قضية تقسيم مياه النيل أكبر دليل علي تراجع دور مصر الإقليمي في المنطقة مصر لم تقم بممارسة النفوذ الدبلوماسي لسنوات عديدة وموقفها تجاه الفلسطينيين مصاب بفقر الدم اجتماع دول المصب في أوغندا اعتبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني الأمريكي أن زيارة الرئيس مبارك الأخيرة لواشنطن لحضور انطلاق تجديد المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بواشنطن واصطحابه نجله جمال مبارك معه، عززت من الشكوك داخل القاهرة والاعتقاد بأن الرئيس يخطط لخلافة وراثية للحكم في مصر. ورأي الباحث الأمريكي بالمعهد «دايفيد شينكر» أن انتهاء عهد مبارك من الساحة السياسية سيمثل انتهاء لحقبة سياسية طويلة، كما أنها ستترك آثارًا كبيرة ستضر بمكانة مصر الإقليمية، وأشار الباحث إلي أن القاهرة ظلت خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر القوة الدبلوماسية والعسكرية الكبري في المنطقة دون منازع، وقال إن خُطب عبد الناصر استطاعت أن تحشد جماهير غفيرة مؤيدة لها، وزعم أن جيشه تسبب في الإطاحة بحكومات أجنبية، أما الآن فالقاهرة تبدو متعبة ويواجه نظامها الحاكم تحديات داخلية وتمر بأول عملية انتقالية للسلطة منذ ثلاثة عقود تقريبًا، تراجعت قوة القاهرة السياسية الإقليمية بدرجة كبيرة بسبب التركيز علي المسائل الداخلية، وأصبحت متراجعة علي كل الجبهات كقوة إقليمية. وقال شينكر: إن مصر لم تقم بممارسة النفوذ الدبلوماسي لسنوات عديدة في الشرق الأوسط وأثبتت أن دبلوماسيتها فيما يخص جيرانها الفلسطينيين كانت بمثابة «فقر الدم» علي حد تعبيره، وأشار إلي أن المسئولين المصريين قالوا إنهم لن يسمحوا بإقامة «إمارة إسلامية» علي حدود مصر، كما حاولت القاهرة التوسط للتوصل إلي اتفاق مصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس التي أعاقت الوصول إلي أي نتيجة في هذا الشأن. وأكد ديفيد شينكر في تقريره لمعهد واشنطن أن أكثر مثال علي تراجع مكانة مصر، هو الأزمة المتعلقة بتقسيم حصة مياه النيل باحتياجاتها دول حوض النيل، قائلا إن النيل هو شريان الحياة بمصر ويزود الدولة بأكملها من احتياجاتها من المياه، وأن مصر تتلقي نصيب الأسد 70% من تدفق مياه النهر بسبب اتفاقية 1929، ولديها حق الاعتراض علي جميع مشاريع المياه في دول المنبع، أما الآن فأصبحت هيمنة مصر علي مياه النيل موضع تساؤل بسبب مطالبة أعضاء مبادرة حوض النيل بإعادة تقسيم المياه بشكل عادل. وقال المعهد إن القاهرة لا تستطيع أن تقنع أو ترهب الدول الأعضاء في مبادرة حوض النيل إثيوبيا وأوغندا ورواندا وكينيا وتنزانيا لمواصلة الاتفاقية الحالية، ومع تزايد عدد سكان مصر المتوقع وصول عددهم إلي 100 مليون عام 2025، فقد تسبب نقص المياه في أزمات عديدة للدولة التي وصفها المؤرخ اليوناني هيرودوت بأنها «هبة النيل». وأضاف المعهد أن تراجع مكانة مصر الإقليمية التي اعتمدت عليها واشنطن كشريكها العربي الرئيسي في المنطقة منذ عام 1978، يمثل ضربة كبيرة لمصالح وأمن الولاياتالمتحدة بالمنطقة الذي بدأ في التضاؤل بالفعل، وقال إن أنقرة بدأت تتحرك بعيدا عن تحالفها التقليدي مع واشنطن، والقاهرة بدأت تتراجع بسبب مشاكلها الداخلية، وأن إدارة أوباما الآن لا يوجد لديها شركاء عسكريون في المنطقة يعتمد عليهم في مواجهة التهديد الذي تشكله طهران، وأن تراجع الدور المصري في المنطقة أصبح جزءًا من سلسلة من المشاكل الجديدة التي تواجهها واشنطن في المنطقة، ومنها تغيير توجهات تركيا والحكومة اللبنانية وبعدهما عن الغرب، وتعزيز المحور السوري الإيراني من شأنه أن يشكل إنذارًا لإدارة أوباما، فتراجع الدور المصري في المنطقة دلالة علي تراجع قوة واشنطن في الشرق الأوسط.