أعشق إسكندرية وإسكندرية تعشق رائحة البحر والبحر يعشق فاتنة في الضفاف البعيدة كل أمسية تتسلل من جانبي تتجرد من كل أثوابها وتحل غدائرها ثم تخرج عارية في الشوارع تحت المطر فإذا بلغت سرير التنهد والزرقة انطرحت في ملاءاته الرغوية وانفتحت تنتظر وتظل إلي الفجر ممدودة كالنداء ومشدودة كالوتر وتظل وحيدة «أمل دنقل» تظل جدلية «المدينة - المرأة» سائدة بالرغم من كل شيء، خاصة إذا تعلق الأمر بالمدينة المتوسطية الساحرة.. الإسكندرية. إنها الأنثي الحاضرة علي الدوام، بصخبها وجنونها وحنانها المفرط وقسوتها الرهيبة. تتباعد حدود هذه العلاقة وتقترب في متوالية جمالية لا تنتهي أبداً، فيصبح كل شيء سكندرياً في أصل الخلق، كما في أصل اللغة، وتغدو الأنثي المعشوقة أو حتي المهجورة أو الغائبة هي الإسكندرية نفسها وقد لبست إهاباً بشرياً. من هنا تبدأ علاقة إدوار الخراط بالمدينة، علاقة لا تعترف بالثوابت، تشوبها ملامح أسطورية ورؤي جمالية بالغة الرهافة، ومتي خرجت المدينة «الأنثي» من مخيلة المبدع، انهارت التجربة من الأساس. الخراط لم يسقط أبداً في هذا الفخ، ظلت المدينة ملعباً رئيسياً لحركة الإبداع، وجاءت كتاباته معبرة بالأساس عن روح المدينةالغربية وموسيقاها الغامضة. الخراط هو كاهن الإسكندرية الأكبر علي الإطلاق في الوقت الراهن، كهنوت يقترب كثيراً - للمفارقة - من روح النزق والجنون والصخب الذي ترفل فيه المدينة من أزمان طويلة ممتدة في غياهب الماضي. ربما لذلك كان الخراط رائداً لمذاهب جديدة في الأدب المعاصر، وراعياً لأشكال سردية مختلفة تماما عن طبيعة الأدب المصري الحديث التي أسسها عمالقة كبار مثل نجيب محفوظ. ابتعد الخراط عن الواقعية الصارمة وفرض طريقته الخاصة في الكتابة عن مدينته الأثيرة، طريقة دفعته إلي خوض تجربة إبداعية استلزمت تقنيات مختلفة في السرد، مثل الكتابة عبر النوعية، كان الخراط أبرز أعمدة الحساسية الجديدة في الكتابة المصرية، معتمدا علي الأسطورة بالأساس، ومستلهماً قبساً من نار المدينة التي لا تفارق كيانه. إنها التقنيات الجديدة التي عبرت عن رؤاه الخاصة في «المدينة - المرأة» وهي الأشكال التي استوعبت الخيال الإيروتيكي الصادم، والرؤي المفعمة بالحسية والشبق في العديد من أعماله الروائية وكتاباته النثرية المتعددة عن الإسكندرية الوطن والحبيبة وذكريات الصبا الأولي وعتبات الفن وإرهاصات المغامرة الإبداعية.