حسبما نعرف جميعا فإن الأقطاب المتشابهة تتنافر , لكن فى قطاع الإعلام المصرى يبدو أن لا مجال للنظريات العلمية , وقد بدا ذلك واضحا فى قرار ضم قناة النيل للأخبار إلى قطاع الأخبار قبل نحو ثلاثة أعوام . ولعل أحدا لا يستطيع ان يتجاهل النتيجة , بل النتائج السيئة التى ترتبت على هذا القرار , فقد صارت تلك القناة التى مثلت منذ بداية انطلاقها نافذة أكثر احتراما بين جمهور المشاهدين المصريين وبين أحداث بلدهم ووطنهم العربى وعالمهم . لسنا بحاجة الى استرجاع الشواهد على هذا لأن الاحداث والحقائق ليست بعيدة , لذا هى حاضرة فى أذهان الغالبية منا . فلا احد ينسى يوميات انتفاضة الفلسطينيين الثانية التى انطلقت فى سبتمبر 2000 وحصار الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات , وكيف كانت تلك القناة موضع ثقة واهتمام المشاهد المصرى على الأقل , وكان الغالب انك عندما تغادر مكانا قاصدا آخر لا تجد سواها , وفى ذلك الحين كان قطاع الأخبار فى واد لا يؤهله لمنافسة تلك القناة , ولا احد ينكر دور الاعلاميين حسن حامد وسميحة دحروج فى تأسيس هذه القناة , حتى شعرنا معها انها صوت عرب جديد , وليس هذا المفهوم ببعيد عن الحقيقة , بدليل أن من تصدر شاشة تلك القناة ومن عملوا فى غرفة التحكم , كان الكثيرون منهم من ابناء إذاعة صوت العرب , وهذا يحسب لمن قاموا على تأسيس هذه القناة . توالت السنون وتغير القائمون على ادارة قناة النيل والقائمون على ادارة الاعلام المصرى , وكان ضم قناة النيل الى قطاع الاخبار قرارا لم ير فيه كثيرون حكمة كافية , خاصة ان هذا القرار سينهى ما كان موجودا من روح منافسة بين الطرفين فى متابعة الاحداث ومحاولة تصدر المشهد سيما فى الاوقات الهامة . والاحداث الجلل . فلا احد ينسى يوم ان كان اغتيال النائب والوزير اللبنانى بيير الجميل واغتيال زميله النائب انطوان الجميل , وعند دخول حزب الله الى بيروت فى مايو 2008 , كل هذه وغيرها احداث ارتبط فيها المواطن المصرى والعربى بقناة النيل للاخبار , وكان قطاع الاخبار بمثابة ممثل الحكومة وفيه تتجسد روح البيروقراطية التى نعانى منها ومن شرورها ... - أداء قناة النيل للأخبار كان موضع تقدير عربى , ولا أحد ينسى التقدير الذى عبر عنه الزعيم الراحل ياسر عرفات لهذا الأداء , وقد سمعت بنفسى من محمد منيب رئيس البعثة الدبلوماسية فى غزة عام 2005 , كم أن الفلسطينيين يحملون تقديرا كبيرا للإعلام المصرى من زاوية الدعم الذى يقدمه للقضية وتحديدا , لقناة النيل للأخبار , ولإذاعة صوت العرب , وكان هذا بحضور السفير حسن عيسى الذى كان يترأس وفد المراقبين المصريين لانتخابات الرئاسة الفلسطينية . كل هذه المشاهدات , أين هى الان , وتحديدا منذ قرار الضم الادارى لقناة النيل الى قطاع الاخبار باتحاد الاذاعة والتليفزيون . بحكم العمل وبحكم الاختصاص وبحكم الاقتراب والعيش مع المواطنين أجزم لا مبالغة بأن هذه المشاهدات قد توارت فلم يعد لهذه القناة ما كان لها من من قبل, واتصور معتقدا فى صحة تصورى أن الأسباب تعود بالاساس الى قرار ضم هذه القناة الى قطاع الاخبار , فصار مركز الادارة واحدا منحصرا فى رئاسة هذا القطاع , ومن ثم لم يعد هناك مجال لتنوع التصورات الحاكمة , وثانيا ان القائم على رئاسة هذا القطاع يفترض انه قائم على ادارة اخبار قناة النيل , واخبار قنوات التليفزيون كلها , واخبار الفضائيات المصرية , وقنوات النيل الدولية اضافة الى اخبار الاذاعة بمحطاتها المختلفة اللهم الا اذاعة صوت العرب وما يتبعهاوهذا يعنى ان الجميع سيغرد بصوت واحد وان مجال المنافسة يبقى فى اضيق حدوده , ولا يتعدى حدود اعضاء الادارة العليا , وهذا بافتراض ان القائم الاول على ادارة هذا الطاع يسمح بذلك. ثورة الشباب الاخيرة كانت حدثا بالغ الاهمية فى تاريخ هذا الوطن الغالى , ولكن التعامل معه اعلاميا كان هو ذاته فى كل وسائل الاتصال المصرية وهنا اقصد الحكومية , وهذا طبيعى , فعندما يكون العقل واحدا من الطبيعى ان تكون حركة السواعد فى اتجاه واحد ولا اضع هنا خنجرا اضافيا فى جسد الاعلام المصرى , لأن هذا الجسد هو جزء من الكل , وما اعترى هذا القطاع هو ذاته ما اعترى الوطن , لكننا الان فى مجال محاسبة الذات والاصلاح ما استطعنا ... البعض رأى فى متابعة قناة النيل لجريمة كنيسة القديسين مؤخرا , ما قد يرد على هذا الرأى , وأنا ارى فى هذا الرأى ما يؤكد كلامى , لأن الاستشهاد بواحدة أو اثنتين من التغطيات خلال نحو ثلاث سنوات يؤكد أن القاعدة هى التراجع وأن الاستثناء هو التميز , ولعل توقيت هذا الحادث , بعد انتصاف الليل فى ليلة شتوية ما جعل من هم فى موقع ليس فى المقدمة هم اهل القرار ومن ثم سارت الامور فى هذا الاتجاه ... - لم ارد الاشارة الى اسماء بعينها قدر ما استطيع , حتى لا اكون كمن يتشفى فى مريض لا سمح الله , فكل ما اتصور انه صحيح الآن هو ان يصدر قرار بأن تكون القناة الاخبارية مستقلة عن بقية منظومة اخبار اتحاد الاذاعة والتليفزيون فى مصر , ولنا فى ذلك مثل فعله الأولون من الاعلاميين , وهو ابقاء اذاعة صوت العرب خارج منظومة اخبار الاذاعة المصرية , وكان مبررهم فى ذلك ان لصوت العرب رسالة مختلفة عن رسالة بقية الاذاعات الأخرى , لأن اولويتها الأولى هى الدائرة العربية قبل الداخل المحلى المصرى ... واليوم لا احد ينكر اننا بحاجة الى صوت عربى لمصر يكون جذابا , وذا مصداقية عن الراى العام قبل الحكومات , فلا أحد أصبح يستطيع أن ينكر أننا فى عصر الشعوب ... أمام كل هذا هل يتم انهاء الزواج غير الشرعى الذى تم بين قناة النيل وقطاع الاخبار .. كنت اثق انه سينتهى لانه زواج باطل , لكنه استمر لعدم وجود فقيه أمين يعلن أمام السلطان المختص أنه زواج باطل .