حادث نجع حمادي يجب ألا يمر مرور الكرام ويجب من وقفة صريحة وصارمة مع كل المسئولين عن الحادث فليس من ارتكب المذبحة هو المجرم وحده فقط لكن هناك مسئولين آخرين لابد من محاسبتهم لأنهم مسئولين بنفس المسئولية التي قام بها مرتكب الجريمة. فهذه الحادثة ليست وليدة الأمس وليست وليدة أحداث فرشوط أو غيرها من الأحداث وإنما هي وليدة سنوات من الشحن النفسي للناس والذي لعبت فيه أطراف مختلفة علي رأسها السلطة الحاكمة في مصر التي أرادت أن توجه رسالة إلي الأقباط بأنها الحامية لهم وأنها السند ولولاها لقضي المسلمون عليهم وكل هذا من أجل ضمان ولاء الأقباط للحزب الحاكم في الانتخابات، وفي نفس الوقت توجه رسالة للغرب أن السلطة الحاكمة وبقبضتها الحديدية علي الشعب وبقانون الطوارئ وترسانة القوانين الاستثنائية وبالمحاكم العسكرية تضمن حماية الأقباط وأنها الضامن لحمايتهم وهو الفخ الذي وقع فيه الأقباط والغرب فوجدنا رجال الأعمال الكبار من الأقباط يزحفون نحو الحزب الحاكم ونجد بيانات التأييد والدعم من الكنيسة المصرية وانحيازها للحزب الحاكم واستقبالها لقيادته علي أساس أنهم حماة الكنيسة وعندما تحاول مجموعة من الأقباط الخروج من هذا الفخ نجد أن السلطة تدبر حادثا طائفيا أو تترك المتطرفين يقومون بهذا الدور وهو الأمر الذي أدي إلي بروز احتقان جماعي وتطرف بين الجانبين المسلم والقبطي وغذت السلطة هذا الوضع من خلال الآلة الإعلامية ومن خلال ترك دعاة التطرف يتحدثون ويحرضون علنا علي إثارة الفتنة وتهييج الرأي العام بين الجانبين خاصة مع تغييب كامل للقانون كما تتحمل المسئولية أيضا المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية علي حد سواء فقد اكتفت قيادتها بالمصالحة الشكلية والتقاط الصور والابتسامات والزيارات الرسمية ولم ينزلوا إلي مواقع الأحداث التي شهدت الفتن ولم يلتقوا بالناس، شيخ الأزهر يكتفي بالإدانة والشجب والاستنكار والبابا يكتفي بالاعتكاف في دير وادي النطرون معبراً عن غضبه فقط ولم يذهب إلي أي مكان يلتقي حتي بالضحايا من أبناء كنيسته يعرف ماذا حدث علي الأرض والأمر نفسه بالنسبة لرجال الأزهر أو رجال الدين بل من بينهم من يساعد علي إثارة النزاعات والخلافات خاصة قائمة المساجد غير المرخصة وهي أكثر من المساجد التابعة لوزارة الأوقاف وبدلاً من أن تنشغل المؤسسات الدينية بهذه القضية الخطيرة ركزت علي مطاردة كل من يوجه إليها نقداً ومصادرة حرية الفكر والإبداع. وثالث المسئولين عن هذا الوضع غياب السياسيين عن هذه القضية فالأحزاب السياسية مقيدة فعلا لكن قيادتها عاجزة عن الحركة ليس بفعل القوانين وإنما لأنها هي تدور في فلك السلطة وتعمل ما تطلبه السلطة بالإشارة و تتبرع هي بالقيام بالعمل، لا تطلب منها واكتفت فقط بالبيانات والتنديد. ولم تتحرك الأحزاب بما فيها الحزب الحاكم للتدخل ولو مرة واحدة لاحتواء أي أزمة طائفية أو عقد لقاءات علي الأرض لمعرفة الأسباب الحقيقية فالقضية أن السياسيين أصبحوا يتحركون بتعليمات من ضابط في أمن الدولة قد تحركه مصلحة شخصية وهي السمة الغالبة لجميع القيادات الحزبية في مصر وتحولوا من قيادات سياسية إلي مجرد منفذين لما يصدر لهم من تعليمات أمنية. أما العلاج الأمني فقط لقضية الفتنة الطائفية فقد فشل خلال السنوات العشر الماضية في التصدي لأي قضية ولا يتحرك إلا بعد وقوع قتلي بين الجانبين خاصة أن الأمن المصري أصبح مثقلاً بأمور ليست من اختصاصه، وأصبح وزير الداخلية يقوم بأعمال كل الوزراء وحتي أعمال مجلس الوزراء وأصبح وزيراً مدللاً لا يذهب إلي البرلمان ولم يحتج النواب علي ذلك خلال دورتين، لم نشاهده منذ تولي أن قام بجولات علي أقسام الشرطة ومديريات الأمن منذ توليه المسئولية بعد حادث الأقصر. وحالة الاسترخاء الأمني المتكررة رغم معرفة الأمن أن للأقباط عيداً اسمه عيد الميلاد المجيد وتاريخه يوم 7 يناير إلا أنه لم يتخذ أي إجراءات لتشديد الحراسة علي الكنائس أو الشوارع مثلما يفعل في الأعياد الإسلامية يوجد حتي لتنظيم المرور ورغم معرفة مصر كلها بحالة الاحتقان بسبب أحداث فرشوط إلا أن الأمن اكتفي بحارس واحد