انفجارات عنيفة تهز مدينة ديرالزور شرق سوريا    عاجل| صفي الدين في مقدمة المشهد السياسي كيف يخطط حزب الله لمرحلة ما بعد نصر الله؟    هاريس: استقرار الشرق الأوسط تزعزع في قيادة حسن نصر الله    «الأهلاوية قاعدين مستنينك دلوقتي».. عمرو أديب يوجه رسالة ل ناصر منسي (فيديو)    شريف عبد الفضيل: «الغرور والاستهتار» وراء خسارة الأهلي السوبر الإفريقي    إصابة ناهد السباعي بكدمات وجروح بالغة بسبب «بنات الباشا» (صور)    أصالة ل ريهام عبدالغور: انتي وفيّه بزمن فيه الوفا وين نلاقيه.. ما القصة؟    رئيس موازنة النواب: نسب الفقر لم تنخفض رغم ضخ المليارات!    أمير عزمي: بنتايك مفاجأة الزمالك..والجمهور كلمة السر في التتويج بالسوبر الإفريقي    الفيفا يعلن عن المدن التي ستستضيف نهائيات كأس العالم للأندية    أجواء حارة والعظمى في القاهرة 33.. حالة الطقس اليوم    ضبط 1100 كرتونة تمر منتهية الصلاحية في حملة تموينية بالبحيرة    طوارئ في الموانئ بسبب سرعة الرياح والطقس السئ    إيران تدعو مجلس الأمن لعقد اجتماع طارئ إثر اغتيال نصر الله    اليوم.. البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 50 مليار دولار    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة تحت شعار «السياحة والسلام»    إسرائيل: دمرنا قسمًا كبيرًا من مخزون حزب الله الصاروخي    بعد اغتيال نصر الله.. كيف تكون تحركات يحيى السنوار في غزة؟    موعد مباراة ريال مدريد ضد أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    لافروف يرفض الدعوات المنادية بوضع بداية جديدة للعلاقات الدولية    حكاية أخر الليل.. ماذا جرى مع "عبده الصعيدي" بعد عقيقة ابنته في كعابيش؟    سحر مؤمن زكريا يصل إلي النائب العام.. القصة الكاملة من «تُرب البساتين» للأزهر    مدحت العدل: جوميز يظهر دائمًا في المباريات الكبيرة وتفوق على كولر    "حط التليفون بالحمام".. ضبط عامل في إحدى الكافيهات بطنطا لتصويره السيدات    صلح شيرين عبد الوهاب وشقيقها محمد.. والأخير يرد: انتى تاج راسى    بعد انخفاض عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (بداية التعاملات)    مصر توجه تحذيرا شديد اللهجة لإثيوبيا بسبب سد النهضة    الصحة اللبنانية: سقوط 1030 شهيدًا و6358 إصابة في العدوان الإسرائيلي منذ 19 سبتمبر    القوى العاملة بالنواب: يوجد 700 حكم يخص ملف قانون الإيجار القديم    مسؤول أمريكي: لا مؤشرات على استعداد إيران لرد فعل كبير    حدث في منتصف الليل| السيسي يؤكد دعم مصر الكامل للبنان.. والإسكان تبدأ حجز هذه الشقق ب 6 أكتوبر    «التنمية المحلية»: انطلاق الأسبوع التاسع من الخطة التدريبية الجديدة    راعي أبرشية صيدا للموارنة يطمئن على رعيته    نشرة التوك شو| أصداء اغتيال حسن نصر الله.. وعودة العمل بقانون أحكام البناء لعام 2008    الأوراق المطلوبة لتغيير محل الإقامة في بطاقة الرقم القومي.. احذر 5 غرامات في التأخير    أسعار السيارات هل ستنخفض بالفترة المقبلة..الشعبة تعلن المفاجأة    انخفاض جماعي.