جميل أن يأتي النضج في الأداء علي مهل.. الأجمل أن يأتي مصحوبا بخفة وهدوء وشياكة، رغم أنه في حالة داليا البحيري يبدو أنه أتاها متقطعا بعض الشيء، وأن هناك بعض الهنّات في أدائها لشخصية فريدة شاكر علوان في مسلسلها «ريش نعام»، فإننا بلا شك نستمتع بداليا الجديدة التي رسمت لنفسها هذه المرة تفاصيل شخصية تتواءم وطبيعة طلتها تماما. المتابع للدراما العربية يحفظ عن ظهر قلب تلك الطريقة المعتمدة التي تختارها الممثلات عادة لأداء شخصية الفتاة الثرية الجميلة الأرستقراطية المحبوبة من الكل، فهن غالبا ينظرن لأعلي ويتحدثن من أطراف أنوفهن، ثم يضحكن بافتعال شديد ضحكة قصيرة، ومقتضبة وصفراء تماما، ويتمادين في هذا حتي ينجحن بجدارة في تخطي حد الكذب الفاضح، لكن داليا البحيري كانت أكثر ذكاء، وأكثر صدقا معنا، حينما أقنعتنا بكل كلمة نطقت بها في المسلسل، فرغم أن كل لفتة من لفتاتها تشير بقوة إلي أنها فتاة تسكن بعيدا ولا تعرف كثيرا عن هؤلاء الذين يبيتون ليلتهم بلا طعام، وأحيانا بلا غطاء، فإنها ابتعدت عن الكليشيهات المحفوظة في تجسيد تلك الشخصية، وصنعت حالة رائقة وممتعة، وتستحق المتابعة فعلا، تقف داليا البحيري بمنتهي الهدوء وتتحدث بمشاعر فائقة الصدق والشجن وبعيدة كل البعد عن الميلودراما المزعجة، تقف تحكي مع شقيقها «مودي» عن حياتهم التي أصبحت تفتقد إلي أبسط ألوان الرفاهية بعد أن تم تجريدهم من كل أموالهم، لكننا لم نلمح دمعة واحدة تسكن عينها، ورغم ذلك هي تنجح في أن تجعلنا نعيش معها الحالة بجميع تفاصيلها، تعرف داليا البحيري جيدا كيف تظهر ترفعها بأناقة، وبلا إفراط، وبحسب مايقتضي المشهد، فكل شيء تم إعداده، بحيث تكون المشاعر منضبطة، وعلي نفس وزن الشخصية، تبدو داليا البحيري في دور فريدة علوان أكثر ثقة، وأكثر قدرة علي تحمل مسئولية أن تكون بطلة بعد أن قدمت أكثر من بطولة تليفزيونية ليست بنفس القوة من خلال أدوارها في مسلسلات «بنت من الزمن ده»، و«صرخة أنثي»، لكن أكثر ما يلفت النظر هنا هو التنوع الشديد، ورشاقة القفز بين نوعي الشخصيات، وفي كل مرة نحن نقتنع تمام الاقتناع أن من أمامنا ممثلة مجتهدة، وذكية، وتحمل أكثر من صفة تجعلنا نطلق عليها لقب متميزة ونحن مستريح البال.