رغم أن فيلم "ابن القنصل" لا يختلف كثيراً عن أفلام العيد الخفيفة التى تعتمد على تقديم جرعة مرحة من الكوميديا لجمهور العيد لا أكثر، الا أنه حمل بعض صور الاختلاف الملفتة، أولها اننا أمام حالة كوميدية جيدة رغم أن أبطال الفيلم ليسوا من نجوم أفلام الكوميديا، الفيلم نفسه أكثر المحاولات الكوميدية جدية التى قدمت فى هذا العيد. والأمر الثانى أن الكيمياء والألفة بين ابطال الفيلم الثلاثة "أحمد السقا" و"خالد صالح" و"غادة عادل" كانت واضحة على الشاشة على عكس كثير من الأفلام الأخيرة التى ظهر فيها الممثلون كأنهم جزر متباعدة ومعزولة، بعضهم خفتت موهبته وتراجعت امكاناته اما مجاملة لبطل الفيلم النجم، أو اعتماداً على أن البطل هو من سيقوم بكل شىء وما هم الا ضيوف شرف بمساحة كبيرة، اننا فى "ابن القنصل" أمام "أحمد السقا" مختلف يقبل بالمشاركة فى بطولة فيلم لا تكون شخصيته الدرامية هى الشخصية المحورية للأحداث، وهو أيضاً يقدم دوراً مختلف عن الشكل النمطى لأدوار الأكشن ويتنازل عن وسامته بالظهور أغلب وقت الفيلم بلحية كثيفة، ويفسح المساحة لاظهار ملامح أداء كوميدية من خلال شخصية جادة، ويبدو متفهماً تماماً لقواعد الخدعة المهمة لحبكة الفيلم حينما يبدو أغلب الفيلم دمية تحركها شخصية القنصل قبل الانقلاب الذى يحول الأحداث تماماً حينما يكتشف المشاهد أن الخيوط كلها فى يده منذ البداية، كما اننا نجد ايضاً أن خالد صالح يقوم بدور كوميدى كاريكاتورى على شاشة السينما فى تحدى جديد عليه، ربما يكون الماكياج مبالغاً فيه والباروكة مزعجة ولكن يذوب الأمر مع كون الفيلم يميل الى الكاريكاتورية، ونرى أيضاً "غادة عادل" تكسر نمطية أدوار الفتاة البريئة وتقوم بدور فتاة ليل، ورغم أن الأداء بالنسبة للثلاثة كان يفلت أحياناً وتغلب عليه المبالغة الا أنهم حافظوا على الحالة الكوميدية للفيلم فى أغلب المشاهد، مشاهد البداية والنهاية فى الفيلم هى الأكثر حيوية ورشاقة من مشاهد الوسط خاصة فى المنزل حيث ظهرت حالة من المط والتطويل. أفيش الفيلم يبلور حالة الاختلاف حيث انه من الأفيشات المصرية القليلة التى لا تتصدر فيه صورة النجم وحده الافيش، بل أن صور الأبطال الثلاثة تظهر صغيرة لصالح التصميم الذى يصور بطاقات الأبطال الثلاثة مع تعليقات طريفة عليها. العوامل المختلفة عن السائد ساهمت كثيراً فى منح الفيلم قدر كبير من الحيوية بشكل نسبى، نحن أمام شخصيات تتحرك فى اطار خدعة، والأفلام التى تقوم على الخدع تحتاج الى اقناع المشاهد ان ما يشاهده هو الحقيقة، وتكشف النهاية الخدعة بتفاصيلها ويعتمد الكشف غالباً على ثغرات متعمدة موجودة بالحبكة الرئيسية لا تبدو قيمتها كبيرة أثناء مشاهدة الفيلم، لكن أهميتها تزداد مع الكشف عن الخدعة، وفى "ابن القنصل" نحن أمام قصة نصاب يخرج من السجن بعد قضاء مجموعة أحكام تصل الى أكثر من 30 عاماً، ويفاجىء بشاب ملتحى يطارده ويؤكد له انه ابنه الذى أنجبه من احدى الراقصات قبل دخوله الى السجن، ونتتبع محاولات الابن اقناع الأب المتشكك بطبعه بانه ابنه، وفى النهاية يوافق الابن على ادعاء الشاب لانه لا يجد لنفسه مأوى سوى منزل هذا الابن الملتحى عضو تنظيم دينى متطرف، تسير أحداث الفيلم بشكل كوميدى طريف، العلاقة متناقضة بين الأب النصاب محب النساء والابن المتدين المتشدد الذى يسعى لتقويم سلوك والده، وحينما تدخل فتاة الليل كضلع ثالث فى هذه العلاقة تزداد التناقضتات الكوميدية وبالتالى الضحكات من حقيقة علاقتها بالأب ومحاولاته المستمرة للانفراد بها من خلف ظهر الابن المتشدد. فكرة النصب على النصاب من أكثر الأفكار التى تتيح لكاتب السيناريو مساحات للاثارة والتشويق، وهى مساحات لم يركز عليها سيناريو "أيمن بهجت قمر" الذى ركز أكثر على المواقف الكوميدية التى نجح فيها. قصة الفيلم تحيل المتفرج الى الفيلم الأمريكى Matchstick Men لنيكولاس كيج والذى تتشابه فكرته العامة مع الفيلم حيث يروى الفيلم الأجنبى حكاية بطلين يمارسان النصب وأحدهما يقرر الاعتزال وتظهر له فجأة فتاة تدعى انها ابنته، وبالاشتراك مع صديق البطل تقوم الفتاة بالاستيلاء على أمواله، لكن سيناريو "ابن القنصل" حاول تمصير كثير من تفاصيل الأحداث والاجتهاد فى تغيير ملامح الحبكة حتى يصدق المشاهد الأحداث، وساهم المخرج "عمرو عرفة" ومدير التصوير "محسن أحمد" فى منح الفيلم شكل خاص باظهار ملامح جمالية خاصة من مدينة الاسكندرية حيث تدور الأحداث، وعوضت هذه المشاهد قليلاً فتور أجزاء كثيرة من الفيلم تدور فى غرف مغلقة، ولم يكن يعيب الفيلم سوى ذلك البطء والترهل فى منتصف الفيلم، وقبل الكشف عن حقيقة شخصيات الفيلم.