بسبب الانتخابات التشريعية والظهور بصورة المنحاز للفقراء وبدء الرئيس حملته الانتخابية! لماذا تراجع الرئيس عن قانون الضريبة العقارية بعد موافقة مجلس الشعب؟ كعادته، خرج الرئيس مبارك علي المصريين بتصريحات تنسف قانون الضرائب العقارية الذي أعده ودافع عنه ورعاه وشهره في وجه المواطنين يوسف بطرس غالي وزير المالية والحاكم بأمره في مصر التي تدفع «عشر وميت» نوع من الضرائب. تصريحات مبارك التي قالها أمس في زيارته لمحافظة كفر الشيخ أصابت الجميع بصدمة ولكنها في الوقت نفسه فتحت الباب لأسئلة لا تنتهي حول هذا «التراجع» وأسبابه. وربما السؤال الأول الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو أين كان الرئيس عندما وافق مجلس الشعب علي القانون بصيغته الحالية وبدأ الموطنون في التوجه لمقرات الضرائب العقارية للحصول علي الإقرار وأين كان الرئيس من حالة الجدل التي ثارت خلال الفترة الماضية، ثم أن السؤال الثاني الذي لا يقل أهمية هو هل أصيب الرئيس بالصدمة من نصوص القانون فقرر تعديله بما يعني أن الوزير يوسف بطرس غالي يمد الرئيس بمعلومات خاطئة. الأسئلة لا تنتهي خد عندك مثلا هل تراجع الرئيس عن القانون يرتبط بالانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تقبل عليها مصر خلال العام الحالي والمقبل وهل إذا كان الأمر كذلك من الممكن أن يتكرر سيناريو التراجع في مواقف أخري من أجل أن يظهر الرئيس في صورة المدافع عن المواطنين البسطاء وأنه أيضًا صاحب القرار «الأول والأخير» في كل الأمور. كل هذه الأسئلة تحتاج بالفعل إلي إجابات بعد أن نسفت تصريحات مبارك قانون بطرس غالي وجعلته كأن لم يكن وهي عادة ارتبطت بفترة حكم الرئيس مبارك الذي دائما ما يترك وزراءه يتخذون القرارات ثم يتراجع عنها هو بنفسه فيما بعد. الدكتور حسن نافعة - أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة - يري أن نمط إدارة الرئيس مبارك للحكم كانت طوال الوقت تعتمد علي ترك وزرائه ومساعديه يتخذون القرارات والمواقف التي تضر بشعبيتهم وجماهيريتهم فيما يتخذ هو القرارالنهائي في الوقت المناسب ليظهر بصورة المتعاطف مع الفقراء والبسطاء في مصر. وأضاف نافعة قوله: «يبدو أن الرئيس قد بدأ حملته الانتخابية مبكرًا وقد ظهر ذلك في قراره بالتجول في المحافظات خارج القاهرة وبعيدًا عن صخب الإعلام والقوي السياسية، أما الأمر الآخر الذي يؤكد أنه بدأ بالفعل حملته الانتخابية فهو قرارات اتخذها مؤخرا مثل إعادة النظر في قانون الضريبة العقارية ووعوده بقروض للفلاحين وغيرها من المواقف التي يظن الرئيس أنها ستنّسي الناس قضايا مثل التوريث وغيره. و توقع نافعة أن يتكرر سيناريو التراجع عن تصريحات أو مواقف أو حتي قوانين خلال الفترة المقبلة لا سيما ومصر مقبلة علي الانتخابات الأهم وهي التشريعة والرئاسية مشيرا إلي أن الفترة المقبلة أيضا ستشهد إجراءات تقارب إجراء التراجع عن قانون الضريبة العقارية من أجل نيل الشعبية مثل تقديم خدمات لفئات بعينها والاهتمام بالأقاليم أكثر وغيره من الإجراءات التي تزيد من شعبية الرئيس. و يشير نافعة إلي أن الرئيس مبارك لديه طول الوقت إيمان بقاعدة كان يسير عليها الرئيس السادات هي أن مصر ليست هي «مجموعة الأفنديات» الجالسين في القاهرة ولكنها الأقاليم الصغيرة وأن مصر بهذا المعني هو بلد هادئ ومسالم ومن السهل أن يتخذ من القرارات والإجراءات ما يجعله ينسي القضايا الكبري قائلا: «قرار التراجع عن قانون الضريبة العقارية والتجوال في المحافظات هو جزء من هذا الاعتقاد الراسخ». كثيرة هي القرارات التي ظهر فيها الرئيس مبارك بصورة الذي يحصل علي حق البسطاء من المسئولين الوحوش الذين لا يرحمون الفقراء، ولكن التراجع في بعض الأحيان لا يكون هذا هو سببه الوحيد ولكن التراجع يكون سببه الرئيسي قدرًا من الضغوط لا يحتمله نظام الحكم لا سيما إذا كانت مصر مقبلة علي إجراءات مصيرية مثل الانتخابات وكانت الضغوط آتية في الأساس ليس من «الفقراء» ولكن من «الناس اللي فوق». فعبد الغفار شكر القيادي اليساري بحزب التجمع المعارض يري أن تراجع الرئيس مبارك فيما يتعلق بمسألة الضرائب العقارية يرتبط في الأساس بقدر هائل من الضغوط التي مورست ضد نظام الحكم لا سيما أن هذه الضغوط كان يقودها مجموعة كبيرة من الفئات القادرة التي كانت «رأس الحربة» في المعركة ضد قانون الضريبة العقارية علي حد قوله. و أضاف شكر أن الفئات التي كانت ستتضرر بشكل كبير من هذا القانون هي الفئات القادرة من ملاك القصور وليس الفقراء بالطبع. و لم يستبعد شكر أن يكون التراجع مرتبطًا بقدوم الانتخابات البرلمانية والرئاسية وهو أمر لابد فيه من مراعاة تقديرات الرأي العام لمثل هذه القوانين التي تمس المواطنين بشكل مباشر ومستبعدا إمكانية أن يخفي وزير المالية الحقائق أو المعلومات عن الرئيس قائلا: «لا يستطيع الوزير أن يفعل هذا الأمر». و لفت شكر إلي أن التراجع عن قانون الضريبة العقارية معناه ببساطة إن الحكومة الحالية لا تهتم برد فعل المواطنين ولا تسعي لقياس الرأي العام قبل أي إجراءات تتخذها موضحا أن هذا القانون لاقي استيًاء شعبيًا علي نطاق واسع. و قال شكر إن نظام الحكم قد يتجه خلال الفترة المقبلة إلي عدد من الإجراءات التي تدفع الناس للثقة في السلطة وفي انحيازها للمواطن البسيط مثل التركيز علي الفئات الفقيرة مثل العمال أو الفلاحين وكلما اقتربت الانتخابات ستزيد «المكافآت». و لم يستبعد شكر: أن تحدث تراجعات مثل هذه خلال العامين المقبلين كنوع من جذب المواطن العادي للحكومة. و لكن شكر اختتم حديثه بالقول إن حديث الرئيس حتي الآن لم يكشف عن التراجع الجذري عن قانون الضريبة العقارية وإن كان قد أشار - حديث الرئيس - إلي تخفيف بعض الإجراءات مثل إعادة تقييم العقار بعد 10 سنوات وليس بعد 5 سنوات كما ينص القانون بصيغته الحالية.