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    وزير الخارجية يتفقد القطع الأثرية المصرية المستردة في القنصلية العامة بنيويورك    برج السرطان.. حظك اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024: عبر عن مشاعرك بصدق    يوسف الشريف يبدأ تصوير فيلم ديربى الموت من داخل مباراة كأس السوبر.. صورة    ورود وهتافات لزيزو وعمر جابر ومنسي فى استقبال لاعبى الزمالك بالمطار بعد حسم السوبر الأفريقي    "100 يوم صحة" تقدم أكثر من 91 مليون خدمة طبية خلال 58 يومًا    «شمال سيناء الأزهرية» تدعو طلابها للمشاركة في مبادرة «تحدي علوم المستقبل» لتعزيز الابتكار التكنولوجي    وزير التعليم العالى يتابع أول يوم دراسي بالجامعات    «الداخلية» تطلق وحدات متنقلة لاستخراج جوازات السفر وشهادات التحركات    سيدة فى دعوى خلع: «غشاش وفقد معايير الاحترام والتقاليد التى تربينا عليها»    ضبط 27 عنصرًا إجراميًا بحوزتهم مخدرات ب12 مليون جنيه    تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. «الحمل»: لديك استعداد لسماع الرأى الآخر.. و«الدلو»: لا تركز في سلبيات الأمور المالية    اتحاد العمال المصريين بإيطاليا يوقع اتفاقية مع الكونفدرالية الإيطالية لتأهيل الشباب المصري    تعرف على سعر السمك والكابوريا بالأسواق اليوم الأحد 29 سبتمبر 2027    باحثة تحذر من تناول أدوية التنحيف    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    كيف تصلي المرأة في الأماكن العامَّة؟.. 6 ضوابط شرعية يجب أن تعرفها    أحمد عمر هاشم: الأزهر حمل لواء الوسطية في مواجهة أصحاب المخالفات    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد القافلة الطبية الأولى لقرية النصر    دعاء لأهل لبنان.. «اللهم إنا نستودعك رجالها ونساءها وشبابها»    رئيس هيئة الدواء يكشف سر طوابير المواطنين أمام صيدليات الإسعاف    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. قدري حفني: مصر تعيش مرحلة «هو كده»
نشر في الدستور الأصلي يوم 29 - 01 - 2010

القدرة علي التمييز بين المسلم والمسيحي في الشارع بمجرد النظر بداية ل«حرب أهلية»
قدري حنفي
لماذا نتخلف نحن ويتقدم غيرنا؟ هل نحن شعب مهزوم لا يحلم علي الإطلاق بالانتصار؟ هل القتل وسفك الدماء أصبح التعبير الأسهل لإعلان رفضنا للآخر؟ هل لغة الحوار والمناقشة أصبحت تعني أنها سلوك الأضعف وعلي الطرف الأقوي أن يتخذ من العنف رمزًا لإعلان قوته؟ هل السلوك الديني والاجتماعي والثقافي للأفراد تغير؟ وما السبب؟
هذه التساؤلات وغيرها طرحناها علي دكتور قدري حفني- أستاذ علم النفس - محاولين تفسير ما يحدث للمجتمع المصري، توجهنا إليه ونحن نظن أن كل ما نرصده من تساؤلات في حالة الإجابة عنها سنصل إلي تفسير لكل ما يحدث في مصر. .. لكننا فوجئنا بأن أستاذ علم النفس السياسي يطرح هو الآخر مجموعة أخري من الأسئلة ويرصد مجموعة من الظواهر التي جمعها كقصاصات الورق محولاً إياها إلي أشبه بفيلم وقصة تظهر من خلالها صورة ما يحدث في مصر لكن هذا الفيلم لم تتضح ملامح نهايته بعد..وإلي نص الحوار:
علي خلفية حادث نجع حمادي.. هل السلوك الديني لدي المصريين اختلف عما كان من قبل وأصبح أكثر تشددًا وأميل للعنف والقتل بدلاً من التسامح وقبول الآخر؟
- أولاً: كون مرتكب الحادث لا ينتمي إلي أي جماعة إسلامية هذا مؤشر خطر، وكان من الطبيعي أن يستيقظ مواطن صباح يوم ويقرر فجأة الخروج وقتل الأقباط، ولذلك أري أن البحث عن دوافع هذا الحادث أهم من إدانته والبحث عمن حرضه علي هذا الفعل وإن لم يكن هناك من حرضه علي تلك الجريمة هنا تكون المسألة أكثر خطورة.
