علي صفحة الفيس بوك وجدت دعوة الصديق الدمث والمثقف الدكتور مصطفي النجار كي أذهب معهم يوم الجمعة إلي نجع حمادي لتقديم واجب العزاء لأسر ضحايا مذبحة عيد الميلاد الذين تم قتلهم وهم خارجين من الصلاة مع مجموعة من شباب حزب الجبهة الديمقراطية وحزب الوفد وشباب النشطاء والمدونين الذين أعرف معظمهم. اعتذرت لانشغالي بطلابي الذين يتواصلون معي بكثافة قبل امتحاناتهم، وفي الصباح بدأت الرسائل تصل علي المحمول بالقبض علي المجموعة، فور وصولها محطة نجع حمادي في الساعة الثامنة من صباح الجمعة وتم اعتقال 30 شابًا وفتاة مثل الورد من حزب الغد وحزب الجبهة وشباب المدونين بمجرد وصول قطارهم محطة نجع حمادي، كل جريمتهم أنهم فكروا وقرروا التضامن الشعبي وأداء واجب العزاء في ضحايا مذبحة عيد الميلاد وتم إعلام أسر الضحايا بذلك، فقد قامت السلطات الأمنية بنشر عدد من أفراد الشرطة السرية علي محطة سكك حديد نجع حمادي وفوجيء «أحمد فتحي» و«وبولا عبده» وهما من شباب قنا أثناء انتظارهما لزملائهم علي محطة نجع حمادي بقيام أفراد من الأجهزة الأمنية بإلقاء القبض علي جميع القافلة ونقلهم بسيارة الترحيلات إلي مديرية أمن قنا بعد الاستيلاء علي بطاقاتهم وتليفوناتهم المحمولة للتحقيق معهم في سبب زيارتهم نجع حمادي التي تزامنت مع زيارة الأمام الأكبر الشيخ محمد سيد طنطاوي والدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف والتي شهدت إجراءات أمنية مكثفة. تابعت بقلق مع الأصدقاء من المحامين ومع نشطاء الصعيد والزملاء في جمعيات حقوق الإنسان الذين أعرفهم ما كان يتم من اتصال السلطات بمحافظة قنا والتي قدمت وعودًا وهمية منذ الصباح بعد تحرك الكثير من الجهات الحزبية والشعبية والرموز الفكرية بأنها ستقوم بالإفراج عنهم ليغادروا بقطار المساء (دون تقديم العواء) ثم بدأ كلام عن نقلهم بسيارة الترحيلات إلي القاهرة، وإجمالاً لم يتم الإفصاح عن موعد إطلاق سراحهم، وحصل أحد الأصدقاء علي رقم هاتف موبايل المحافظ فبدأنا في إرسال رسائل احتجاج مهذبة تبدأ بتحية «معالي المحافظ»، وفي المساء فوجئت بخبر إحالة المجموعة إلي نيابة قنا للعرض علي 8 وكلاء نيابة بعد عمل محضر وجهت فيه التهم التالية: التجمهر بالصياح لإثارة الفتن، والاشتراك بغرض التأثير في السلطات العامة في أداء عملها وبغرض تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح والانضمام إلي جماعة الغرض منها الدعوة إلي تعطيل القوانين ومنع إحدي السلطات العامة من ممارسة عملها والإضرار بالوحدة الوطنية وكان ذلك بالترويج بالقول. العديد من المنظمات الحقوقية والقوي السياسية تقدمت ببلاغ للنائب العام أمس السبت، وتضامنت في وقفة احتجاجية بنفس التوقيت أمام مكتب النائب العام. جلست أكتب هذا المقال وأنا أفكر في فلسفة الأمن والإطار الأخلاقي والفكري - ناهيك عن السياسي - الذي يحكم العقل الأمني في هذا البلد. وهي المعضلة نفسها التي واجهتني حين كتبت عن مشاهدتي لما تم من سحل لمجموعة صغيرة من المتظاهرين الأجانب منذ أسبوعين تضامناً مع غزة في ميدان التحرير، وخبرتي في الشارع في السنوات الماضية بالمشاركة في مظاهرات دعم القضاة والاحتجاج علي حال السجون والاحتجاج علي التحرش بالصحفيات 2005 وغيرها من مناسبات لممارسة واجبات المواطنة. ما الذي سيحدث في الدنيا لو أنه بدلاً من أن يقوم الخمسة آلاف عسكري وضابط وعميد وعقيد ولواء ومخبر وفرق كاراتيه بإهانة الناس وسحلهم أن يكونوا لهم كظلهم، يصحبوهم ويؤمنوهم؟! المتظاهرون يتم عمل كردون حولهم لعدة ساعات حتي تفرض عليهم الحاجة البيولوجية الانصراف جوعًا وعطشًا أو تعبًا أو لقضاء الحاجة، وخلاص! وماذا سيحدث لو مع كل واحد من النشطاء ذهب ضابط شرطة لتأمين الموقف ودعمت الداخلية هذه المبادرة الشريفة الكريمة ودعوة لطيفة من المحافظ علي خمسة كيلو كباب، وتوصيل للمحطة ومع السلامة. ما الذي سيحدث؟ هل ستحدث ثورة أو يتم التخطيط لانقلاب؟! يدير النظام اليوم الوطن ب «عقلية الكمين»..أنت متهم وستخضع للتفتيش، تفتيش جسدك أو ملكيتك أو عقلك، والنظام يتربص بك، في حركتك كي يتم إيقافك وتفتيشك (بحسب مستواك الاجتماعي والحي الذي تسكنه والسيارة التي تركبها - تفتيش مروري أو تفتيش أمني، ويتربص بك في الفكرة التي تعتنقها والحركة التي تقوم بها ليمارس القمع السياسي، وفي الشقة التي تشتريها ليمارس الجباية المالية، وفي كل الحالات سيتم شتمك، من أصغر مخبر يهينك لأكبر وزير يعد بأن يطلع دينك، لتيار كامل تم شتمه في لجان مجلس الشعب واتهامه بالوساخة لأنه طلب توضيح ما يجري علي الحدود. الفكرة ببساطة أنه في نظام الكمين أنت دومًا متهم ولست مواطنًا. وهذا هو الفارق بين الجمهورية.. ونظام الكمين.