بعد ما حدث فى " ميدان التحرير " مساء يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 ، كتبت هذا المقال لموقع الدستور الإلكتروني ، لكن النظام الساقط قطع الإنترنت ، فلم أتمكن من إرسال المقال ، ثم انضممت إلى " ميدان التحرير " ، وآخذتنا جميعا أحداث ثورتنا العظيمة ، وحين عدت إلى جهاز الكمبيوتر ، وجدت هذا المقال ينتظر ، فقررت أن أرسله للدستور كشهادة حية لما حدث فى بداية الثورة . . . كانت ليلة مدهشة فى ميدان التحرير ، ليلة لا مثيل لها ، كما كان يوم 25 يناير 2011 يوما فاصلا فى تاريخ مصر الحديث ، إذ نزل الآلاف من الشباب الرائع إلى الشوارع يهتفون للتغيير والعدل والحرية والكرامة الإنسانية . . آلاف مؤلفة تجتمع معا على قلب رجل واحد ، يطوفون فى مختلف الشوارع والميادين ، ويدعون الآخرين إلى الانضمام إليهم ، وفى نهاية اليوم يتجمعون معا فى قلب العاصمة ، فى ميدان التحرير ، شباب وشابات ، رجال ونساء ، أطفال وشيوخ ، يتبادلون الطعام والشراب والحديث والحوار ، ويشتركون معا بطريقة حضارية فى ليلة من ليالي الحرية ، فرغم الليل والجو البارد ، ثم الصقيع الشديد ، إلا أن الحماس والهتاف والأمل فى التغيير يُشعر الجميع بدفء المشاركة فى صنع مستقبل أفضل لمصر المحروسة ، ولشعبها الصبور . لكن ماذا حدث بعد منتصف الليل ؟ عندما تيقن الأمن أن الجماهير مصرة على المبيت فى الميدان ، انقلب الحال ، وتغيير الموقف ، إذ يمكنك أن تتصور الوضع مع حلول ساعات الصباح ، وتوافد المزيد من البشر على الميدان المكتظ بالمعتصمين ، فعندئذ لن تتمكن قوات الأمن من السيطرة على كل هذه الجماهير الغفيرة ، ومن ثم قد يكون هذا اليوم هو اليوم الأخير ! ولذلك كان القرار القادم من قمة السلطة ، بضرورة فض الاعتصام بأي شكل من الأشكال ، ومهما كانت الخسائر ! فماذا صنعت وزارة الداخلية لمواجهة الشعب المسلح - فقط - بكلمة الحق ؟ قوات ضخمة جدا من جنود الأمن المركزي ، وسيارات مصفحة ، وقنابل مسيلة للدموع ، وطلمبات تضخ الماء بقوة في عز البرد ، ورصاص مطاطي ، وأمن بالملابس المدنية يحملون الشوم والعصي والنبابيت ، يضاف إلى كل ذلك مجموعات من البلطجية وأصحاب السوابق يحملون السيوف والسنج وأسياخ الحديد ! يبدو أنهم أخرجوهم للتو من أقسام الشرطة لتأديب من يطالبون بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ! وبدأت المعركة الحربية ، وانطلقت القنابل تفرقع فوق أرض الميدان ، ودوت طلقات الرصاص هنا وهناك ، وطارت صواريخ المياه القذرة فوق الجميع ، واندفع البلطجية والجنود يضربون بجنون ، وغباء ، وبلا تمييز بين الكبار والصغار والرجال والنساء ! وفى فترة زمنية قياسية ، تم تحرير الميدان ، أو احتلال أرض المعركة ، بقوات ضخمة من الأمن المركزي ، مع اعتقال عدد كبير من المواطنين ، وهكذا انتصر نظام الحكم على جماهير الشعب ، وكان يمكنك أن ترى لون الدماء الحمراء هنا وهناك على أرض ميدان التحرير ، فالدماء الذكية متناثرة فوق تراب الوطن . . لن نعرف كم عدد ضحايا هذه المعركة الليلية ، ولا ما أصاب الجرحى من إصابات خطيرة ، كما لن نعرف كذلك الأعداد الحقيقية للمعتقلين ! فمن المسئول عن هذه المعركة المجنونة ؟ ومن المسئول عن سقوط كل هؤلاء الجرحى والمصابين ؟ وفى رقبة من كل هذه الدماء الطاهرة ؟ هذا هو ثمن الحرية ، وهذه هي ضريبة الديمقراطية ، ولا يصح أن ننسى أن مصر طول عمرها ولادة ، وهى تعانى الآن من حالة مخاض عسير ، لكن ثمة فجر جديد يلوح فى الأفق ، وسيشرق قريبا ، بل قريبا جدا . . .