نحن الآن في المرحلة الرابعة من الفتنة الطائفية وسندخل الخامسة قريبًا ما نشهده الآن نتيجة تراكم الفتنة التي تركناها دون حل منذ بداية السبعينيات د. سمير مرقص الجريمة الأخطر من قتل الأقباط المصريين في نجع حمادي، هي جريمة أن يتم تصوير ذلك علي أنه مجرد حادث فردي وليس حلقة جديدة من العنف الطائفي الذي تعيشه مصر منذ سنوات، عنف يكشف النقاب عن احتقان المجتمع المصري الذي انتقل من مرحلة رفض الآخر إلي حد قتله وسفك دمائه، الآخر هو آخر الرأي أو الفكر أو العقيدة، وما حدث في نجع حمادي يفتح من جديد ملف العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر، ومشكلات المواطنة وثقافة المصريين التي تعتقد أن الصحيح هو رأي الأغلبية لأنها أغلبية، وأن الأقلية لا تستحق الحياة إن لم ترضخ لهذا الرأي.. عن هذا تحدثنا مع الدكتور «سمير مرقص» الباحث في شئون المواطنة....إلي نص الحوار: كيف تري ما حدث في نجع حمادي ؟ - ما حدث هو نقطة تحول نوعية في مسار ما أسميه التوتر الديني الذي بدأ في مطلع السبعينات عام 1970 والذي بدأ بوقوع حادث إخميم، وأهمية الرجوع لهذا الحادث هي لأنه يؤرخ لتاريخ التوتر الطائفي المستمر ل«40 سنة» متواصلة وانتهي بحادث نجع حمادي في يناير 2010.. لماذا تعتبره تحولا نوعيًا ؟ - تاريخ التوتر في مصر مر بأربع مراحل، الأولي يمكن أن نطلق عليها العنف المادي من قبل جماعات الإسلام المسلح التي كانت تستهدف الأقباط والكنائس، وهذه المرحلة من المهم التأريخ لها لأن مجمل الشعب المصري «مسلمين ومسيحيين» كان ضد هذه الأحداث، ثم انتقلنا إلي المرحلة الثانية التي بدأت عام 2000 بعد حادث الكشح، وهي تسمي مرحلة الاحتقان المجتمعي، حيث إن المناخ العام شهد توترات كثيرة بسبب تراكمات وتأجيل حل هذا الملف، وكانت سمة تلك المرحلة أن أي حادثة ذات طبيعة اجتماعية كانت تؤخذ علي أساس ديني . أما المرحلة الثالثة فبدأت عام 2005 وهي مرحلة «السجال الديني»، حيث تشهد مصر حالة تراشق كلامي حول العقائد الدينية بين رجال الدين، ويظهر في بعض الفضائيات التي يتحدث فيها كل رجل دين عن دين وعقيدة الآخر ويقوم بالتجريح فيها وتكفير معتنقيها...خطورة هذه المرحلة بالتحديد أنها كرست في الناس أن الآخر المعتنق عقيدة أخري هو مشرك وكافر، فتخيل عندما يلتقي هذا المواطن بالآخر الذي صوره رجال الدين علي أنه كافر، كيف يتعامل معه ؟ هذه هي خطورة مرحلة السجال الديني . وهذا ما هو ما أدي بنا إلي المرحلة الرابعة التي نعيشها الآن وهي ما أسميه مرحلة التناحر القاعدي بين المواطنين ومن 2006 وحتي الآن تتكرر أحداث العنف الطائفي بشكل دائم، وسمة تلك المرحلة التي تكشف عن مدي خطورتها هو أن الأحداث تتعلق بأن من يقوم بتلك الحوادث هم مواطنون عاديون وليسوا جماعات إسلامية كما كان في السبعينيات والآن أصبح المواطن العادي يشتبك مع آخر علي أسس دينية، وهذا ما كشفت عنه أحداث نجع حمادي.. وهذا هو دلالة الحدث أن شكله وطبيعته جديدة وهذه مسألة خطيرة جداً. هل اختيار المكان أمام الكنيسة التي تمثل الرمز الديني للأقباط وليلة عيد الميلاد يحمل رسالة ما من وجهة نظرك؟ - الرسالة هي إعلان الفرقة والتأكيد علي أن «هناك مسافة بيننا»، أي أن العيد الذي يجتمع فيه المسلمون والمسيحيون مع بعضهم البعض لم يعد كذلك .وهذا هو نتاج مرحلة السجال الديني الذي أدي إلي التناحر القاعدي الآن بين المواطنين العاديين. وهذه هي دلالة الحادث وخطورته، وهو الأمر الذي يحتاج من الأطراف جميعها دون استثناء تحمل المسئولية ، فالجميع مسئول ونحن في لحظة تحتاج لمراجعة كل السياسات والخطابات. في حالة استمرار الوضع كما هو عليه .... هل سيقودنا هذا إلي المرحلة الخامسة من التحول ..كيف شكل تلك المرحلة ؟ - إذا استمر المناخ الطائفي بهذا الشكل دون علاج حاسم أتصور أن المرحلة الخامسة ربما تنبئ بردة فعل من قبل الأقباط والتي وضحت أول ملامحها خلال المظاهرات التي نظمها الأقباط علي خلفية الحادث، حتي وإن كانت سلمية إلا أنها شكل احتجاجي، ومعني هذا أننا قد ننزلق إلي ما هو أخطر من مجرد ظاهرة حادثة عابرة إلي نزاع ديني بين المواطنين. ما الذي أدي بنا إلي هذا الوضع ؟ - التراكم وعدم حسم كثير من القضايا المرتبطة بالعلاقات المسيحية الإسلامية، وفي لحظة تاريخية معينة حدث نوع من الفجوة بين المسلمين والمسيحيين بسبب تراكم أحداث العنف المادي التي بدأت في مطلع السبعينيات، كما أن تلك الحالة يشجعها ويؤججها تردي الأوضاع الاقتصادية والثقافية. لماذا أصبح المصريون يعتنقون مبدأ رفض الآخر ونفيه ؟ - هناك مشكلة بسبب الثقافة والإسلام الوافد علي مصر، والذي يختلف كثيرا عن طبيعة ما أسميه الإسلام في الخبرة المصرية، فالإسلام الوافد لا يعرف الآخر ولا يري إلا نفسه وهذه هي طبيعة فقهه الذي يعبر عن واقعه، أما الإسلام في الخبرة المصرية فيعبر عن واقعه أيضا الذي لا يرفض فيه الآخر ولديه مساحة للتعايش والشراكة بين المختلفين، كما أن المناهج التعليمية خاصة مناهج التاريخ خلقت ذاكرة تاريخية لا توحد بل تعزز الفرقة بين المصريين، فنفتقد المنهج الموحد.. هل مشكلات العنف الطائفي بحاجة لإصدار تشريعات وقوانين لمنع تكرارها ؟ - أنا من الذين يؤمنون بأن القوانين وحدها لا تكفي لحل المشكلات، بل لابد أن تستكمل بمنظومة أشياء منها التكوين الثقافي والإعلامي والتعليمي أيضا، فنحن بحاجة إلي تهيئة ثقافية لخلق ذهنيات ثقافية جديدة تؤمن بأن الأصل في الحياة هو الاختلاف وليس التماثل والأحادية. مع ذلك لابد أن نلتفت إلي أمر مهم وهو أن نفس المشكلات التي تسببت في وقوع أحداث طائفية في السبعينيات قائمة حتي الآن، بمعني أن ما تضمنه تقرير الدكتور جمال عطيفي - وكيل مجلس الشعب - عام 72 والذي أصدره علي خلفية أحداث الخانكة وكل ما ورد فيه من مشكلات وحلول صالح تنفيذه حتي الآن . وماذا عن المادة الثانية من الدستور..هل تشكل مصدر توتر في العلاقات ؟ - قبل أن نتحدث عن المادة الثانية في الدستور الحالي سنتحدث أولا عن شكل تلك المادة في «دستور 23» الذي يعتبر دستور الحركة الوطنية وشارك في وضعه الجميع، عندما أضيفت المادة التي تقول إن الدين الإسلامي هو دين الدولة لم يعترض الأقباط لأنهم كانوا مشاركين في هذا وكانت تلك المادة «المادة 149» المادة الأولي من الباب السادس المعنون بأحكام عامة في دستور 23 قالت: الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغته الرسمية، وهنا نلاحظ أن تلك المادة لم تكن في صدر الدستور بل في مكان متأخر وهذا له دلالته. أما دستور 71 فقد وضع بدون شراكة القوي الوطنية لذلك هو دستور ولي الأمر، وهنا وضعت المادة الثانية دون إجراء حوار وطني واسع ولذلك ظل عليها جدل، أما الصياغة الحالية للمادة فقد تغيرت حيث أضيفت لها فقرة «مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع» وهذه تعطي مرجعية عليا للشريعة الإسلامية.. وكيف أثر هذا التغيير علي العلاقات الإسلامية المسيحية ؟ كان لابد من حوار وطني حولها والوصول لصيغه متفق عليه، حتي لا يشعر أي طرف بظلم، وذلك في وجود كتابات إسلامية متشددة تتحدث عن الوضع القانوني لغير المسلمين أنهم أهل ذمة أو بعض مواقف الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين الذين يرفضون حتي الآن ولاية المناصب العامة للأقباط حتي برنامجهم الجديد لم يحسم الأمر.. وفي ظل هذا التوتر وزيادة التراكم أتصور أنه لو طرح اسم قبطي كمرشح للرئاسة لن يلتف حوله الناس، هنا الاختيار مرجعيته دينية وهذه نتيجة طبيعية للمناخ الحالي الذي تم فيه تديين المجال العام وممارسة العمل السياسي علي خلفيه دينية وإضفاء المقدس علي المجال العام، وهذا هو التحول الجذري الذي حدث في مصر الآن بسبب المناخ التمييزي.