كما أن ما حدث في نجع حمادي ليس الأول من نوعه فمثل تلك الأحداث ممتدة إلي سنوات طويلة منذ حادث الخانكة، وفي كل مرة ندين ونشجب ونتكلم عن الوحدة الوطنية ونتحدث عن تقرير العطيفي، ومع انتهاء كل حدث يغلق الملف من جديد حتي يقع حادث آخر، دون أن نسأل أنفسنا: ما مشاعر عامة المسلمين والمسيحيين تجاه بعضهم البعض؟ فنحن حتي الآن لا نملك أي إحصائيات أو بيانات تحدد رؤية المسيحيين للمسلمين والعكس، حتي اليوم لا يستطيع أحد أن يقدم رقماً رسمياً لأعداد المسيحيين في مصر. .. كل هذه الأمور لا نجد إجابة عنها، ذلك لأن «المجهلة» فرضت علينا ولا نعرف وهذه مسألة خطيرة، أما عن السلوك الديني للمواطنين فالدراسة الوحيدة التي أعدت عن السلوك الديني للأقباط هي دراسة قديمة أعدها دكتور رفيق حبيب. ..كما أن في المركز القومي للبحوث الاجتماعية وغالبية رسائل الدكتوراه يستبعد منها بيانات الديانة أي لا يمكن القول إن موقف المسيحيين مختلف عن المسلمين في أي من القضايا. .. وفي عام 82 تقدمت باقتراح للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بإنشاء وحدة لدراسة السلوك الديني للمصريين وصدر قرار بتشكيل الوحدة وأسندت رئاستها إلي دكتورة زينب رضوان، وبعد الإعداد لتشكيل وحدات المركز فقد أثر هذه الوحدة، كما أننا قررنا ألا نعرف.
ومن ثم فحادث نجع حمادي هو نقطة في قمة جبل الجليد ولا يمكن لنا فهم أي تحول في السلوك الديني للأفراد دون إجراء أبحاث ودراسات علمية، لكن ما يمكن قوله إن هناك حالة تمييز ديني نجني حصادها الآن، ومن زرع وغذي هذا التمييز الإعلام والتعليم بالدرجة الأولي.
كيف يعزز التعليم ثقافة التمييز ضد الآخر علي أساس الدين من وجهة نظرك؟
- التعليم كارثة كبري فمن سنوات طويلة تعاملت مع دكتور نسيم قلادة- أستاذ علم الاجتماع- واقترحنا عمل كتاب يضم الأخلاق المشتركة بين الأديان حتي يكون نقطة التقاء ووحدة - بمعني أن مثلاً القتل والسرقة والكذب كلها أمور تحرمها الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام فلماذا لا نجمع كل تلك المشتركات في كتاب واحد يدرس لكل الطلاب، بالإضافة إلي حصة الدين العادية حيث يعرف كل الأطفال أن كل الأديان سواء تعزز القيم المحترمة والنبيلة وتنهي عن التصرفات والقيم السلبية. .. لكن المشروع لم ينفذ.
وكان الهدف من هذا الكتاب هو جمع الطلاب دون التمييز بينهم أو خلق صورة ذهنية سلبية عن دين الآخر، وأذكر هنا حالة تم استشارتي كطبيب في علاجها لطفل ذهب في أولي مراحل التعليم الابتدائي مع أول يوم دراسة حاول البحث عن صديق من عمره يأنس له طوال اليوم الدراسي، الطفلان كانا يجلسان بجانب بعض طوال اليوم الدراسي، لكن عندما بدأت حصة التربية الدينية، طلب المدرس من الطلاب المسيحيين الخروج من الفصل، فقام الطفل ليخرج مع صديقه لكن المدرس قال له: «لا أنت تقعد وهو يمشي يخرج» فسأله الطالب المسلم لماذا؟ فأجاب المدرس: دول «مسيحيين»، فسأله الطالب يعني إيه؟ فأجاب المدرس «هيدخلوا النار»، فأصيب الطفل بصدمة، هذا لا يعني ألا نُعلم الدين للأطفال، لكن من المهم أيضًا دراسة الأخلاق ويتعلم المسلم أن الدين المسيحي وحتي اليهودي ينهي أيضًا عن ممارسة الرذائل فنعرف أننا قريبون من بعض ومن ثم لا يحق لأحد التكفير أو التشكيك في دين الآخر.
