فى بلادنا العربية , ذات الانظمة الفاسدة , الفساد مرهون بالكروش الممتلئة للصوص و السراق الذين تبوءوا أعلى المناصب فى الدولة , عندما جمع الحاكم الطاغية , العميل , لصوص البلاد و جعلهم قائمين على مخازنها و أمنها و خدماتها و مؤسساتها , فاستشرى الفساد فى جميع مؤسسات الدولة , لتنهكها , و تستنزفها. الفساد فى بلادنا فساد نمطى , ممنهج , متصل كسلاسل مربوطة الحلقات , مترابطة العناصر , اذا انهارت منه حلقة تداعت باقى الحلقات فى السلسلة بالانهيار . فانهيار مبارك الحقيقى بمحاكمته أُتبع بمحاكمة باقى العصابة التى ظنت أنها قد تركت بلا حساب . الفسدة , ظلوا و سيظلوا مترابطين يشكلون فرقا و أحزابا تتعاون فيما بينها على السرقة و النهب , و إستغلال المناصب و توزيع المكاسب . تارة تشتبك هذه الفرق و الأحزاب لتفضح نفسها , و تارة تتعاون و تتآزر لتغطى على جرائمها أو لتشترك فى عمليات كبيرة , ولكنها كلها تشترك فى انها ضعيفة الهيكل و البنيان , لا تتماسك أمام الفضائح الحقيقية , و لا تصمد أمام من لا يصمتون لباطل و من لا يرضون بظلم . كلما إستشرى الفساد فى مؤسساتنا انتقل منها الى مجتمعاتنا , فتغيرت النفوس , و تشوهت الى الأسوأ , متطبعة بطبع الفسده , فهم النموذج " الارقى " بالنسبة للمجتمع و هم المسيطرون على الساحة و المؤسسات , المتحكمون بزمام الأمور , و القابضون على أعناق المجتمع . فساد النفوس أخطر من فساد اللصوص و فساد المؤسسات , ففساد النفوس يغير فى التركيبة الاجتماعية , و ينشر السوس و السلوكيات الخطأ المختلة , فقد أصبح طبع و ديدن الكثير من ذوى النفوس المشوهه الذين استمرأوا الفساد كنظام حياة , فلم يتركوا ايا من مظاهرة و أساليبة الا وقد مارسوها و طبقوها بل و طوروها . كم من هذا الشعب لم يمارس فى حياته أحد سلوكيات الفساد من واسطة , محسوبية , أو رشوة لتسهيل أمر ... هذه السلوكيات الفاسدة انتشرت كما النار فى حطام هذا المجتمع , ليجعلنى أقر يوما ما ليتذكرها معى رفاقى " أن الشعب المصرى لن يقبل التغيير بسهولة , فهو المستفيد الأول من الفساد " . نعم فالشعب المصري فى مرحلة ما كان لا يقوم حياته الا بمثل هذه الاساليب الملتوية , التى جبر عليها ليحاول أن يقوم من حياته التى أفسدها الطغاة الظلمة . فساد النفوس , صدى , يدوى فى إففركان المجتمع , ناشرا طباعاً تحتاج للتعديل و التقويم لتصلح من شئننا , ولكن الثورة أتت بالتغيير لتغيير كل شئ , حتى هذه الطباع وهذه النفوس التى شوهت . فقيم الثورة رسمت فينا إحتراما لدماء الشهداء الذين ثاروا فخرجوا فاستشهدوا ليضحوا من أجل نجاح هذه الثورة , هذه القيم أعلنت للعالم أجمع أننا أرض الحضارة , فطوال فترة التحرير , لم نسمع عن حالة تحرش واحدة فى الميدان , أو حالة سرقة , رغم وجود الملايين . سلوكيات الفساد و كيف تقاوم : انها الثورة التى أعلنتها حرباً على الفساد و الفسدة , بشخوصهم , بسلوكياتهم , بنظامهم , و بإداراتهم , فالثورة لم تأت فقط لتزيح بعض الفسد و إنما طالبت بالتغيير التام لجميع نواحى الحياة فى هذا المجتمع ," تغيير , حرية , عدالة إجتماعية " , فالثورة استهدفت "التغيير" من الوضع " الفاسد " القائم , وهى تحتاج الى " الحرية " لتقوم هذا التغيير , ولكنها لم تنسى الطبقات المقهورة المطحونة , التى كسرها الطغاة بفسادهم فقامت لتنادى ايضاٌ بال" عدالة الأجتماعية " . الثورة أستهدفت أيضا تغيير السلوكيات بحملات مختلفة ضد مظاهر الفساد الذى نشرة النظام فى نخاع هذا الوطن كمرض مزمن . استهدفت هذه الحملات منع الرشاوى , و إيقاف الوساطات و المحسوبيات و المطالبة بالحقوق بدلا من التملق ممن يفترض أن يخدمنا بهذه الحقوق . ولكن هل ستتوقف هذه الحملات لتتوجه الى الإنتخابات و المعارك الجانبية التى تزج فيها بدون أن تحقق مكاسب هذه الثورة الاساسية بتغيير سلوكيات الفساد و إبطالها فى المؤسسات و الجامعات و الصروح ؟ بناء الوطن الحقيقى لن يحدث بالتفرغ للمعارك و النزاعات للطوائف المختلفة فقريبا قد نرى أن التغيير الحقيقى لم يحدث , و أن الحرية قيدت بالطوائف و الأتجاهات السياسية المختلفة , و العدالة الاجتماعية لم تتحقق لنسيان المكتفين أساسيات و إحتياجات المعدمين بعد أن وحدتهم الثورة فى ميدان التحرير !!