيطرة على الإعلام ومحاكمات عسكرية ويد من حديد وترهيب يخبرنا أن المجلس فوق النقد والمساءلة، بينما ان العجلة اليمنى المتعلقة بالإصلاح الفعلي وتحقيق مطالب الثورة الذي يمكن ان تطمئن خواطر الناس تسير ببطء شديد وندفعها للحركة فلا تتحرك إلا اضطرارا، ولا أظن اني في حاجة للتدليل على ذلك والكل يعرف تباطوء المجلس العسكري، هي إذن سيارة، عجلة يسرى أسرع من اللازم، وعجلة يمنى أبطأ من اللازم، والنتيجة أن السيارة ستدور حول نفسها وسنفقد الاتجاه، وهذا هو حالنا الآن فقط لأن ثورتنا لا قائد لها يتكلم فيستمعون ويأمر باسم الثورة فيلتزمون!مقتنع تماما ان مسلسل حرق الكنائس ليس إلا فتنة مصنوعة يتحالف فيها من لا يريد لهذا البلد ان تقوم سواء من الداخل المتمثل في فلول النظام وبعض فلول الشرطة البائدة، وفي الخارج متمثل في الموساد، نعم!!فتش عن اسرائيل وتقارير الموساد عن إذكاء الفتنة الطائفية في مصر تملأ الدنيا، المسألة إذن هو عمل مخابراتي وليس عمل عسكري، ولكن يبدو أن المجلس أدار ظهره لذلكم وهؤلاء، عن عدم خبرة يجوز، ليعتقل الحابل والنابل في الشوارع دون تمييز، الشقيقين كريم ياسين وياسين ياسين اللذان التقطا عرضا أثناء عودتهما لبيتهما الذي تصادف أنه بجوار ماسبيرو، ولا يزالان محبوسين قيد المحاكمة العسكرية على طريقة احنا بتوع الاتوبيس،ثورة ايه بقى!! ترك المجلس الرؤوس وامسك في الأذناب، الحرية التي تتراجع، التحقيق ومحاكمة واحدة ست قالت رأيا لم يعجب سيادة اللواء عتمان عضو المجلس، ولا أظن انه في صالح سمعة المجلس اصطدامه مع ستات في خصومات شخصية من نوعية السب والقذف وإهانة الجيش لتتحول الست إلى سجينة رأي محتملة أمام القضاء العسكري وبمعرفة المجلس العسكري الذي لديه قطعا ما يشغله مما هو اهم بكثير من ذلك، ليس القمع هو العلاج ولكن اكتساب ثقة الناس، ولا ارى المجلس يفعل ذلك وأشعر باستمرار أنه في حاجة إلى صف ثان من مستشارين سياسيين وقانونيين يستمع إليهم ويشاورهم في قراراته بدلا من إخراجها من الغرف المغلقة دون أن نفهم ملابساتها أو ضروراتها أو ترتيب أولوياتها، وما عدم الفهم وغياب الشفافية إلا أساس لعدم الثقة وغياب الاطمئنان. وعلى الناحية الأخرى أرى عددا كبيرا من المرشحين للرئاسة ، وأظل استشعر أن الناس لا يزالون في حاجة إلى رئيس قوي جاذب له رؤية وحلم وطني يشرك فيه أبناء بلده فيلتفون حوله ، يتكلم فيستمعون ويلتفون حوله وينسون أنفسهم ويشاركونه الحلم والرغبة في الزرع والغرس والبناء في كل أرض مصر،عتابي على بتوع الحوار الوطني قاس وكبير، أنصحهم قبل أن يدخلوا إلى القاعة أن يحملوا معهم أوراقا ملونة مطبوع عليها صور الشهداء فقط لكي أرى في بعضهم مزيدا من الإحساس بجسامة المسئولية التي يريدون الاضطلاع بها ولا أرى كثيرا منهم على قدرها حتى الآن . اقول للمتظاهرين من أجل مطالب فئوية كلمتين، سابق لأوانه، المطلب الوحيد المقبول الآن هو مصر، ولا شيء غيرها، أما ما تطلبونه لأنفسكم، فلن يحققه لكم أحد سوى أنفسكم، أنتم وحدكم من يستطيع ان يحقق لنفسه تلك المطالب عن طريق العمل، والعمل الشاق وإنكار الذات من ناحية، وإبقاء الأعين مفتوحة للحكام على الآخر وباستمرار من جهة أخرى، فلن نسلم البلد لحاكم هنا أو هناك وننصرف لأحوالنا، هذا زمن راح وانقضى.أما الاضرابات والفوضى فهي الآن خنجر في قلب مصر المريضة أصلا والتي هي الآن في امس الحاجة لكل ذراع مخلص يسند قلبها ويصلب طولها، حرام عليكم ، الأطباء، ضباط الشرطة، العمال في المصانع، لا يزال موعد الحصاد مبكرا، ولا حصاد إلا بعد زرع وري وعناية بل وحب وحنان، وإذا أراد المجلس العسكري أن يتولى شئون البلد فيجب أن يتحمل النقد ويكتسب ثقة الناس ولا يعطي أوامر من فوق ولا يعتقل الناس دون تمييز ليشحنهم للمحاكم العسكرية، وان ينشغل بالرؤوس أكثر من انشغاله بالأذناب على الأرض، يا حضرة المجلس العسكري، تخطئ كثيرا عندما تقول أنه يجب عدم المساس بك قولا أو فعلا، تذكر أن الشئ الوحيد الذي يجب عدم المساس به هو الحرية، تكلم مع المصريين واكسب ثقتهم فالشعب ليس جنودك تقودهم بالأوامر، بل انت جنوده تتلقى أوامره فلا يختلط عليك الأمر،كن شجاعا وقل لهم أن الذي هو على النقد من دون الله هو لا أحد! وإذا كان لدى اخواننا الوطنيين إحساس بالمسئولية وادراك للخطر الذي يحيط مستقبل هذا البلد ومصيره، فلا اظن أن منظركم الفضيحة هو الإجابة التي ترضي هؤلاء الأولاد والبنات الذين غسلوا الميدان وكنسوه بعد الثورة فقط لأنهم شعروا ولأول مرة في أعمارهم الشابة أن البلد بتاعتهم فعلا، خذوا المثل من هذا وتخيلوا ما الذي يمكن ان يفعله المصريون لمصر إذا ما جاء حاكم يؤكد لهم ذلك الشعور، انهم اصحاب هذا البلد ،كفوا عن الصراع، اخوان وسلفيين، يسار ويمين، فوق وتحت وصراع على السلطة،ما تفرجوش الناس علينا وعلى مصر!! تذكروا الام الارملة التي استشهد ولدها الوحيد في الميدان بطلقة في الرأس تاركا خلفه شقيقة في السنة السادسة الابتدائية، أطلب منكم أن تأخذوا جولة على الأقدام لنصف ساعة تتأملوا فيها الغروب على شط النيل وتفكروا في مصر فقط لتتذكروا كم هي رائعة وتستحق منكم اكثر بكثير مما تفعلونه بها، فإن كان اقتناعي هو أن استمرار وجود المجلس على رأس الدولة هو نوع من المصيبة، فأرجوكم لا تقنعوني أن غيابه في وجودكم هو أكبر مصيبة .