.. عام مضي علي تنصيب أوباما رئيسًا لأمريكا. .. باراك حسين أوباما دخل التاريخ منذ أن أصبح أول عضو أسود يدخل مجلس الشيوخ الأمريكي، ودخله ثانيًا بفوزه بترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، ودخله من أوسع أبوابه بفوزه في الانتخابات. .. لكن يبقي الدخول لفضاء التاريخ أمرًا مختلفًا عن صناعة هذا الفضاء الواسع وصياغته، فقبل أوباما دخل التاريخ الرئيس الأمريكي «جايمسي بوكانون» بوصفه أول رئيس أعزب، كذلك الرئيس بورن باعتبار أن لغته الثانية هي الإنجليزية. .. مشكلة أوباما الحقيقية منذ لحظة تنصيبه في 20 يناير 2009 الماضي، أنه بدأ مرحلة جديدة، أكبر من دخول التاريخ، مرحلة صعبة من المنافسة، أصعب بكثير من منافسه الجمهورية العجوز أو حتي منافسته الديمقراطية العنيدة - وزيرته الحالية - هيلاري، أو مع سلفه: بوش !! .. منافسة أوباما بعد عام من ولايته طرفها الآخر هو الشخص الوحيد الذي يصعب عليه هزيمته، فأوباما الرئيس الحالي للولايات المتحدةالأمريكية ينافس - أيضًا - أوباما الذي وصفته العقول الحالمة «بالمخلص» والتي رسمت صورة أوباما، ثم في خلف الصورة وضعت مواصفات «موسي» الذي يشق البحر، ويوشع الذي يوقف الشمس، والمسيح الذي يحيي الموتي !! وهو بالطبع ليس أيًّا من هؤلاء الأنبياء. .. فرغم أن أمريكا جزء من العالم - وليس كل العالم - فإن أوباما بات حلما عالميا، كما كان غيره كابوسا عالميا !! والغريب، والخطير، هو الآمال المتعارضة حول أوباما من أطراف ذات مواقف ومصالح متعارضة بات لا يجمعهم غير الأمل والطموح في تلك الصورة «السحرية» التي صنعوها في خيالهم لباراك أوباما، الذي بات عليه أن يسعي لمقاربة مستحيلة معها .. .. مشكلة أوباما الذي حظي بتعاطف واسع في مصر والعديد من الدول العربية مضاعفة لاعتبارات تاريخية وتجارب سابقة مع رؤساء لأمريكا هتفت لهم الشعوب وسرعان ما هتفت بسقوطهم .. .. في نهاية الحرب العالمية الأولي أولي الرئيس ويلسون المبادئ الاثني عشر اهتماماً، وكان آخر هذه المبادئ حق كل شعب في تقرير مصيره، وقامت ثورة مصر في 1919 ضد الإنجليز تطالب بحق شعب مصر في تقرير مصيره، وكان المتظاهرون يهتفون بحياة سعد زغلول ( زعيم الثورة) ومستر ويلسون. .. وفي سوريا خرجت مظاهرات تطالب بالانتداب الأمريكي أملاً في وعد ويلسون. ..وإذ بالرئيس ويلسون يعترف فجأة بالحماية البريطانية علي مصر !! فانقلبت المظاهرات التي كانت تهتف بحياته للهتاف بسقوطه !! وحدث نفس الشيء في سوريا عندما اعترف بالانتداب الفرنسي علي سوريا ولبنان !! .. وعندما أعلن الرئيس روزفلت الحريات الأربع، تحول حماس العرب من هتلر لأمريكا، ثم جاء الرئيس «ترومان» خليفة روزفلت، ليعترف بإسرائيل، ناقضاً وعود روزفلت أثناء الحرب العالمية الثانية، مما أحدث صدمة للعرب وتحولاً في مشاعرهم لما أصابهم من إحباط. .. وهو ما حدث سنة 1956عندما استعارت أمريكا شعبيتها لموقفها ضد العدوان الثلاثي علي مصر، الذي سرعان ما فقدته سريعًا برفضها تمويل السد العالي. .. عندما عادت العلاقات المصرية الأمريكية استقبل الشعب المصري الرئيس نيكسون بترحاب غير مسبوق وظل كارتر يحتفظ بمكانة خاصة وللآن حتي كان الانحياز الدائم لإسرائيل سببًا في تبديد رصيد سنوات التقارب المصري الأمريكي .. .. المنافس الحقيقي لأوباما هو صورة أوباما، ومن يهتفون له ربما يهتفون ضده ! إلا إذا قرر أن يقرأ التاريخ جيدا كي يتمكن من صناعته بعد عام ضاع !!