لست ممن يشاركون عادة في المظاهرات والاعتصامات الاحتجاجات شأني مثل أغلب المصريين ولكن في عام 1998 ذهبت لأول مرة إلى مقر جريدة "الدستور" متضامناً مع الجريدة عندما قررت الدولة إغلاقها.. لم أكن أكتب وقتها في "الدستور" بل ولم يطلب مني حتى رئيس التحرير "إبراهيم عيسى" أن أكتب على صفحاتها ولكني كنت متابعاً نهماً للدستور التي أحدثت نقلة نوعية في الصحافة المصرية فهي تجربة متفردة في الفن الصحفي بالتوازي مع كونها وضعت حجر الأساس في الصحافة الخاصة التي دأبنا على أن نصفها بالمستقلة. تستطيع أن تدرك ببساطة تفرد صفحات "الدستور" في الإصدار الأول 95 على مستوى الصياغة الصحفية والإخراج وتتابع الموضوعات.. قلت ولا أزال أن مجرد وصف "الدستور" بالجرأة السياسية يظلمها كثيراً فهي قد أحدثت قفزة في الفن الصحفي والدليل أن أغلب الإصدارات التي ولدت بعد "الدستور" ولدت وفيها شيء من "الدستور".. ربما كان وصف الجرأة لتجربة "الدستور" بمعناها الفكري وليس فقط السياسي هي الأوفق في التعبير. ذهبت إلى مقر الجريدة القديم عام 98 لكي أقول أنني متضامن مع حرية الصحافة وبحق "الدستور" في التعبير.. كنت أريد أن أهنئ صناع الجريدة كلهم وليس فقط رئيس التحرير على نجاح "الدستور" ولكن اختلطت وقتها كلمات التهنئة بإصدار "الدستور" للعام الثالث بكلمات العزاء لاغتيال "الدستور" في العام الثالث.. عادت "الدستور" بعد غياب 7 سنوات كإصدار أسبوعي مرة أخرى ولم أنضم للتجربة وأيضاً لم يُطلب مني رئيس التحرير المشاركة وظللت سعيداً باستمرار هذا الخط الفكري الذي تنتهجه الجريدة ثم صارت "الدستور" جريدة يومية وطلب مني رئيس التحرير أن أكتب مرة كل يوم اثنين ثم لم يمض بضعة أشهر ليصبح باب "أنا والنجوم" يومي ثم اتفق معي أن أكتب بالإضافة إلى الباب اليومي "بورتريه" صفحة كاملة في العدد الأسبوعي.. حوالي ثلاث سنوات صرت بعدها كائن يومي بعد أن ظللت حوالي ربع قرن كائن أسبوعي أمارس الصحافة في مجلة "روز اليوسف".. الصحفي اليومي "جيناته" الصحفية مختلفة كل شيء يمر أمامه يحاول أن يحيله إلى فكرة لمقال أو لخبر يظل في حالة يقظة دائماً في الشارع في الطائرة أثناء قراءة الجرائد أو تصفح المواقع الإلكترونية دائماً ما ترى أفكاراً صغيرة تنمو أمامك.. الكتابة اليومية تتحول إلى حالة من التنفس لا تستطيع أن تستغني عن الأكسجين بنفس القدر الذي لا تستطيع أن تستغني عن اللقاء اليومي مع القراء. عندما علمت بقرار إقالة "إبراهيم عيسى" شعرت بأنني أنا الذي اختنق كنت قد أعددت مقالات تنشر تباعاً حتى يوم الجمعة قبل الماضي وذلك لأنني أشعر أن المقال مثل الدين يجب أن تسدده أول بأول وأخشى دائماً من ملاحقة سكرتارية التحرير لهذا أسبق الكتابة بيومين قبل النشر إلا أنه في كثير من الأحيان يأتي حدث عاجل أتابعه بمقال وأرجئ المقال المعد للنشر ثم توقف كل شيء بعد قرار إيقاف رئيس التحرير.. كثيرين تعاطفوا مع "إبراهيم عيسى" بعضهم تربطهم به صداقة قديمة وبعضهم كان هو أول من استشعر بداخلهم بذرة الموهبة ولهذا فتح لهم الصفحات وصاروا نجوماً على بلاط صاحبة الجلالة.. كل هؤلاء بالتأكيد لا يدافعوا عن "إبراهيم" فقط كإنسان ولكن عن القضية التي يمثلها إلا أن بداخلهم بالتأكيد دافع إنساني يؤجج مشاعرهم.. بالنسبة لي برغم أننا تزاملنا في "روز اليوسف" في بدايات "إبراهيم عام 87 وكنت أسبقه زمنياً بعشر سنوات كنت معجباً بما يكتبه ولكننا لم نلتق أبداً كأصدقاء دوائرنا على مستوى الصداقة متباعدة لم تتلاقى ولا حتى على مقهى شعبي.. إلا أنني ظللت دائماً أتابع بإعجاب ما يكتبه ثم انتقل الإعجاب من الكتابة إلى الكاتب في ممارسته للمهنة.. وظل إبراهيم لا يكتب فقط ولكن يكتشف وهكذا أصبح معرضاً لكي يستولي الآخرون على بعض أفكاره ويستحوذون على عدد من الكتاب ورسامي الكاريكاتير الذين لمعوا على صفحات "الدستور" ولكن لم تتوقف "الدستور" عن تقديم الموهوبين الجدد لأن "إبراهيم" لديه تلك العين القادرة على التقاط أي بذرة قادمة وإنماءها وتشجيعها. لماذا أكتب في جريدة دون أخرى؟ لأنني ينبغي أن أثق في رئيس التحرير مهنياً وفكرياً وأخلاقياً وقبل ذلك أثق في توجه الجريدة فهي لا تمالق الدولة وليس لها مصلحة مع أحد ولهذا عندما ذهبت يوم الثلاثاء الماضي إلى دار "الدستور" للمشاركة في الاعتصام كنت أعتصم من أجل قلمي وعندما ذهبت يوم الخميس إلى نقابة الصحفيين كنت أعتصم من أجل حريتي وعندما توقفت عن كتابة الباب في الإصدار الحالي للدستور ذلك لأنني أحترم قلمي وعندما ذهبت أمس للاعتصام في مقر "الدستور" كنت أدافع بالدرجة الأولى عن مهنتي.. أتمنى ألا يحاول أحد أن يختصر القضية في شخص ولكن من ضحى في لحظة برئيس التحرير ثم يتحدث عن الحرية التي تطول للسماء يصبح بائعا للكلام لأنه قبلها ببضعة أيام كان يؤكد أنه لا مساس بالحرية ولا بالسياسة التي تتبعها الجريدة من الممكن في لحظة أخرى أن يضحي بأي كاتب في الجريدة وهو يردد في نفس الوقت لا مساس بالحرية.. نعم أغلب كتاباتي بعيدة عن تلك المنطقة الملغومة وهي السياسة ولكن في نهاية الأمر هناك خط سياسي ربما يعلن عن نفسه بأسلوب مباشر أو غير مباشر في عدد من المقالات ومن الممكن في لحظة الإطاحة به وبكاتب هذه السطور.. ولهذا من أجل حماية كلمتي قررت أن أتضامن مع نفسي!!