.. في رمضان أشعر برغبة للاعتذار عن عجزي أن نفعل شيئاً لإخواننا المعتقلين في قضايا الرأي، وفي مقدمتهم مجدي أحمد حسين وخيرت الشاطر.. وغيرهما من سجناء الضمير والرأي. .. أشعر أني وغيري مدينين باعتذار واجب لكل معتقل في مصر، باختلاف اتجاهاتهم، لكل مواطن مصري وقف أمام قاض غير قاضيه الطبيعي، أو وقف أمام قاض طبيعي موجه!! .. ويتعين علينا أن يكون الاعتذار مضاعفاً، إذا كان هذا المواطن «مدنياً» وقف أمام قاض «عسكري»!! .. فأياً كانت النتائج ،عاقلة أو صادمة، فالمقدمات بذاتها تستوجب هذا الاعتذار الواجب لهم وقبلهم لأسرهم وأطفالهم، ولكل من دفعوا وسيدفعون ثمناً باهظاً لعجزنا عن أن ننقي صفحة وطننا من هذه الوصمة «المندثرة» في معظم بلدان العالم!! .. يقول أحد زعماء النهضة في الهند «التاريخ شاهد»، أنه كلما طغت السلطة، رفعت أعتي سلاح في وجه الحق والحرية بأن تجعل من المحاكم آلات تفتك بها بمن تشاء وكيف تشاء!! فقوة القضاء يمكن استعمالها في العدل والظلم علي السواء!! فهي في يد حكومة عادلة أعظم وسيلة لإقامة العدل والحق وهي في يد حكومة جائرة أفظع آلات الجور والانتقام. .. فالتاريخ يدلنا علي أن قاعات المحاكم كانت مسارح لقطاعات وظلم لا يقل عما شهده العالم.. في ميادين القتال.. فكما أريقت الدماء البريئة وأهدرت الحقوق في ساحات الحروب ، حوكمت النفوس الزكية في إيوانات المحاكم، فشنقت أو ظلمت، وألقيت في غياهب السجون!! .. أحسب أني مدين باعتذار خاص عن كل يوم قضيته، عبر عشر سنوات في مجلس الشعب، لم أخصص منه وقتاً بعينه للتنديد بثغرات خطيرة في ثوبنا التشريعي، تسمح للظلم أن يتسمي باسم العدل!! ودمدمة البطش أن تتستر في نصوص غادرة تحول دون المواطن وقاضيه الطبيعي، فتتعري كل الفضائل، ويظلم البريء، ويعاقب صاحب الرأي علي رأيه، فلا يجد ناصراً ولا مخرجاً، بينما يسرق المنحرفون، ويستبيحون الحرمات، ويفلتون من العقاب بل وربما يفلتون من مجرد المحاسبة أو العتاب!! .. من ذات الجحر، الذي خرج منه نص يسمح بإحالة المدني ليحاكم أمام العسكري، نص المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية خرج علينا من ذات الجحر نص المادة التاسعة من قانون الطوارئ 162 لسنة 1958!! التي تجيز لرئيس الجمهورية أن يحيل إلي محاكم «أمن الدولة» الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام!! وقبلها خرج من ذات الجحر في 13 سبتمبر 1953 الأمر بإنشاء محكمة الثورة ، وقبلها محكمة «الغدر» بالقانون 344 لسنة 1952 ، وبعدها محكمة القيم ، ومحكمة الأحزاب ، وغيرها من أشكال العدوان والاخلال بحق الانسان في قضاء طبيعي. .. من ذات الجحر أطلت علينا التفافات خطيرة، تحول أن يعرف المواطن سلفاً من هو قاضيه، فبات من حق بعض رؤساء المحاكم أن يخرج عن التوزيع الجغرافي للقاضي والدوائر ليرسل قضية بعينها لدائرة بعينها أو قاض بعينه في انتهاك مستتر لفكرة القاضي الطبيعي وهو ما حدث معي ومع آخرين ممن أحيلوا لدائرة عادل عبد السلام جمعة تحديداً رغم عدم اختصاصها مكانيا بنظر الدعوي.. .. حقاً إننا نعاني أسوأ أشكال إدارة العدالة!! .. فالإدارة السيئة للعدالة، ليس وصفاً ماساً بالعدالة أو القضاء، بل هو تعبير قانوني وفني ودولي، يتداوله المهتمون بالعدالة، والمهمومون بتحقيقها، كأحد أهم حقوق الإنسان. .. والمعيار الحقيقي في الحكم علي إدارة العدالة في أي بلد، هو مدي ما يتوافر لهذه العدالة من صور الانصاف الواردة في نص المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي التزمت مصر بتطبيقه كقانون من قوانينها منذ 14 أبريل 1982. .. عندما يعرض المواطن المدني علي قاض عسكري تنتفي أي قيمة لبحث الإنصاف أو الضمانات أو غيرها.. عندما يفقد المواطن الحق في أن يحاكم علي أكثر من درجة حقيقية تنظر في الموضوع وليس في الشكل كمحكمة النقض أو المحكمة التي يتم أمامها استئناف الأحكام العسكرية فلا وجه لبحث توافر الإنصاف من عدمه .. إننا في حاجة لإعادة بناء نظام إدارة العدالة في مصر بالشكل الذي يضمن استقلالاً حقيقياً للنيابة أولاً وفصلاً لسلطة الإحالة عن سلطة التحقيق ويمتد إلي تطهير صفحة القضاء المصري من جميع أشكال القضاء الاستثنائي والعودة للقاضي الطبيعي الذي لا يتدخل في اختياره غير القواعد المجردة، لعدالة معصوبة العينين!! .. في رمضان علينا أن نذكر إخواناً لنا يدفعون الثمن من ثمن غياب العدالة في مصر.. علينا أن نعتذر لهم عن ضعفنا وعدم قدرتنا للآن أن نعيدهم إلي أسرهم أو نفطر جميعاً معهم في سجون الظلم !!