وما سبب تكريس تلك الصورة الذهنية السلبية عن دين الآخر وإن كانت النصوص الدينية نفسها لا تدعو لذلك؟
- الكتب المقدسة «الإنجيل والتوراة والقرآن» فيها صفة الأبدية، ولذلك فهي قابلة للتأويل والتفسير بما يتناسب مع العصر، والتأويل فيه نوع من الانتقاء، بمعني أنه من الممكن تحويل دين المسيحية الذي يدعو للسلام إلي أنه دين يدعو إلي الانتقام كذلك القرآن قابل للتأويل، والدليل أننا لا يمكننا القول إن تفسير بن لادن للقرآن مثل تفسير دكتور علي جمعة علي الرغم من أن كليهما يستند إلي النص الديني نفسه، لكن كل منهم يقرأه بطريقته.. وهناك تفسيرات ورؤي مختلفة للنصوص الدينية، لكن ما الذي يدفع عقول وأفئدة كثير من المسلمين إلي الميل للتفسيرات الأكثر تشددًا؟
لأن هناك من يري أنه زاد تشدده كلما زاد إسلامه وقوي إيمانه، ورغم أن الرسول«صلي الله عليه وسلم» إذا ما خُيّر بين أمرين يختار أيسرهما وليس أشدهما، وعن ميل الأغلبية من المسلمين للتفسيرات الأكثر تشددًا، فهناك تفسير علمي يقول إنه لو كانت الجماعة أو الأمة تشعر بأنها مهزومة تلجأ إلي التشدد ولو كانت الأمة غير متأكدة من عقيدتها يزداد تشددها حتي تحميها، أما الأمة المطمئنة إلي عقيدتها فلا تخشي من التسامح.
إلي أي مدي تغيرت ملامح وشخصية المجتمع المصري الذي استوعب من قبل أن يخرج إسماعيل أدهم بكتاب عنوانه «لماذا أنا ملحد؟» ثم أصبح الآن لا يتقبل أن يكون جاره مختلفاً معه في الديانة؟
- بالطبع ملامح المجتمع تغيرت تمامًا. . والدليل هل من الممكن الآن لأي دار نشر إعادة نشر كتاب إسماعيل أدهم «لماذا أنا ملحد؟» بالطبع لا.... إسماعيل أدهم كتب هذا الكتاب في أوائل الثلاثينيات وهو نفس وقت صعود جماعة الإخوان المسلمين وحسن البنا ولم يكفره أحد وكان الرد عليه رداً متحضراً بلماذا أنا مؤمن؟، كما أذكر من بين الردود التي قيلت وقتها إن الإسلام بخير ولا يضيره أن يعلن أحد إلحاده..لكن الصورة تغيرت الآن وأصبحت هناك حالة رعب وخوف من إعلان أي شخص إلحاده أو تغيير ديانته؛ وهذا لأننا نشعر بأن إيماننا مهزوزًا.
