ماذا لو لم يكن الدكتور محمد سليم العوا رئيسًا لجمعية اسمها «مصر للثقافة والحوار»؟ ماذا لو كان رئيسا لمنظمة ضد الحوار وضد الثقافة؟ هل كان سيدلي بما هو أخطر من حديثه إلي الإعلامي أحمد منصور علي شاشة الجزيرة؟ لو كان الدكتور العوا زعيما لجماعة متطرفة هل كان سيقول ما هو أخطر من أن المسيحيين يخزنون الأسلحة وأن الأديرة مليئة بالسلاح؟ قال الدكتور العوا ذلك وقال غيره مما لا يقل خطورة ليحقق نصرا جديدا لمن يشككون في وجود مسلمين معتدلين مستنيرين، ويؤكد المزاعم التي تحاول أن تنفي وجود الإسلام المعتدل المسالم الحضاري والمدني، فليس مستغربا إذن علي جبهة علماء الأزهر، وهي لم تزعم يومًا أنها جبهة متسامحة أو منفتحة، أن تصدر بيانًا تطالب فيه بمقاطعة مصالح المسيحيين في مصر، بل ليس غريبا أن هذه الدعوة التي لا تصدق، تجد من يصدقها ويدعو لها ويؤيدها علي شبكة الإنترنت، وبدلا من أن تصبح قضية «كاميليا شحاتة» ومثيلاتها مناسبة للعقلاء كي يحددوا حجم الداء ومدي خطورة المرض الطائفي، إذا بمثل تلك الاحتقانات تصبح مناسبة كي يصطف أبناء كل طائفة بمعتدليها ومتطرفيها إلي جانب الخط الذي يحدده أقصي متشدد في كل جانب، يختفي - في لحظة - حديث التسامح والحوار والتآلف والنقاش ليظهر ما في القلوب من رفض وكراهية وتحذير من أخطار بعضها حقيقي وبعضها متخيل والكثير منها مغلوط بالقصد والنية. لا شك في أن الاحتقانات الطائفية في مصر نهاية مؤسفة لحلم الدولة الحديثة الذي بدأ قبل 200 عام مع محمد علي باشا، ظلت مصر بدستورها ومؤسساتها ورأيها العام مرتفعة فوق الطوائف والمذاهب في وسط بحر احتقان طائفي عربي. كانت حروب المذاهب تستعر في العالم العربي فيهرب مفكرو وكتاب وسياسيو وزعماء الشام والمغرب العربي بل والحجاز إلي مصر حيث القاهرة المدنية المنفتحة رغم كل شيء، إذا كان حال القاهرة اليوم يدور في مأساة كاميليا فليس مستغربا أن يسوء أكثر وأكثر حال عالم عربي معظمه لم يغادر ثقافة العائلة والمذهب والطائفة في أي لحظة، حتي إن الكويت التي نعمت دائمًا باستقرار اجتماعي قبل السياسي، وكانت لسنوات طويلة منارة للثقافة العربية وملجأ آمنا للمثقفين ومصدرا للدوريات الثقافية عالية التكلفة منخفضة السعر، ها هي اليوم تصدر قراراً هو الأعجب، تمنع فيه تجمعات الناس في الشوارع، لأن نائبا شيعيا متطرفا اتخذ مواقف مستفزة ضد الشعور الديني للأغلبية السنية، فإذا بالحكومة - التي تصرفت بمنهج عربي تقليدي - تقرر أن تلجأ لما يشبه قانون الطوارئ بمنع التجول في جماعات، هو الحل الأسهل رغم تكلفته، فالحلول الأخري تتطلب توفير مجتمع منفتح حر يطرد بانفتاحه الصحي الأفكار المتطرفة ويدفعها إلي الهامش، لكن أين الكويت من ذلك وهو البلد الذي اعتاد معرضه الدولي للكتاب في السنوات الأخيرة منع العديد من عناوين الكتب الواردة إليه من الدخول، يزداد عدد الكتب الممنوعة من عام لآخر، ويزداد معه عدد الزوار الممنوعين من الدخول، وكان من هؤلاء الراحل نصر حامد أبوزيد. بالتوازي مع كل ذلك، في هذه الأيام السعيدة، تتصاعد النبرة الطائفية في لبنان الذي يتحدث طوال تاريخه لغة حروفها المذهب والعائلة والملة والمنطقة.. يبدأ الخلاف كالعادة سياسيا عندما يتضامن حزب الله مع اللواء جميل السيد الذي شن هجوما عنيفا علي زعيم الأكثرية سعد الحريري، فترد الأكثرية عبر اتهام حزب الله بأنه يدعم جميل السيد لا ضد «سعد» رئيس