" يوجد مخطط شرير للتطهير الديني يستهدف مسيحيي الشرق " ..بهذا التصريح المستفز للغاية خرج علينا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ليدلي هو الآخر بدلوه في حادث الإسكندرية .. – يعنى هى جت عليه !؟ .. لم يكد يمر يومان على تصريح بابا الفاتيكان بينديكت السادس عشر, الذي طالب حكام العالم خلاله بأن يظللوا مسيحيي الشرق بحمايتهم , حتى توالت التصريحات من مسئولين غربيين , على اختلاف مواقعهم ومناصبهم السياسية ؛ كلها تدس أنفها , وتحاول أن تدس أيديها أيضاً , في شأنٍ داخل خاص بمواطنين مصريين على أرض مصرية ! .. ؛ لكن لعل أغربها وأكثرها استفزازاً هو ذلك التصريح الذي أطلقه ساركوزي متضمناً تحليله للموقف بأن وراء ما حدث " مخطط " ... فما الذى يقصده بالمخطط , ومن ذلك الذي يخطط !؟ ... أليست هذه هى " نظرية المؤامرة " ذاتها التى أنشأها الغرب وفسروها وحللوها , وشخصوا القول بها بأنه محض جهل وعجز وشعور بالاضطهاد ؟! ؛ ثم صدّروها لنا – بتشخيصها سابق التحضير – لنتلقَّفها نحن بكل " سلامة نية " ونستسلم لما أرادوه لنا من انصراف عقولنا عما يُدّبر هناك .. , حتى بات من علامات الثقافة والحصافة والحكمة أن تكفر بتلك النظرية وتنكر على من يقول بها ؛ فتجد أحدهم يبدؤك الحديث بديباجة ثابتة : " أنا مش مع نظرية المؤامرة طبعاً " !! .. وليه طبعاً؟!!! ها هو ساركوزي يتهمنا ب" التآمر " ولا يخجل ! ..... لا يتورعون هم عن اتهامنا مع أى حادث – كبر أو صغر – بأننا نخطط وندبر ونتآمر ؛ في حين لازلنا نحن نتدثر بالتبرؤ من النظرية إياها كلما جدّ ما يستدعي البحث والتفسير والتحليل ! ...... ؛ ففى نفس الوقت الذي يلقى ساركوزي بتصريحه هذا في وجوهنا تعقيباً على حادث هز المجتمع المصري بأكمله، يستنكر البعض أى حديث عن احتمال وجود أيدٍ خارجية وراء نفس الحادث ساخرين من نظرية المؤامرة ! ... قالها ساركوزي بناءً على حادث اعتبره المصريون جميعاً غريباً وشاذاً على مجتمعنا -- حتى مع الوضع في الحسبان كل ما سبقه من حوادث هنا أو هناك تحمل أفكاراً متشددة أو جهلاً أو انفعالاً غير مبرر , فما كان أى من تلك الحوادث يشبه الأخير في حجمه ودقته ونتائجه –- في حين لم نجرؤ نحن على التصريح بها رغم كل الحوادث " المتكررة " التى يشهدها العالم الغربي ضد الأقليات المسلمة هناك !! ..؛ ففي تقرير أخير لمنظمة العفو الدولية – صدر في سبتمبر من العام الماضي - كان التحذير صريحاً والإدانة واضحة لتنامي مظاهر الاضطهاد وممارسات العنف ضد المسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية ... , والتي كان آخرها دعوة القس تيري جونز إلى حرق المصحف ؛ وأعرب الفرع الأمريكي للمنظمة عن قلقه العميق لتزايد جرائم العنف ضد المسلمين , كحادث طعن سائق السيارة الأجرة – المسلم – في نيويورك , وحادث إحراق مسجد تحت الإنشاء في ولاية تينيسي , وتخريب مركز إسلامي في كاليفورنيا .. , وتصريحات قس أمريكي يدعى " فيليب بنهام " لشبكة