وعلي أي أساس نرفض الآخر ونشكك فيما يعتنقه، هل هذا لأننا ننظر للأمور نظرة أحادية الجانب والإيمان المطلق بوجهة نظر واعتبارها أمراً مسلماً به لا يمكن الجدال فيه؟
- هذا نتاج الطفولة لأننا ننشئ أطفالنا علي اليقينية وأن 1+1=2 ولا نربيهم علي وجود احتمالات ونسبية الأشياء، وهناك ملاحظة مهمة تفسر هذا، هي أن أغلب الذين أدينوا في جرائم الإرهاب معظمهم خريجو كليات الهندسة والطب والعلوم أي الكليات العلمية لماذا؟ ذلك لأن من يدخل كلية علمية طوال عمره لم يدرس مقرراً فلسفياً ولكنه تأسس علي اليقينية وأن العلم حقائق مطلقة، ثم إذا انتقل إلي الدين ينتقل إلي اليقين المغلق، وهذا بعكس الدارس في الأزهر الذي يدرس كل التفسيرات والمذاهب الدينية «الحنبلي والشافعي والمالكي والحنفي» وفي النهاية يتربي علي «الله أعلم » أي أنه لا توجد حقيقة مطلقة لأن هناك تفسيرات متعددة وليس تفسيرًا واحدًا، فيتربي علي وجود رؤي مختلفة.
أما التيار الأكثر تشدداً فهو يؤمن بأنه من يملك الحقيقة المطلقة وبتحليلي لكتاب أيمن الظواهري وجدت أنه لم يذكر كلمة «والله أعلم» ولو لمرة واحدة، وذلك لأنه يري أنه يملك الحقيقة المطلقة ومن هنا يأتي التشدد والتطرف.
هل يمكن اعتبار أن شك ما قبل الإيمان وعدم قبول الأمر كما هو عليه بل دراسته ورؤيته بعين نقدية قد يؤدي إلي إيمان معتدل وليس متشددًا؟
- هناك رواية تروي عن الرسول :« أن أحد الصحابة ذهب للرسول وقال له إنه انتابه شك شديد في وجود الله، فقال له الرسول : هذا عين الإيمان ».
هذا يعني أن الشك أمر وارد وأن الفرد عندما يشك ويؤمن يكون لديه إيمان بوجود وجهات نظر مختلفة، وأهم ما يميز الدراسة في الأزهر والدراسة الفلسفية أنها تحمل وجهات نظر كثيرة.
لكن في كل دول العالم يدرسون العلم ويؤمنون به ويتخرجون في الكليات العلمية ومع ذلك لم يتحولوا إلي متطرفين لماذا؟
- لأن في الغرب هناك أساسين هما قيمة العدل والقبول بالاختلاف وهو أمر غير موجود في مجتمعنا، حتي إنني كتبت مقالاً عن العدل بدأته بعبارة لشيخ الإسلام «ابن تيمية» قائلاً:« إن الله ينصر الدولة الكافرة العادلة ولا ينصر الدولة المسلمة الظالمة»....
ومن هنا نستطيع أن نفسر تقدم الدول الغربية وتقاعس الدول الإسلامية بوجود قيمة العدل من عدمها، فمن يضطهد في الدول الإسلامية يلجأ إلي الغرب ليس لأن الغرب مسيحي ولكنه يذهب التماسا للعدل.
هل هذا سبب تخلفنا نحن وتقدمهم؟
- الديمقراطية والحرية ليسا شرطاً للتقدم العلمي والدليل أن هتلر خلق تقدماً علميًا ولم يكن ديمقراطيًا. .. لكن كما قال أديبنا طه حسين إن« القانون وضع لحماية المخطئين وحماية الأقلية وليس الأغلبية » وهذا القانون هو الذي يضمن تقدم المجتمع فعلاً.
هل القانون في مصر يطبق بالفعل وإن طبق فهل يحمي الأقلية أم الأغلبية؟
- الإجابة عن هذا السؤال تتضح في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا والذي سمح من خلاله للمنقبات دخول الامتحان بالنقاب فسألت أحد رجال القانون عن الحكم الصادر من قبل، فقال إن النقاب ليس عبادة ولكنه عادة وبالتالي من حق جهة العمل أن تحدد الملبس، فجاء رد رجال القانون أن هذا كان تفسير المحكمة الدستورية العليا وأنه من المفترض أن يلزم القضاة.. ومع ذلك حكم القضاء الإداري جاء مختلفاً؟!
