ينجح «يحيي الفخراني» في كسب قلوب المشاهدين حينما يضحك أو يبكي، فهو من الممثلين القلائل الذين يمتلكون ملكة نقل الحالة التي يؤديها علي الشاشة إلي المتفرج ببساطة وتلقائية.. يصدق المتفرج أداءه ومشاعره أكثر مما يصدق تفاصيل الشخصية التي يؤديها.. هذه هي الكاريزما التي تجعل المشاهد يشاركه الضحك إذا ضحك وتغرق عيناه بالدموع إذا بكي.. لا ننسي المشهد الذي أبكي فيه مصر منذ ثلاث سنوات حينما ماتت ماما نونا أمه في مسلسل «يتربي في عزو»، وقد أعاد مشهد موت الشيخ سلام يوم عرسه في الحلقة رقم 24 نفس الحالة ونفس البكاء. يجسد الفخراني شخصية شيخ العرب همام رجل الصعيد القوي صاحب الدهاء والحسم والقوة، لكنه يظهر متسامحاً وبسيطاً في علاقته بالناس، ويمثل شقيقه سلام «مدحت تيخة» الذي يبدو أقرب للشخص المجذوب بركة الشيخ الزاهد المتفاني في حب الله، والرجل الذي يحمل بتلقائيته وبدانته وسلوكياته براءة الأطفال، وهو رغم مظهره البسيط فإن يحمل داخله الفطرة الإنسانية التي لا تعرف الكذب والخبث والمكائد، بالإضافة إلي ذلك التجرد الصوفي في حب الله الذي يدعوه دائماً بالحبيب بلا كلفة، والشيخ سلام من الشخصيات الدرامية اللطيفة المحببة بالمسلسل رغم أنها غير مؤثرة درامياً في الحلقات، فهو لا يبدو محركاً للأحداث مثل شقيقه القوي همام، ولكنه يبدو بجواره مثل ضميره اليقظ وملاكه الحارس من الاستسلام لغواية السلطة، يتأثر همام كثيراً برأي أخيه الذي لا يعمل لحسابات العصبية والقبلية حساباً، وكان سلام يصحب شقيقه في مجالسه المهمة ومعه عصا صغيرة ينغز همام بها إذا رأي أنه حاد عن الحق وابتعد عن الصواب. بعد أن يقنع همام سلام بالزواج في الحلقة رقم 24 وأثناء احتفالات القرية وكبار الصعيد بزفاف الشاب الشيخ يذهب إليه شقيقه همام في غرفته لاستعجاله فيجده ميتاً وعلي وجهه ابتسامة بريئة وديعة، وفي مشهد ميلودرامي حزين قدم «يحيي الفخراني» بأداء حساس ردة فعله وصدمته للوفاة المفاجئة لشقيقه الذي كان يعتبره أيضا ابناً له، ويعيد المشهد ذكريات حزن حمادة عزو علي أمه ماما نونا مع الفارق أنه في «شيخ العرب همام» يبكي همام الرجل القوي المستبد أحياناً ورقيق القلب أحياناً أخري.. يبرع الفخراني في الانتقال بسلاسة بين مشاعر الرجل القوي العنيد والرجل البسيط الذي يرق قلبه بشدة أمام المشاعر الإنسانية الصادقة والتلقائية، ولهذا فهو يقرب منه قاطع الطريق جابر «محمود عبد المغني» رغم أنه يرفض طلبه الزواج من ابنة أخته، وهو يعامل زوجتيه بحنان رغم ما تثيرانه من مشاكل مزعجة أحياناً، وهو يري في شقيقه البريء الطهارة والنقاء الذي يفتقده في الأجواء التآمرية التي يعيش فيها، والتي تهدد حياته نفسها. قدم المسلسل للممثل الشاب «مدحت تيخة» دور عمره، فبالإضافة إلي أن اختياره للعب دور شقيق الفخراني موفق من ناحية الشكل، اجتهد هو في رسم ملامح الشخصية دون مبالغة. انحاز المسلسل للجانب الإنساني علي حساب الجانب الملحمي الذي بدا مغيباً وثانوياً خاصة أن المسلسل لم يتبق له سوي حلقات قليلة للغاية، ومازالت الخطوط الرئيسية الجذابة التي يتابعها المشاهد هي ما يحدث داخل بيت همام بينه وبين زوجتيه، وجلسات السمر بين جابر وسلام.. يحكي الأول للثاني عذابه في حب ليلة ابنة شقيقة همام التي جنت من فشل زيجتيها، وربما تكون تلك الحالة الإنسانية هي التي خلقت للعمل حالة من الجاذبية الجماهيرية، فالشخصيات التاريخية تقدم عادة بمشاعر خارجية وظاهرية دون صدق حقيقي، ولهذا فإن أغلب المسلسلات التاريخية التي تعرض في رمضان هذا العام مجرد اجتهادات في رسم التاريخ وتجسيده علي الشاشة دون أن يضيف إليها صناعها المشاعر، ويجعلوا شخصياتها من لحم ودم. ربما لا يكون «شيخ العرب همام» هو العمل الأفضل إعدادا وإنتاجا هذا العام، لكن نجح الممثلون «يحيي الفخراني» و«صابرين» و«عبد العزيز مخيون» و«محمود عبد المغني» و«مدحت تيخة» بجدارة في جعله الأكثر قرباً إلي مشاعر المتفرج.