الوزراء، بل ضد سعد «زعيم السنة»، هكذا - ولأنها الطريق الأسهل- يعاد توجيه القضية طائفيا علي الرغم من كونها سياسية وأمنية بامتياز، لكن مفردات المجتمع والقانون والدولة المدنية مازالت غريبة علي وعي العالم العربي، الذي لا يصدق من القانون سوي قانون المذهب والطائفة والعادات والعائلات والمحافظات أحيانًا! عالم عربي يندر فيه وجود سياسيين حقيقيين، لكن يوجد فيه عدد لا يحصي من أمراء الطوائف. لماذا عاقبت الكويت شعبها بسبب تطرف نائب مقيم في المهجر؟ تتراوح التقديرات الرسمية وشبه الرسمية لحجم الطائفة الشيعية في الكويت في حدود 30 في المائة من إجمالي عدد السكان، يرتفع هذا الرقم في حدود عشرة في المائة إضافية في بعض التقديرات وحسب اعتقاد بعض أبناء الطائفة الشيعية نفسها، وسواء كان هذا الادعاء بالزيادة صحيحاً أو مبالغاً فيه فإن الشيعة يمثلون نسبة لا تقل عن ثلث سكان الكويت التي تحكمها عائلة وحكومة سنية، لكن الشيعة من أهل البلاد ممثلون بعدد من النواب في البرلمان الكويتي القوي والمشاكس، وتنقل تقارير دولية وقائع تمييز ضد الشيعة الكويتيين تتراوح بين عدم الترقي في بعض الوظائف وبين التباطؤ في الموافقة علي تراخيص مساجد وحسينيات شيعية، فضلاً عن منع بعض المسيرات الشيعية والطقوس الدينية العلنية. ما سبق يوضح أن ثمة ثنائية مذهبية سنية شيعية في الكويت، وإن هذه الثنائية تميل عددياً وسلطوياً لصالح السنة، ومع ذلك فإن الشيعة موجودون بوضوح في المشهد السياسي بحكم عددهم ونسبتهم وقبائلهم، لذا، ومع الاحتقانات المذهبية التي ضربت العالم العربي لم تكن الكويت استثناء وإن ظلت أكثر استقراراً من غيرها علي هذا الصعيد، ولهذا فإن قرار الحكومة الكويتية منع «أي موكب أو تظاهرة أو تجمع في الشوارع والميادين العامة والتي يزيد عدد المشاركين فيها علي عشرين شخصاً»، لم يصدر إلا علي خلفية توتر مذهبي أثاره نائب شيعي يوصف بأنه متطرف، وهو وصف يمكن تفهمه عند معرفة أن أحد أواخر تصرفات هذا النائب «ياسر عبد الله حبيب» كان إقامة احتفال «بهيج» في ذكري وفاة السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وفضلا عن كون تصرف النائب مدانًا في حد ذاته فإنه يمثل ولاشك استفزازاً كبيراً للطائفة السنية بل لأي إنسان عاقل. إلي هنا يمكن فهم لماذا حوكم النائب ذاته من قبل في العام 2003 فأدين بتهم لم تقتصر علي الإساءة إلي الأديان وإنما كذلك تضمنت «إثارة الكراهية بين فئات المجتمع»، حكم علي النائب آنذاك بالسجن لعشر سنوات لكنه لم يقض بين جدرانه أكثر من شهر وحيد ثم أفرج عنه ليسافر خارج البلاد وينتهي به الحال لاجئاً في بريطانيا. ربما من المهم تكرار المعلومة الأخيرة «النائب المتطرف هو مقيم بالفعل في بريطانيا» أي أنه غادر الكويت بلا رجعة منذ سنوات، وبما أنه الآن أصبح بعيدًا عن الحدود وعن سيطرة الحكومة الكويتية، فقد قررت الحكومة لا أن تعاقب النائب، بل أن تعاقب الشعب، فأصدرت عبر وزارة الداخلية قرارها بمنع التجمعات والمسيرات والتظاهرات وكل نشاط بشري يجتمع فيه أكثر من عشرين شخصاً، وذلك خوفًا من وقوع احتجاجات أو شغب ضد تصرف النائب الذي تدرس الحكومة الآن - بناء علي طلب من نواب برلمانيين سنة - أن تسحب منه الجنسية الكويتية، علمًا بأن نواباً آخرين - من الشيعة طبعاً - رفضوا هذه الخطوة وطالبوا في حال تطبيقها أن تنفذ بالمثل في حق شخصيات سنية كويتية. هكذا يفرغ مضمون