سي إن إن – وفقاً لجريدة الأوسط من كندا – بأن الإسلام " هو كذبة كبيرة وعلينا أن نصرح بهذا الأمر ونقوله بأعلى الصوت في الشوارع ونواصي الطرق " ! .. , بل وأطلق حملة معادية للإسلام تقوم على فكره المتعصب هذا والذي يصف الإسلام بالعنف ؛ وقد رد على تصريحاته باحث في علوم الأديان هو بروس فيلر , الذي قال لنفس الشبكة – سي إن إن - : " إن بنهام لا يعرف ما يقوله وقد غاب عن ذهنه مقتل خمسين مليون مسيحي أوروبي في حرب بين المسيحيين وبعضهم نشبت لأسباب دينية " .. , ومثل هذه الحوادث تكرر في بريطانيا التي شهدت اعتداءً على إمام أزهري لأحد المساجد فقد عينيه على إثره , وتقوم منظمة تطلق على نفسها إسم " أوقفوا الأسلمة في أوروبا " بتنظيم مظاهرات تطالب بوقف بناء المساجد , وكذلك تفعل " رابطة الدفاع الإنجليزية اليمينية " .. , وفي ألمانيا كان الحادث المفجع للصيدلانية المصرية مروة الشربيني – المعروفة بشهيدة الحجاب – والتي قتلها داخل إحدى قاعات المحاكم بدريزدن شاب ألماني من أصل روسي ينتمى لما يسمى بالنازيين الجدد , والغريب أن رجال الشرطة المتواجدين داخل المحكمة لم يتحركوا لإنقاذها , بل قام أحدهم بإطلاق الرصاص على زوجها بمجرد أن تحرك مندفعاً باتجاهها لحمايتها ! وكشف الحادث عن وجود واسع لهؤلاء " النازيين الجدد " في المجتمع الألماني , والذين يتخذون من معاداة الإسلام والمسلمين فكراً ومعتقداً ويعبرون عن ذلك بأفعال حقيقية في الشارع .. ... وأشار تقرير أصدره " إتحاد هلسنكي لحقوق الإنسان " إلى الوضع ذاته حينما حذر من تزايد نسبة التعصب ضد المسلمين في النمسا وبلجيكا والدنمارك وإيطاليا والسويد وفرنسا وهولندا , موضحاً أن مظاهر التعصب تنوعت بين اعتداءات جسدية ومضايقات لفظية إلى تخريب الممتلكات والمساجد وحتى القبور ! ...؛ وكذلك تضمن تقرير " مركز المساواة ومكافحة العنصرية في بروكسل " نفس المعنى ... ناهيك عن الحديث فيما يحدث للمسلمين – والمسيحيين وغيرهم – في فلسطين والعراق ! ...لماذا لم يخرج حاكم عربي ليصرح بمثل ما صرح به ساركوزي ؟! ولا قال شيخ للأزهر طوال السنوات الماضية تصريحاً يشبه ذلك الذي أطلقه بابا الفاتيكان ؟! لماذا نصر على أن نبقى نحن المتهمين والمدافعين وأن نقتصر على رد فعل غير مساوٍ في القوة !؟ ..., لماذا يصر الساسة والمثقفون والمفكرون هنا على تبني الموقف الذي أرادوه لنا من نظرية المؤامرة , في حين يستخدمون هم هذه النظرية ويرفعون أصواتهم مشيرين إلينا بأصابع الاتهام كلما حدث عندهم تفجير أو اعتداء أو حتى مغص !!؟ في اليوم نفسه – الذي شهد تصريحات ساركوزي – وقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان معلناً عن غضبه من موقف الإتحاد الأوروبي من تركيا لأن بلاده " تُعامل بشكلٍ مغاير عما يحدث مع باقي دول أوروبا " , ووجه حديثه إليهم : " قولوها صراحةً هل تريدوننا ؟! " ..... ثم قال أردوغان مستنكراً مواقف الغرب : " هل يعتقدون أننا لا نفهم ؟! " .... !!