بينما مصر لا تزال تنزف من جرح تفجير كنيسة القديسين، فاجأنا السيد الأستاذ الدكتور الوزير النائب الترزى بتصريحاتٍ فكاهية لا تليق بجلال الحداد الشعبى الصادق الذى ظلّل مصر .. خرج سيادته قبل أن تجف دماء الضحايا ليعلن بجدّيةٍ مضحكةٍ أنه قد انتهى من تفصيل بعض التعديلات على تعديلات المادة 76 المعدلة أصلاً (!) .. يتحدث سيادته عن تخفيف شروط انتخابات الرئاسة، وكأن هناك انتخاباتٍ أو أن هناك رئاسة .. يأبى سيادته إلا أن يُذكّرنا بأن المازورة والمقص لا يزالان فى جيب سيادته يعملان بلا توقف طوال ساعات اليوم على مدى أيام الأسبوع بامتداد شهور السنة .. قبل أربع سنوات، قرأتُ مقالاً للمصرية العظيمة المستشارة الدكتورة نهى الزينى فى العدد الأول من الدستور اليومى بعنوان "وكيف أصافحكَ إذا التقينا؟" تتحدث فيه عن أستاذها هذا الذي وجّه طعناته الدستورية المسمومة إلى قلب الوطن (وفقاً لوصفها)، وتتساءل فى أدبٍ جّم وحرجٍ بالغ عن كيفية التصرف معه إذا التقيا وجهاً لوجه .. وطوال هذه السنوات الأربع لم يفارق سؤالها ذاكرتى وأنا أتابع جرائم (أستاذها) فى حق مصر وقد ارتضى لنفسه أن يكون الأداة الطيّعة لمهندسى التزوير، ووظّف علمه فى خدمة الشيطان .. فخرجت من تحت يديه كل التعديلات (الدستورية) التى مهدت لما صرنا إليه .. بدءاً من إلغاء الإشراف القضائى، مروراً بتقنين إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية، وتقنين انتهاك الحريات الشخصية للمصريين، وتبرير الاستمرار الأبدى لحالة الطوارئ، وانتهاءً بالخطيئة والأضحوكة الدستورية المسماة المادة 76 وتعديلاتها التى لا تنتهى. الآن وبعد كل ما أفرزه هذا (الأستاذ) يا دكتورة نهى، لم يعد لسؤالك إلا إجابة واحدة .. لا تتحرجى ولا تصافحيه يا سيدتي إذا التقيتما .. ومثلكما لا يلتقيان .. فكيف تلتقي المصرية القاضية الشريفة الشجاعة بعبد السلطان والسلطة والمنصب؟! لا تصافحيه يا سيدتي فهو لا يستحق هذا الشرف .. لا منكِ ولا من أفقر عامل نظافةٍ شريف في أسوأ شوارع مصر .. فعامل النظافة يُسهم على الأقل في تنظيف واقعنا، أما هو فيُسهم في تلويث حاضرنا وإظلام مستقبلنا. لا تصافحيه .. فكيف تلتقي اليد الطاهرة التي خطَت شهادتَها المدوية ضد التزوير، باليد النجسة التي قننت الظلم (ولا زالت) بثمنٍ بخس .. مقعد فى مجلس وحصانةٍ لا تُحصّن صاحبها من غضب الله؟! .. أو كما قال أمل دنقل "وهل تستوي يدٌ سيفها كان لك ويدٌ سيفها أثكلك"، وقد كان سيفك لنا ياسيدتي، أما سيفه فقد كان ولا يزال مغروزاً في قلوب المصريين .. ويده مخضبةٌ بدم وآلام كل مصرىٍ تُنتهك آدميته وحريته بفعل قوانينه وتعديلاته الشيطانية. لا تصافحيه .. فكما يقول رب العزة في حديثه القدسى " .. وأبغضُ الشابَ العاصي، وبُغضي للشيخ العاصي أشد" ، فنحن أيضاً نبغض المتسلق الجاهل ولكن بغضنا