كلمات مثل البرلمان والنائب والحكومة والقانون بتحويلها جميعًا إلي وقود في معركة طائفية لا تنتمي إلي عالم الدولة المدنية، وتستخدم وسائل الحظر والمنع وسحب الجنسية لإطفاء مشكلة ذهنية في أساسها، ليس غريباً فقد احتفل الكثير في الكويت - وخارجها - عندما لم تفز أي امرأة في أول انتخابات كويتية تمنح المرأة حقها السياسي، المؤسف أن المرأة لم تدخل البرلمان إلا بعد حل المجلس والدعوة إلي انتخابات جديدة، ما يضعنا أمام الحقيقة المرة في العالم العربي، ألا وهي أن الأنظمة أحيانًا ما تكون أكثر تقدماً من المعارضة، ولو بهدف التجمل. سعد الحريري.. رئيس الحكومة أم زعيم السنة؟ من الغريب أن سعد الحريري - أقل رؤساء وزراء لبنان حضورا وكاريزما وقدرات - هو أول من يطرح نفسه زعيما موحدا للسنة في لبنان . وقد يكون الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله من أكثر الشخصيات شعبية في الشرق الأوسط ضمن قائمة تضم أسماء أخري قليلة، لكن لا نصر الله ولا أتباعه ولا أي محلل سياسي يمكن أن يصف نصر الله بأنه "زعيم شيعة لبنان"، ليس فقط لأن هناك أطيافا سياسية شيعية وأفراد شيعة لا ينتمون للمعارضة اللبنانية التي تتمركز فيها قوي الشيعة الرئيسية بالإضافة لفصيل مسيحي كبير هو التيار الوطني الحر، لكن نصر الله لا يعد "زعيم الشيعة" لأن هناك قوة أخري رئيسية هي حركة أمل التي تمثل الأصل الذي تفرع منه حزب الله بدءا من منتصف الثمانينيات، يتزعم حركة أمل نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني، وتضم قواعد أمل نسبة لا يستهان بها من حجم الشيعة في لبنان خاصة الجنوبيين، لا ينطبق ما سبق علي الشيعة فقط، فالمسيحيون موزعون تاريخيا ضمن معسكرات، واليوم يقبع أحد أهم زعمائهم "ميشيل عون" ضمن المعارضة، بينما يمثل الآخرون مثل أمين الجميل "حزب الكتائب" وسمير جعجع"القوات اللبنانية" أرقاما أساسية ضمن الأكثرية التي يقودها تيار المستقبل، فقط استطاع وليد جنبلاط أن يتزعم الدروز دون كثير منافسة اللهم إلا من وئام وهاب ومروان حمادة علي مستويات معينة ومنخفضة، لكن جنبلاط استطاع علي المدي الطويل إقناع الدروز بأنه أفضل من يحمي - بتقلباته وتنقلاته - طائفتهم الصغيرة التي لا تتجاوز 5 بالمئة من تعداد لبنان.مما سبق يبدو واضحا أنه مع استثناء واحد تقريبا في الحالة الدرزية لا يمكن اعتبار أي سياسي لبناني مهما بلغت سطوته «زعيما» لطائفة معينة، بسبب تعقد تاريخ وسياسية وجغرافيا هذا البلد، ينطبق هذا الأمر بطبيعة الحال علي الطائفة السنية، إذ تبدو عائلات مثل: بيت الحص وكرامي والصلح وغيرها شبه متساوية في اقتسامها النفوذ - تاريخيا - في الوسط السني اللبناني، وهو وسط تناوبت مصر والسعودية علي النفوذ الأساسي فيه، بل إن عدم وجود زعامة سنية قوية جعل من السنة اللبنانيين المسالمين الوحيدين تقريبا أثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي لم يشاركوا في القتال الذي دار خلالها معتبرين أن الفلسطينيين وهم سنة يمثلوون سنة لبنان في الحرب الدائرة!. لكن ذلك كله قد أصبح تاريخا مضي، إذ مع بداية التسعينيات صعد نجم رفيق الحريري الذي لم يتحدر عن عائلة كبيرة، لكنه صعد اقتصاديا ثم سياسيا مدعوما من السعودية بالدرجة الأولي، وبالتدريج مع تشكيله الوزارات المتعاقبة ودوره في إعادة إعمار بيروت أصبح هناك ما يسمي «بيت الحريري»، واحتل قصره الكبير في قلب بيروت