هذا يعكس تناقضًا كبيرًا، ويكشف أن القاضي يحكم وفق قناعته الشخصية وهذا خطأ؛ لأن عليه أن يحكم بالقانون حتي لو لم يكن مقتنعًا به، لكن في هذا الحكم القانون طبق وفق ثقافة القاضي أي أنه لم يكن مقتنعًا بالنقاب لكن حكم بمنعهن من الدخول.
طريقة التربية والنشئة في مجتمعنا تفرض مجموعة من المحظورات علي كثير من الأمور كيف تؤثر في طبيعة تفكير الأفراد؟
- في علم النفس السياسي بالنسبة للأطفال معيار النضج هو عندما يسأل الطفل لماذا؟ وهنا يكون مفتاح المعرفة، وكل ما وجد إجابات يزداد طرحه لماذا أكثر، ولماذا هنا هي مفتاح التغيير فإن جاءت الإجابة بكلمة «كده» التي دائمًا ما تكون أسهل رد للآباء فهي مفتاح التخلف والانغلاق، والمجتمع المصري الآن يعيش في مرحلة «كده». .. التي تعني عدم وجود أي معلومة إجابة عن أي تساؤل تنتج الانغلاق والتخلف ويتربي علي أن الأسهل والأفضل له ألا يسأل لأنه متوقع الإجابة المعتادة « هو كده ».
كما أننا أيضا ليست لدينا ثقافة الاعتراف بعدم معرفة الإجابة عن شيء ما، بمعني أنه لا نجد فرداً يقول « ماعرفش » الكل لازم يظهر نفسه أنه يعرف كل شيء وأنه مرجعية.
نحن بحاجة لثقافة الاعتراف والتأكد أن عدم معرفة شيء لا يقلل من شأن الفرد وهذا ما تعلمته من أستاذي في علم النفس العام بالجامعة، عندما سألته في موضوع المحاضرة فكتب السؤال وقال :« هجاوبك عليه المرة القادمة»، فبعد تخرجي قابلته وسألته لماذا أجلت الإجابة عن سؤالي رغم أنه سهل، فرد: أنا تعمدت أن أدرب الطلاب علي أنه ليس شرطاً أن أكون عارفاً لكل شيء وهذا أمر لا يخجل أحداً أو يقلل من قيمته. .. ومن ثم تعلمت أنه ليس عيباً أن أقول معرفش لكن العيب أن أدعي المعرفة وأنا لا أعرف. . فالبعض يري أن قوله « لا أعرف» يعني أنه ينهار ويتم احتقاره من قبل الآخرين،وهنا تكمن الخطورة حيث أصبح رجل الطب يتحدث في الشأن الديني ورجل الدين يتحدث في الطب.
كأستاذ علم نفس سياسي كيف تحلل شخصية الرئيس مبارك؟
- هو رأس النظام المصري وشخصية متأثرة بطبيعة عمله كطيار، ومن ثم يتخذ قراراته بهدوء؛ لأنه سائق طيارة لا مجال للمغامرات ولا للقرارات السريعة، وأعتقد أنه شديد التروي ويحسب أي قرار أو خطوة جيدًا وبهدوء بعكس شخصية الرئيس السادات، الذي كان أميل للقرارات المغامرة، أما الرئيس عبد الناصر كان أميل للقرارات الشعبية ويضع في اعتباره جماهيريته، إنها أهم شيء حتي إنه أثناء خطابه كان يأتي في لحظة معينة يقول « نتكلم بالبلدي » وهو الأمر الذي يثير فرحة الجماهير لأنه يتكلم بلغة الشعب، لكن السادات كان يحب المغامرات، لكنها محسوبة ومدرك جوهر التركيبة المصرية
وماذا عن النظام السياسي في مصر؟
- النظام في مصر به حاجات مدهشة، فهو النظام العربي الوحيد الذي يمكن أن تخرج فيه مظاهرات تهتف ضد رئيس الجمهورية شخصيًا، هذا أمر لا يوجد قط في أي بلد عربي آخر، وهناك ظاهرة أخري غريبة وهي أن القنوات والصحف الخاصة في مصر من يملكونها هم رجال الأعمال، والطبيعي في هذه الحالة أن رأس المال يدافع عن مصالحه، لكن عكس ذلك هو ما يحدث وأن كل هذه القنوات والصحف تدافع عن الفقراء رغم أن هذا ضد مصالح رجال الأعمال بالطبع، وعلي الجانب الآخر نجد القنوات والصحف الحكومية التي تمول من الضرائب العامة لا تدافع عمن يمولها من الفقراء.