للمتسلق الأستاذ الدكتور الوزير النائب أشد .. وأنتِ ونحن معذورون إلى حدٍ ما في انخداعنا به .. فكما انخدعتِ أنتِ به أستاذا ً أكاديمياً للقانون في مدرجات الجامعة، فقد انخدعتُ أنا فيه لفترةٍ لا بأس بها لمشاركته اليتيمة مع فريقٍ من المختصين في إحدى معارك الوطن القانونية .. وألومُ نفسي الآن لأنني لم أتوقف لأسأل نفسي على مدى تلك السنوات: لماذا هو وحده (دوناً عن كل من كان معهم) هو الذي سُلطت عليه الأضواء وارتقى في مراتب النظام، بينما لفَظ النظامُ باقي أعضاء الفريق وهم من هم علماً ومكانةً ووطنية؟ لماذا هو بالذات الذي ظل يتنقل من منصبٍ وزاري إلى منصبٍ وزاري آخر، وكأن التشكيلات الوزارية لا تجوز إلا به؟ بل لماذا قَبِل هو على نفسه أن يصبح نموذجاً للتدحرج الوزاري من وزارةٍ أكبر إلى وزارةٍ أدنى (أو سد خانة)؟ ولماذا فقد القدرة على الرفض رغم أن الله حباه بما هو أرقى وأبقى من أي منصبٍ وزاري وهو الأستاذية؟. ظللتُ مثلكِ أضعه في خيالي في مكانةٍ أسطوريةٍ كأحد رموز الوطن، إلى أن تعاملتُ معه واصطدمتُ به وجهاً لوجه بحكم منصبي الأسبق، في واقعةٍ فجةٍ ومشهورةٍ من وقائع إهداره السفيه للمال العام، فإذا به لا يزيد عن أي مديرٍ نمطيٍ لا يعنيه من أمر الوطن شئٌ وإنما كلُ همه مظاهرُ الأبهة والفخامة .. عندها تكشفتْ لي الحقيقةُ عاريةً، فهو ليس رمزاً من رموز الوطن وإنما هو رمزٌ من رموز النظام .. هو لم يقاتل من أجل هذا الوطن أبداً وإنما كل قتاله كان ولا يزال من أجل هذه الأمور التافهة (من وجهة نظرنا): حرس الوزير وسيارة الوزير ومكتب الوزير وكشك حراسة الوزير .. هو لم يكن في وقتٍ من الأوقات جندياً في معارك الوطن وإنما هو دائماً جندي في معارك النظام التي قد يتطابق بعضها مصادفة مع معارك الوطن. لا تحزني يا سيدتي لانهيار ما اعتقدتِ أنه مثلٌ أعلى .. فهذا الأستاذ ومن معه من سدنة النظام وباعة الوطن لم يكونوا في يومٍ من الأيام أساتذة .. هم في الأصل ترزيةٌ وطهاة ضلوَا طريقهم إلى الجامعة .. وهم الآن يعودون إلى مهنهم الأصلية ولكن دون إبداع .. فهم للأسف ترزيةٌ فاشلون وطهاةٌ أكثر فشلاً (مع كامل الاعتذار والتقدير لترزية وطهاة مصر الحقيقيين الشرفاء المبدعين). لا تصافحيه ولا تصافحى أمثاله ويجب ألا نصافحهم نحن أيضاً إذا التقينا بهم .. فهذا وقت الفرز .. من مع الشعب ومن ضده .. والفرز ليس صعباً .. فقد صار الفاسدون يتبجحون ولا يستترون .. فلنفرزهم .. ولنفضحهم .. ولنعزلهم .. ولنقاطعهم .. ولنقاطع من لا يقاطعهم .. ولنحرمهم ليس فقط من شرف مصافحتهم وإنما حتى من شرف تبسمنا في وجوههم .. إلى أن تذبل وتسقط هذه النبتة الخبيثة التي لوثت أرض مصر الطاهرة. ولا تتحرجي يا سيدتى ولن نتحرج .. فإذا كانت هذه الزمرة لا تتحرج من الباطل .. فكيف نتحرج نحن من الحق؟! . وحسبنا الله ونعم الوكيل