تستطيع أن تعتبر وأنت مطمئن أن مصر كانت هي العنوان المميز والأكثر بريقاً لهذه الدورة من عمر مهرجان "الدوحة" في دورته الثانية التي انتهت قبل أسبوع.. كنت حاضراً في الدورة الأولى التي عقدت في العام الماضي وأيضاً كانت مصر لها حضورها من خلال نجومها وأفلامها.. كانت الدورة الأولى من مهرجان "الدوحة ترايبكا" أشبه ببروفة لإقامة مهرجان عربي وله مساحته العالمية وهو ما تم بالفعل في الدورة الثانية حيث ارتفع عدد الأفلام إلى51 فيلماً في الأيام الخمسة التي استغرقها المهرجان وبالطبع كان الطموح أكبر ولكن من الواضح أن إدارة المهرجان تتبع سياسة الخطوة خطوة وهكذا في هذه الدورة بدأت تتضح ملامح المسابقات وعدد من ورش العمل والحلقات الدراسية وكان أهمها تلك التي تناولت الكوميديا واختلافها من بلد إلى آخر من بين الذين رصدوا شهادتهم في هذا الشأن المخرج المصري الأصل الأمريكي الجنسية "أحمد أحمد" والذي عرض له في المهرجان فيلمه "زينا بالظبط" وهو فيلم تسجيلي يرصد من خلاله مشوار فرقته الكوميدية التي جابت العديد من دول العالم ومن بينها بعض الدول العربية مثل لبنان، السعودية، مصر وبالطبع كانت الرحلة إلى مصر هي الأكبر مساحة على الشريط السينمائي لأنه من خلالها بدأ في التعرف على جذوره المصرية والتقى بأهل الحي والجيران وأقاربه ليرسم صورة مصرية من خلال رؤية لرجل مصري الملامح والانتماء خفيف الظل كل ما فيه ينطق بمصريته ما عدا لغته لأنه لا يتحدث سوى فقط باللغة الإنجليزية ومفرداته العربية قليلة جداً لا تتجاوز سلامو عليكو.. عليكو السلام وذلك لأنه لم يعش أبداً في مصر.. أيضاً كان الهدف من خلال هذه الفرقة أن يرى العالم الوجه الحقيقي للعرب والمسلمين فهم بالتأكيد ليسوا هم الإرهابيين كما تصورهم بعض أجهزة الإعلام حيث أن المخرج رصد تلك المفارقة وهي أن الأمريكيين وبنسبة كبيرة لا يعرفون الفارق بين العربي والمسلم يعتقدون أن كل المسلمين هم عرب بالضرورة والعكس أيضاً صحيح.. أتصور أيضاً أن المخرج لو انتقل إلى أوروبا سوف يكتشف نفس المفارقة أن أغلبهم لا يعرف الفارق بين مسلم وعربي ورغم أن هذه قضية أساسية تناولها الفيلم إلا أن هدف المخرج الأكثر وضوحاً كان هو تأكيد جذوره المصرية.. الحضور المصري كنا ندركه بالطبع منذ إصدار كتالوج المهرجان ويتصدره "عادل إمام" وأيضاً هذا التكريم الخاص الذي حصل عليه "عادل إمام" من خلال تعبير "إنجاز العمر" الذي قالت إدارة المهرجان أنها تمنحه إلى "عادل إمام" صاحب مشوار 50 عاماً ورصيد متميز من العطاء الفني.. كرمته على المسرح ثلاث من الفنانات اللائي عملن معه "يسرا" 19 فيلماً و "لبلبة" 9 أفلام و "رجاء الجداوي" التي زاملته 19 عاماً على خشبة المسرح.. كنت أنتظر أن يتسلم جائزة إنجاز العمر مثلاً من "روبرت دي نيرو" الذي حضر للمهرجان باعتباره النسخة العربية من "ترايبكا" الأمريكي الذي يرأسه "دي نيرو" ولكن ولا أدري لماذا لم تدرك إدارة المهرجان أن الأوفق هو حصوله على تلك الجائزة من نجم عالمي له أيضاً علاقته الوطيدة بترايبكا بينما اكتفت إدارة المهرجان بأن قدمت له "يسرا" الجائزة؟! مصر كان لها حضورها المميز أيضاً منذ افتتاح المهرجان من خلال رئاسة لجنة التحكيم التي أسندت إلى "يسرا" وكان من بين أعضاءها الفنانة العالمية "سلمى حايك" المكسيكية الجنسية اللبنانية الأصل..وجاء التكريم الأكبر للسينما المصرية في نهاية أحداث المهرجان بتلك الجائزة التي حصلنا عليها وهي أفضل فيلم عربي التي حصدها "إبراهيم بطوط" بفيلمه "الحاوي" والجائزة مقدارها 100 ألف دولار.. الفيلم بالطبع يحتاج إلى مقال تفصيلي يستحقه ولا شك بكل ما يحمله من صدق فني مهما كان لي من ملاحظات.. الفيلم يقع في إطار ما تعارفنا أن نطلق عليه تعريف السينما المستقلة حيث لا نجوم في العادة تسند لهم البطولة بالإضافة إلى أن الفيلم يتم تصويره بكاميرا ديجيتال بميزانيات ضئيلة جداً.. أشار "بطوط" مثلاً إلى أن الفيلم لم تتجاوز تكاليف تصويره قبل التحويل إلى نسخة 35 مم والمونتاج النهائي 40 ألف جنيه مصري فقط إلا أن أهم ما في هذه النوعية من الأفلام ليس كل ما ذكرت آنفاً ليست الميزانية الضئيلة ولا عدم الاستعانة بالنجوم ولكن الأهم من كل ذلك أنها تعبر عن إرادة مخرجيها ولا تخضع أبداً لسطوة النجوم وهو ربما تستطيع أن تفسر من خلاله لماذا أصبحنا نادراً ما نحصل على جوائز في المهرجانات العربية وترفض أفلامنا في أغلب المهرجانات الكبرى لأن الشاشة السينمائية في العادة تؤكد أن إرادة المخرج غائبة.. بينما على الجانب الآخر نجد أن الفيلم المصري مثل "الحاوي" يحصل على جائزة "الدوحة" لأفضل فيلم عربي من بين عشرة أفلام كانت تتنافس معه وبعد 24 ساعة فقط من إعلانه هذه الجائزة يحصل "الميكروفون" على جائزة "قرطاج" التانيت الذهبي وهي المرة الثانية لنا طوال تاريخ "قرطاج" التي نحصل فيها على جائزته الكبرى الأولى كانت عام 72 عن مجمل أعمال "يوسف شاهين".. كما أن المخرج المصري الكبير "توفيق صالح" حصل على تلك الجائزة عن فيلمه السوري "المخدوعون" أي أن جائزة "توفي صالح" تحسب لرصيد السينما السورية!! سبق لكل من "عبد الله" و"بطوط" أن حصدا أكثر من جائزة عن أول أفلامهما "عين شمس" بطوط و"هليوبوليس" عبد الله.. ويبدو أن هذا هو الأمل المرتقب للسينما المصرية لكي تحصل على جوائز وهي ضرورة أن تعبر الأفلام عن أفكار مخرجيها وليس عن شطحات نجومها.. ويبقى أن للسينما المصرية عرسان وليس عرساً واحداً الثاني كان "قرطاج" أيضاً الذي لم أستطع أن ألبي دعوته لتواجدي في نفس الوقت في "الدوحة" التي شهدت العرس الأكبر للسينما المصرية ونجوم السينما المصرية!!