مكانه ضمن قصور الحكم في لبنان، وهو القصر الذي ورث مكانته فيه الآن نجله الأصغر «سعد» بعدما كان شقيقه بهاء هو المرشح لهذا الدور قبل أن يتبادلا الأدوار فيتجه بهاء لمتابعة النشاط المالي بينما يتفرغ سعد للسياسة، وبعد ابتعاد سليم الحص وسقوط وزارة عمر كراي والتطورات اللبنانية منذ اغتيال الحريري الأب والمواجهة السياسية الكبيرة بين معسكري الأكثرية والمعارضة والتي انتهت في الانتخابات النيابية الأخيرة إلي فوز الأكثرية بزعامة تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري، أصبح "الشيخ سعد" هو الطامح إلي صورة حامي السنة في لبنان والمتحدث باسمهم، صورة تحققت إلي حد كبير بعد ابتعاد من لا قدرة لهم علي منافسة نفوذه المالي الهائل والسياسي المضمون من السعودية ومصر والغرب، صعد إلي رئاسة الحكومة لكنه ظل «زعيم السنة»، ويريد أن يبقي كذلك، فعلي الرغم من أن قضية اللواء جميل السيد الذي اعتقل 4 سنوات بعد اغتيال الحريري ثم الإفراج عنه - هي قضية سياسية،فإن عمار حوري- نائب تيار المستقبل - قد دخل علي الخط، منتقدا تضامن حزب الله مع جميل السيد ضد رئيس الحكومة، لكن نائب المستقبل لم يقل رئيس الحكومة، بل استخدم عبارة لا مجال فيها سوي للتوصيفات المذهبية، قائلا: «بيان حزب الله ( لتأييد جميل السيد) هو من أسوأ بياناته ويبحث فيه عن فتنة، فهذا الحزب وبرغم لونه المذهبي لم يتورّع عن دعم من هدّد زعيم السنّة»، هل يبقي سعد الحريري زعيما للسنة، قد يستمر وقد لا يستمر، المؤكد أن أحدا حتي الآن لا يستطيع أن ينافسه بجدية علي ذلك. في لحظة الجد ينضم المعتدل إلي جبهة المتطرفين حاجب كاميليا.. بين إسلامها ومسيحيتها «دولة ضعيفة وكنيسة قوية».. «مسلمون يختطفون المسيحيات لإجبارهن علي الإسلام» لعن الله الفتنة ولعن من أيقظها، ولعل الفتنة يجب أن توجه خطاب شكر إلي من أيقظوها في مصر بين المسلمين والأقباط، بين رموز إسلامية من المفترض أنها معتدلة دفعت المسلمين البسطاء للتشكيك في إخوانهم في هذا الوطن وأنهم يمثلون أي مصدر تهديد. الفتنة يجب أن تشكر قيادات الكنيسة التي قالت في تصريحات مستفزة إن المسلمين ضيوفاً علي مصر وإن انتقاد البابا شنودة خط أحمر وتلاسن الطرفان ليشعلا نار فتنة لا تريد أن تخمد أو تهدأ، بل لعلها هي الخط الأخطر علي أمن واستقرار هذا البلد. فلا المسلمون ضيوف ولا الأقباط بلطجية نسي المتراشقون حقوق المواطنة، رفعوا سنة الخلاف والطائفية والنزعة الدينية ونسوا مرقص وحسن المصريين الذين يعيشون أسوأ حالات الاضطهاد في ظل النظام الحاكم الذي ينفخ في كير الفتنة لعلها تشغل العامة عن المطالبة بحقوقهم السياسية والمالية في هذا البلد. الفتنة الطائفية أصبحت خنجراً مزدوجاً، ففي قضية كاميليا شحاتة تظاهر الأقباط بعد اختفائها واتهموا المسلمين باختطافها واجبارها علي الإسلام ولما ظهر أنها خرجت من بيت زوجها غضبا مثل آلاف السيدات في مصر، ظن المسلمون أنها أسلمت والكنيسة تحتجزها وتعذبها وتجبرها علي العودة للمسيحية. حتي وصل أوج الفتنة بعد ظهورها في شريط فيديو تؤكد فيه أنها مازالت علي مسيحيتها. خرج الأقباط يقولون لم تتدخلون في حياتها الشخصية؟! وخرج المسلمون يقولون إنها ليست كاميليا لأن حاجبها لم يكن مرفوعاً ولم يكن كما ظهرت في الفيديو. إن الفتنة أصبحت أسوأ من الفيروس فقد تطورت وتحورت حتي أصبحت نفس القضية هي محور إشعال النار بين الطرفين.