من أين يستمد يوسف بطرس غالي قوته وسطوته في مصر؟ طيب دعك من هذا السؤال وركز في السؤال الأهم هل يستطيع يوسف بطرس غالي بكل سطوته وقوته أن يقنع الرئيس مبارك بأن قانون الضرائب العقارية الجديد يجب أن يمر كما هو رغم تراجع الرئيس بالقول إن «القانون لم يحسم بعد»؟.. الحقيقة التي ربما تكون صادمة بالنسبة لك - وممكن تكون غير صادمة أيضا - أن يوسف بطرس غالي سيحاول إقناع الرئيس بتمرير القانون وربما ينجح في هذا أيضا. طبعا حتي الآن فإنك ستعتبر أن هذا الكلام لن يحدث أبدًا وأن حديث الرئيس نهائي وبات ولا يمكن العودة فيه، إذا عليك أن تركز معي حتي تدرك سطوة يوسف بطرس غالي وقوته التي قد تقنع الرئيس بعكس ما طرحه من نية تعديل القانون وتتأكد أن هذا سيحدث غالبًا. فرغم كل «البلاوي» التي تحدث في مصر ورغم أن يوسف بطرس غالي أحد صناع الأزمات الكبري فإنه ما زال يجلس علي مقعده الوثير علي رأس وزارة المالية هانئا مطمئن البال. و لنبدأ من الآخر فرغم الحملة الضخمة التي تمت ضد قانون الضريبة العقارية ورغم حدة الاتهامات التي وجهت لهذا القانون بافتقاد العدالة وعدم مراعاة مصالح المواطنين ورغم الاتهامات القانونية التي تم توجيهها له بأنه قانون «غير دستوري» ورغم كل الدعاوي التي طالبت المواطنين بالامتناع عن تقديم إقرارات الضريبة العقارية ورغم الأنباء المتواترة عن رفض عن من الوزراء لهذا القانون إلا أن كل هذا لم يهز الوزير يوسف بطرس غالي مطلقًا وأصر علي أن القانون سيمر دون تعديلات وكأنه الأعلم بمصالح المواطنين من كل الفئات التي نادت بتعديله وظهر يوسف بطرس غالي في صورة من يحتكر الصواب. تعال لنكمل ما يظهر سطوة وقوة وزير المالية فقد قرر سيادة الوزير - فجأة وبلا مقدمات - أن يستولي علي أموال التأمينات الاجتماعية - معاش الفقراء في مصر- و التي تقدر ب 270 مليار جنيه من أجل سد العجز في موازنة عام 2008، الأمر الذي كان يهدد الاستقرار الاجتماعي لملايين من الفقراء والمواطنين المصريين، وقتها دخل غالي في صراع مع 10 من نواب مجلس الشعب تقدموا جميعا باستجوابات ضد الاستيلاء علي أموال الفقراء فضلاً عن أكثر من 90 طلب إحاطة تم تقديمها للسبب نفسه دعك طبعًا من المظاهرات والاحتجاجات التي تم تنظيمها ضد هذا القرار الغريب ومع ذلك استطاع الوزير أن يمرر ما يريد وأن يخرج من أزمة أموال التأمينات أكثر قوة وثباتًا في موقعه. هل ما زلت تعتقد أن يوسف بطرس غالي سيفشل في إقناع الرئيس مبارك بتمرير قانون الضريبة العقارية رغم تصريحاته بأن القانون لم يحسم بعد؟ علي كل حال براحتك لكن عليك أن تتذكر مواجهات يوسف بطرس غالي مع المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات تلك المواجهات التي كانت تشير إلي تجاوزات مالية ضخمة ترتكبها حكومة الدكتور أحمد نظيف والذي يمثل غالي وزير المالية فيها وطبعا قوة الرجل وصلت لدرجة اتهام الوزير لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في مجلس الشعب خلال العام الماضي 2009 بأنه «ممثل البنك الدولي في مصر» وكان الملط وقتها يشير إلي ملاحظات البنك الدولي عن عجز الميزان التجاري المصري دعك طبعًا من أسلوبه في الرد علي رئيس الجهاز المركزي إذ كانت صيغته يبدو عليها العصبية الشديدة ومع هذا بقي غالي في موقعه كما هو دون أن يتأثر مطلقًًا. الدكتور حسام عيسي- أستاذ القانون بحقوق عين شمس، ونائب رئيس الحزب الناصري- لم يستبعد إمكانية أن يتراجع مبارك في قراره بعد محاولات لإقناعه من قبل يوسف بطرس غالي لا سيما أن حجة غالي الأساسية ستكون أنه يملك التخصص العلمي في هذا الشأن. و قال عيسي إن بوادر تمرير القانون كما هو ظهرت في نص تصريحات الرئيس الذي أكد فيها أن الأمر لم يحسم بعد وهو ما يظهر أن الحديث غير نهائي وأن الأمر سيخضع لمناقشات، لافتا إلي أن الرئيس كثيرا ما يتراجع عن مواقفه قائلا: " الرئيس سبق أن أكد أن التوريث لن يتم في مصر لأننا غير سوريا «مضيفا» أحيانا يتم اتخاذ مواقف وقرارات ويتم تنفيذها بشكل آخر ". يوسف بطرس غالي هو الوزير الوحيد الذي قرر«سب الدين» في مجلس الشعب أثناء مناقشة الأزمة الخاصة بأهالي«عزبة الهجانة» قائلا إنه سيعوض ملاك العمارات في هذه المنطقة واللي ح يخالف بعد كده ح اطلع دين اللي جابوهم». إحساس بالسطوة غير طبيعي جعل الوزير لم يشعر أنه يتحدث أمام مجلس الشعب وأن وسائل الإعلام تراقبه في كلماته أو بمعني آخر عدم اهتمام دفعه لاستخدام هذه العبارات غير اللائقة بموقع الوزير، الأمر الذي جعل أحمد عز ينفي قيام الوزير بالتفوه بهذه العبارات أصلا. هل تعتقد بعد كل هذه السطوة غير المبررة وغير المنطقية أن يوسف بطرس غالي لن يستطيع اقناع الرئيس بتمرير القانون؟ علي كل حال فإن النائب سعد عبود يري أن القانون بالفعل سيعود إلي مجلس الوزراء ومجلس الشعب لمناقشته من جديد ولكنه لن يخرج بالصورة التي ترضي المواطنين لافتا إلي أن قوة يوسف بطرس غالي مصدرها أنه وزير المالية الذي يتحكم في ميزانية الدولة فضلا عن صداقته لكل من جمال مبارك وأحمد عز. عبود اختتم حديثه بملاحظتين طريفتين للغاية إذ رأي أن غالي لن يستطيع اقناع الرئيس لسبب واحد أنه لا يقدر علي «النطق بكلمة» في مواجهة مبارك لكنه فاجأنا بالملاحظة الثانية وعندما قال إن غالي سيسعي إلي فرض وجهة نظره علي القانون عندما يعود إلي مجلس الوزراء وعندها سيخرجه - بقوته ونفوذه - كما يريد بل ربما سيخرج بشكل أسوأ!