كنت في إجازة من الكتابة عندما سمعت عن حكاية شراء رجل الأعمال السيد البدوي لصحيفة الدستور و من ثم لم يتسن لي أن أقول رأيي في الموضوع، و لم أر داعياً لقطع الإجازة و إرسال مقال خصيصاً لهذا الغرض، فضلاً عن أنني أحسست أن مقالاً كهذا قد يسبب حرجاً لإبراهيم عيسي مع الملاك الجدد رغم تأكدي من أنه كان سينشره!. لهذا آثرت أن أنتظر و أترقب فصول التمثيلية التي كنت أري كل مشاهدها ماثلة أمامي. كان السؤال الذي تداولته مع كل أصدقائي هو: ما هو المدي الذي سينتظروه قبل أن يقوموا بإقالة إبراهيم عيسي؟. البعض قال سنة و البعض الآخر قال ستة شهور. في هذه الأثناء كانت ترد إلي رسائل علي البريد و علي الفيس بوك من القراء تسألني في انزعاج: هل ستستمر في الكتابة بالدستور في وجود الملاك الجدد؟. و كنت أرد بأنني لم أشغل بالي في السابق أبداً بأسماء مُلاك الصحف و قد وطنت نفسي منذ بدأت حالة الكتابة المنتظمة أن أتمثل قول الشاعر بشار بن برد: إذا أنت لم تشرب مراراً علي القذي...ظمئت و أي الناس تصفو مشاربه!. لهذا كان كل ما أشترطه في الصحيفة التي أكتب بها هو حسن السير و السلوك و عدم وجود مشاكل تحريرية من اختصاص بوليس الآداب تتعلق بأعمال القوادة و تسهيل الرذيلة و خلافه!. و كان يكفيني وجود إبراهيم عيسي كصمام أمان يحمي ما أكتبه و ينشره كما هو الأمر الذي سمح لي بأن أكتب كل ما خطر علي بالي و مكنني من أن أطحن الكثير من الشخصيات الفالصو الذين كان البعض يشيع بأن ابراهيم عيسي يعمل معهم و بالتالي لن يقبل أن يتركني أنتقدهم و أهاجمهم في صحيفته. أثبت لي ابراهيم أنه رجل حقيقي و لهذا كنت أكتب ببلاش دون أن أتقاضي أجر و أنا في غاية السعادة!. ثم وصلتني دعوة للسحور أقامها الملاك الجدد تجمع السادة الكتاب و الصحفيين بالدستور في قاعة فاخرة بفندق فور سيزونز. كنت قبل وقت قليل قد انتقدت الدكتور السيد البدوي في أحد مقالاتي و نبهت القراء إلي خشيتي من أن يكون حزب الوفد هو الوريث لبعض مقاعد الإخوان في الانتخابات المزورة القادمة بناء علي تصريح أطلقه البدوي و أعلن فيه أن حزبه سيحصل علي 20 مقعداً في الانتخابات القادمة..و تساءلت في مقالي كيف عرف البدوي عدد مقاعده في انتخابات هو يعلم أنها ستزور حتماً؟ هل جلس مع المزورين و شاف النتيجة في الكونترول؟. و من الغريب أن هذا المقال بالذات كان به خطأ مطبعي جعلني أطلب إعادة نشره مرة ثانية فتم نشره مرتين. و الذي لم أكن أعرفه و اتضح لي بعد ذلك أن هذا المقال تزامن نشره مع المفاوضات التي كانت جارية لشراء الدستور، و مع هذا نشره إبراهيم عيسي مرتين..فيالروعة هذا الرجل!.بالمناسبة اسم المقال "صدقة يمنحها لص" لمن أراد أن يقرأه علي النت. لهذا فقد فوجئت ليلة السحورعندما أقبل عليّ الدكتور البدوي مصافحاً و محيياً برغم ما كتبته عنه و قلت لنفسي:هذا الرجل إما إنه كبير النفس جداً و يقدر الإختلاف في الرأي أو إنه داهية أريب ! . بعد أن جلسنا و أخذنا أماكننا حول الموائد و بعد أن ألقي ابراهيم عيسي كلمة مرتجلة تحمل الكثير من الأمل صعد إلي المنصة شخص لا أعرفه و أمسك بالميكروفون في سعادة ظاهرة. سألت الصديق الجالس إلي يساري: من هذا؟.