فقط علي الكنيسة وبسلاح خال من الرصاص واستشهد هذا الحارس في المذبحة فالفشل الأمني استمر في عدم القدرة علي السيطرة علي الموقف لمدة 48 ساعة متواصلة ومازال الفشل مستمراً. والمسئول الرابع هو المجتمع المدني خاصة منظمات حقوق الإنسان التي تجاهلت هذه الأحداث خوفا من بطش الأمن والدولة عقب تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حول أحداث الكشح وما تلاها من أحداث دفع ثمنها أمين عام المنظمة ومن يومها لم تتحرك أي منظمة لمتابعة الأحداث ورصدها وتقصي الحقائق حولها وهي التقارير التي تكشف مواطن الخلل وتقدم توصيات لو أخذ بها ما وصلنا لهذه الحال لكن البطش الأمني شديد، فإن قلت إن الأمن فشل في هذه القضية قامت الدنيا عليك ولم تقعد ليك ويخرج علينا رجالهم في الإعلام أن هذا عميل للغرب وأنه صهيوني وأنه خائن وما لذ وطاب من الاتهامات وتضيع آلامه ومصر ولكن المهم هو بقاء السيد الأمني في مقعده الوثير ويمشي في موكبه الأكبر من موكب رئيس الجمهورية ويغلق القاهرة في ذهابه وإيابه. وهنا لا أعفي المجتمع المدني خاصة المنظمات الحقوقية من المسئولية بل كان عليهم الاستمرار في العمل والقيام بواجباتهم في الدفاع عن حقوق الضحايا الذين سقطوا منذ الكشح وكشف مواطن الخلل والتصدي لمحاولات لي الحقائق والتشويه حتي لو صلت للاغتيال المعنوي الذي يقوم به باقتدار الإعلام الحكومي خاصة رجال الأمن في الصحافة والإعلام وهم كثر؟ أما المسئول الأخير هو الإعلام المستقل الذي عجز عن طرح القضية بجميع أبعادها وناقشها بصراحة ووضوح واستعرض جميع الآراء بل لعب دوراً معاكساً في التهييج والإثارة بحثا عن السبق تارة وبحثا عن رفع نسبة المشاهدة خاصة في القنوات التليفزيونية الخاصة وليس حجة أمامهم العقبات التي تضعها وسائل الإعلام فهذه القنوات فشلت مثل الإعلام الرسمي في التصدي لهذه القضية المصيرية وطرحها علي الرأي العام بصراحة وبوضوح وفضح المتسببين سواء كانوا سياسيين أو أجهزة أمنية أو بسبب عجز الدولة عن تحقيق التنمية أو ضعف التعليم المدني في المدارس الحكومية والخاصة أو التصدي للتطرف الذي تبثه قنوات دينية من كلا الجانبين يوميا ودونما اعتبار لما لتعاليم الدينين والتسامح الوارد فيهما وهي قنوات تبث برخصة حكومية مصرية صادرة من شركة مصرية تملك أغلبية الأسهم فيها الحكومة المصرية وبالتالي هي شريك فيما يبث عليها من فتاوي تحريضية وتثير الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. القضية هنا ليست حرية رأي وتعبير عندما يتم التحريض علي العنف والتمييز الديني والعرقي فهنا ضد فكرة حقوق الإنسان من الأساس ومن هنا من حق الدولة التصدي لهذه القنوات ومن حق الإعلام الحر فضحها وكشفها للناس. فالمسئولية ليست مسئولية من نفذ الجريمة البشعة والمذبحة التي تنم عن الغدر والحقد الموجود لدي مرتكبيها ومن حرضهم، لكن مسئولية الجميع وهنا يجب أن يتحمل كل واحد منا مسئوليته وأن يقوم بدوره دون خوف من أحد أو رياء ويكشف المتسببين في مثل هذه الجرائم وبوضوح مهما كان الثمن وعلينا حساب كل مقصر من أعلي سلطة في هذا البلد وإلي أصغر مسئول فيها دون خوف أو تردد وعلي الإخوة الأقباط إن يعلنوا آراءهم بوضوح وبصورة جلية دون خوف من أحد فلقد سقطت خدعة إن السلطة الجاثمة علي قلوبنا منذ 30 عاماً تقريباً هي التي تحميكم وسقطت أيضا خدعتها بتعديل الدستور بإقرار مبدأ المواطنة فيه لم نجد أي تحرك علي الأرض منها لإقرار هذا المبدأ أو تنفيذه إنما أصبح حبرا علي ورق في كتاب اسمه الدستور لا حول له ولا قوة لأن من يفترض فيه حمايته هو أول من يدوس عليه ولا ينفذه. حادثة نجع حمادي لن تكون الأخيرة مادام لم نحدد بدقة المسئول عن هذه الحوادث منذ بدايتها ومادام تركنا الأمر لرجال الأمن وغيبنا دور السياسيين ورجال الدين ومادام ظل إعلامنا يدافع عن السلطة بالحق والباطل ولا يسمح لكل الناس بالتعبير عما في صدورها وعقولها بصراحة وبوضوح، وهنا لن تكون إلا الفتنة الكبري التي لن تبقي علي الأخضر ولا اليابس وسوف يكون أول الخاسرين هم المصريين الغلابة الذين سقط أمثالهم في نجع حمادي قتلي دون ذنب ارتكبوه.