هذه الظاهرة كيف نترجمها: هل الرأسمالي يتحرك ضد مصلحته؟ هل دفاعه عن الفقراء هدفه التقرب من الجماهير وزيادة مبيعاته؟ كل هذه التساؤلات نطرحها وفي الحقيقة لا نجد لها إجابة؛ هذه ظواهر ليست موجودة في أي مكان آخر.
نفس الالتباس وعدم الفهم نجده في قضية العلاقة بإسرائيل وتوقيع معاهدة السلام ففي الوقت الذي ترفض فيه وزارتا الثقافة والزراعة التطبيع، نجد وزارة البترول مع التطبيع والجميع في مجلس الوزراء. .. كيف نفهم هذا نصف الحكومة مع التطبيع والنصف الآخر ضده، كما أن قطاع السياحة المصري يتعامل مع الإسرائيليين وهناك عمال مصريون في إسرائيل، ويأتي هذا وموقف الشارع المصري مع المقاطعة وضد التطبيع، كل هذه التساؤلات والتي تحمل كثيرًا من التناقضات تعكس صورة وكأننا لا نعرف ماذا نريد بالضبط؟
كيف تفسر كل هذه المتناقضات؟
- التفسير الأقرب لما يحدث هو أننا نمر بمرحلة مخاض. ..
ما ملامح هذا المخاض والمرحلة المقبلة بعده؟
- هذا المخاض يهدف لحسم قضية الانتماء، نحن مصريون أم عرب أم مسلمون طول عمرنا نجمع كل هذا، لكن في مراحل معينة لابد أن يعلو فيها انتماء علي الانتماءات الأخري، عندما دخل أبناء غزة الحدود المصرية، ظهرت مسألة مخاض الانتماء، ورحبت بهم رايتان الأولي الراية القومية العربية والراية الثانية هي الراية الإسلامية، والفريق الذي ينتمي إلي التيار القومي وجدوا أن هذه الحدود لا يعترف بها ومن ثم لا مشكلة من دخولهم، أما الفريق الإسلامي فيري أن الأرض أرض الله وأن أمة الإسلام أمة واحدة، بقي التيار المصري الذي قال إن الحدود المصرية مقدسة وليس مسموح لأحد بكسرها.
هنا نمت ثلاثة اتجاهات لثلاثة انتماءات في حالة مخاض للاختيار بين الثلاثة انتماءات، وحالة المخاض، هذه تستغرق وقتًا طويلا وهذه الحالة تفسر وجود الظواهر السابق الإشارة إليها والعصية علي التفسير الآن.
إلي أين تنتهي بنا هذه الحالة؟
- أنا لست مع منطق المؤامرة وأن هناك شيئاً يدبر في الخفاء، لكني أود الإشارة إلي ثلاث وثائق الأولي مقال كتبه بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق قال فيه إن المنطقة العربية حدودها مرسومة خطأ وأن الأوروبيين رسموها علي أساس الدولة القومية فوضعوا الشيعة مع السنة، الأقباط مع المسلمين، وهؤلاء لا يمكنهم البقاء معا، لذلك الحل هو أن يعاد رسم المنطقة.