فقال: هذا مجدي إدوارد شريك السيد البدوي في ملكية الدستور. بعد أن بدأ الرجل يتكلم أدركت أن الدكتور السيد البدوي رجل داهية و لا يفترق عن حكامنا الذين يأتون لنا بوزراء و مساعدين من نوعية فلان و علان و ذلك حتي نعرف قيمتهم و نبايعهم مدي الحياة بعد أن نري مستوي مساعديهم!. تحدث الأخ حديثاً ركيكاً لا ترابط فيه و لا فكر و لا مقدرة لغوية عن أشياء بدت لي عجيبة..فالأخ يعرض لنا أفكاره و فلسفته في الحياة و رؤاه السياسية و كلها أبعد ما تكون عن خط الدستور بل إنها تتصادم بكل قوة مع الجريدة التي يزعمون أنهم اشتروها للحفاظ عليها و تطويرها.عدت أسأل الأصدقاء: قلتوا لي مين ده؟. فأجابني أحدهم: هذا عادل إدوارد الذي سيوضع إسمه علي صدر الجريدة!. استمر الرجل يتكلم حتي ظننت أن هذه الليلة لن تنقضي قبل أن تكون روحي قد أزهقت..لم أكن وحدي الذي أصابه الملل، لكن كل من بالقاعة بدأوا يتأففون استعجالاً لأن ينهي كلمته حتي يتركنا نأكل اللقمة و نروّح. و يبدو أنه أحس بموقف الحاضرين فقرر أن يعاقبهم و استمر متحدياً أولئك الذين بدأوا يرفسون في الأرض من السأم و الإعياء.. بدأت الهمهمات بأن الرجل يتكلم بفلوسه و أنه لولا هذه الفلوس ما أمكن له أن يقترب من المنصة و يلقي علي أسماعنا أفكاره الألمعية. و هنا تصرف كل من بالقاعة علي نحو واحد دون اتفاق. أعطي الجميع ظهورهم للمنصة و بدأوا أحاديث إجتماعية مبرهنين علي أن فلوس هذا الرجل لن تجلب له وسط هذا الجمع مستمعاً واحداً له قيمة!. و عندها فوجيء الجميع بالرجل يتشنج و يعلو صوته قائلاً: ما ينفعش كدة..عندما أتكلم لازم تسمعوني..إذا لم تسكتوا و تستمعوا فسوف أنزل!. علا صوت من مائدة قريبة: مين الراجل ده يا جماعة؟. فأجابه واحد ابن حلال: هذا منير إدوارد و هو جاي مع السيد البدوي و سوف يعمل علي تطبيق أفكاره التي سمعتموها الآن في الصحيفة!. علي أي الأحوال فرح الجميع عندما غضب إدوارد متصورين أنهم نجحوا في إسكاته.. لكن علي مين؟..ابتلع الرجل غضبه و ظل يتحدث لمدة أربعين دقيقة حتي أنني أحسست بجلدي و قد بدأ ينشع زيت!. خرجت و ذهبت للحمام ثم عدت و الأ خ ما زال يحكي..خرجت ثانية و شربت شاي في الردهة و رجعت و الأستاذ عاطف ادوارد ما زال يضرب في العجين. لكن الناس كانت قد نسيت وجوده و انصرف الجميع للأكل و الشرب و الدعابة حتي أن أحداً لم ينتبه بعد أن ترك المايك و نزل من علي المنصة!. لست ألوم هذا الرجل علي أي شيء..فقد كانت حالته واضحة تماماً تلك الليلة و أعتقد أن من يلومه يخسر لأنه يستطيع بسهولة أن يبرر موقفه و يقول: أنا عبد المأمور.. يقولوا لي ادبح يا زكي إدوارد..يدبح زكي إدوارد. بيع يا زكي إدوارد..يبيع زكي إدوارد. إهرب يا زكي إدوارد..يهرب زكي إدوارد. لكني مع هذا لا أعتقد أن زكي إدوارد و معلمه الداهية يستطيعان الهروب مما اقترفت يداهما!.