وعام 2006 نشر جنرال أمريكي متقاعد مقالاً في مجلة القوات المسلحة الأمريكية بعنوان«حدود الدم»، قال فيها إنه حتي يسود السلام منطقة الشرق الأوسط لابد من إعادة رسم الحدود علي أساس الدين، وقيام الدولة الكردية التي تجمع كل الأكراد ودولة شيعية للشيعة، أما عن السنة فيكونون في سوريا وتصبح دولة سنية لكن بعد خروج أقليات الشيعة، وفلسطين تتحول إلي دولة سنية، وحيث تصبح إسرائيل دولة يهودية وقال إنه بالنسبة لمصر فالمسلمون والأقباط لا يحبون بعضهم فلماذا نجبرهم علي التعايش مع بعض، كما أن السنة في مصر هي التي ستحكم ومن ثم فإن من حق مسيحيي مصر أن تكون لهم دولتهم.
في نفس هذا العام نشر كاتب إسرائيلي يدعي «عوديت فينوت» مقالاً بعنوان الاستراتيجية الإسرائيلية المطلوبة يؤكد فيها نفس الكلام حول إعادة تقسيم المنطقة علي أساس ديني ولكنه أضاف أنه لابد من إلغاء معاهدة السلام وهذا إما أن يتم من قبل إسرائيل وفي هذه الحالة سينقلب عليها العالم وإما من قبل مصر، وهذا يتم من خلال إضعاف السلطة المركزية في مصر والضغط عليها اقتصاديا بحيث تكون مصر مفككة، وعندما تتفكك يكون من السهل علي إسرائيل استعادة سيناء وعندما تكون تلك المنطقة تحت السيطرة الإسرائيلية سيمنح جزءًا للفلسطينيين وهنا ستقام دولة فلسطين السنية ومن ثم يعود بترول سيناء لإسرائيل وتعلن الدولة اليهودية.
هذا المخطط أمامه عقبات، كما أشار الجنرال الأمريكي في مقاله قائلا : في مصر أمامنا ثلاث عقبات لابد من حلها أولا أنك لا تستطيع أن تميز بالنظر المسلم عن المسيحي، ثانيا لا يوجد تقسيم سكاني علي أساس الدين أي أنه لا توجد أحياء مسيحية وأخري إسلامية، ثالثا أنه لا يوجد وعي مذهبي لدي المصريين المسلمين. ..
- هذه المقالات التي تكشف المخطط الصهيوني الأمريكي أضعها باستمرار أمام عيني وأرصد إلي أين نحن متجهون هل نحن في طريقنا لتحقيق ما هم يرغبون فيه أم لا؟ فوجدت العراق يقسم والشيعة في اليمن في خلاف مع السعودية، والصومال تفكك والآن الدور علي مصر.
ونحن في مصر نسير في اتجاه التفكك أم العكس؟
- نحن ننفذ المخطط بإرادتنا ونسعي له الآن، في الشارع نستطيع بسهولة شديدة جدا تمييز الأقباط عن المسلمين وتلك هي كانت العقبة الأولي التي كانت تواجهه في تنفيذ المخطط لكن الآن نحن سهلنا الأمر، ونحن نتحدث عن التمييز بالشكل وأهميته لأنه ونحن في اتجاه تنفيذ هذا المخطط بالكامل ووقوع حرب أهلية في مصر وهذا يتطلب هذا النوع من التمييز حتي يعرف كل طرف من عدوه ويحاربه، وهنا ليس صدفة أن تعلن إسرائيل أنها دولة يهودية ذلك فهي تعمل علي تحضير المناخ وحتي تكون مصر هي الأخري دولة سنية، ويكون هناك كيان ذاتي للنوبة وكذلك البدو.
هل ترجح نجاح هذا المخطط؟
- لا، لأن التاريخ المصري يحدث نوعا من اليقظة علي حافة الخطر، وأنا كما أشعر الآن ببوادر الخطر أشعر أيضا ببوادر اليقظة، فرد الفعل علي ما حدث بنجع حمادي وحالة الانزعاج الشديد من قبل السلطة وكذلك رد الفعل العاقل جدا من قبل الأقباط والكنيسة، ربما سببه أن الخطر أصبح واضحاً والتهديد بتقسيم مصر علي أساس ديني وهذا أمر يقلق المصريين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.