دبي كشفت عن فريق اغتيال المبحوح ولبنان اصطاد 10 شبكات تجسس والجزائر اعتقلت الجاسوس «ألبرتو» هل يمكن اعتبار عام 2010 هو عام الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي؟ بعيداً عن أي مشاعر عاطفية الإجابة هي نعم فعلا، فمنذ يناير الماضي تصاعدت وتيرة الأخبار التي تتحدث عن اعتقال إحدي الدول العربية جاسوسا إسرائيليا جديدا بدءا من دبي التي شهدت تسلل طاقم إسرائيلي كامل مكونا من عشرات الأفراد لاغتيال «محمود المبحوح» قيادي حركة المقاومة الإسلامية حماس بدبي أواخر يناير الماضي حاملين جوازات سفر مزورة وانتهاء بليبيا التي أفرجت مؤخرا عن إسرائيلي برر دخوله الأراضي الليبية لتصوير مبان أثرية يهودية،وهو ما يجعلنا نتساءل: هل إعلان تلك الدول الكشف عن جواسيس ومتسللين إسرائيليين إلي أراضيها هو الجزء الأعلي من جبل الثلج الذي يظهر منه فوق الماء عشر حجمه الحقيقي؟ وهل تحفل الدول العربية بأمثال هؤلاء الجواسيس الذين يتدثرون بغطاء الصحافة وتوثيق التراث اليهودي وغيرها من وسائل التمويه والاختفاء؟ من المهم الإشارة إلي أن حوادث اختراق الإسرائيليين للدول العربية تتم تحت أغطية مختلفة ومبررات يعلنها الجواسيس المعتقلون علي رأسها عمل تحقيق صحفي عن ظاهرة ما تحدث علي أرض الدولة المخترقة أو تصوير مبان يهودية لتوثيق التراث اليهودي أو عدم التعرف علي الحدود الفاصلة بين إسرائيل والدول المجاورة لها مثلما حدث مع أكثر من إسرائيلي تسلل إلي سيناء بالحجة نفسها التي يراها كثيرون واهية وغير منطقية. لكن الحكاية الأولي التي تبرز فشل جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد» جرت في الجزائر منذ شهور وبالتحديد أواخر مارس الماضي حينما قبضت السلطات الأمنية هناك علي إسرائيلي يدعي «ألبرتو» والذي دخل الجزائر منتصف نفس الشهر وتم ضبطه في منطقة حاسي مسعود النفطية، وهو يحمل جواز سفر إسبانيا مزوراً وهو ما وصفته وسائل الإعلام العبرية بأنه يمثل مأزقاً جديداً للموساد وحكومة تل أبيب بعد قضية اغتيال المبحوح، صحيفة «النهار« الجزائرية كشفت وقتها أن دخول «ألبرتو» الجزائر جاء بعد حصوله علي تأشيرة من إحدي القنصليات الجزائرية بأوروبا في ظروف غامضة.لكن ماذا كان يفعل الإسرائيلي حامل الجنسية الإسبانية المزورة في الجزائر، كان عمله وفقا للصحيفة الجزائرية هو قضاء معظم أوقاته مع «المصريين» هناك حتي الساعات المتأخرة من الليل، خادعا إياهم بأنه «أبو عمار» فلسطيني من عرب 48 يعيش بالقدس الغربية ومناصر للمقاومة الفلسطينية ومتعاطف مع حركة المقاومة الإسلامية «حماس» ضد حركة «فتح»، ليس هذا فقط بل كان من ضمن نشاطاته إلقاء أسئلة أمام رواد المقاهي بالجزائر عن الإسلاميين والدين الإسلامي والوضع الاقتصادي، علاوة علي الأزمة التي أحدثتها مباراة الجزائر ومصر مبدياً تعاطفه مع الجزائريين في الوقت نفسه الذي يتنقل فيه مع المصريين ويقاسمهم كل شيء. بعدها بأيام وفي شهري مارس وأبريل الماضيين شهدت مصر 3 حكايات تسلل أخري كان بطل إحداها يوثام فيلدمان -الصحفي الإسرائيلي ومراسل القناة العاشرة الإسرائيلية- الذي أطلقت القاهرة سراحه بعد اعتقاله علي الحدود مع إسرائيل خلال قيامه بما اسماه «تحقيق» حول تسلل المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة من سيناء للأراضي الإسرائيلية وزعمه أنه تواجد علي الحدود المصرية، أما الحكاية الثانية فجرت في ابريل الماضي حينما تم الكشف عن احتجاز الأمن المصري ل«ساجيا شخوري» الإسرائيلي الذي قام بالتسلل عبر الحدود البرية من إسرائيل لسيناء. والمضحك أن إعلام تل أبيب صور دخول المتسلل عبر الحدود بأنه جاء عن طريق الخطأ وأن السيول التي شهدتها مناطق في سيناء وما جاورها من أراض إسرائيلية كانت السبب في هذا الخطأ غير المقصود لعدم تعرف المواطن الإسرائيلي علي العلامات الحدودية الفاصلة بين الدولتين وعدم وجود لافتات علي الطريق لإرشاده ، وجهة النظر الغريبة تلك تبناها شموئيل ريفمان رئيس بلدية النقب الذي هدد بممارسة مزيد من الضغوط علي القاهرة في حالة عدم عودة المواطن والذي أفرجت عن السلطات المصرية بعد ذلك. لكن إذا كانت المسألة مسألة خطأ بشري غير مقصود فلماذا شهدت نفس الفترة الحكاية الثالثة والتي تمثلت في عملية تسلل أخري قام بها أحد السباحين الإسرائيليين عبر دخوله المياه الإقليمية المصرية سباحة من مدينة إيلات الحدودية الإسرائيلية، ولماذا كانت هذه هي المرة الثانية التي يقوم فيها نفس هذا الرجل بالتسلل إلي مصر، بالطبع كان الرد الإسرائيلي مضحكا حينما قام بوصف الرجل بأنه «مختل عقليا» مما يدفعنا للتساؤل كيف لشخص غير قادر علي التحكم في قواه العقلية أن يعبر الأميال البحرية بين إسرائيل ومصر مرتين ولا يغرق؟ وبالرغم من الكشف المستمر لهؤلاء المتسللين الإسرائيليين والمبررات التي يتم تسويقها سواء من قبلهم أو قبل إعلام وساسة تل أبيب حول اختراقهم لحدود الدول العربية فإن الحكايات لم تنته لنشاهد حلقة جديدة من مسلسل التجسس هذه المرة علي الأراضي الليبية فمنذ أيام أعلنت طرابلس إفراجها عن جاسوس إسرائيلي يدعي «رفرام حداد» جاء إلي ليبيا بجواز سفر تونسي زعمت حكومة تل أبيب أن «رفرام» مجرد مصور يقوم بتوثيق التراث اليهودي في ليبيا نافيا أن يكون جاسوسا.ونعاود السؤال إذا كان الجاسوس المفرج عنه ليس بالجاسوس بل مصور خائف علي تراث اليهود، كما تزعم حكومة تل أبيب فلماذا وصفه بني تسيبار المحلل السياسي لصحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية في تقرير له مؤخرا نشرته الصحيفة بأنه «بطل إسرائيلي حقيقي، حياته مليئة بالأخطار» أما في لبنان فالوضع يختلف، حيث أوقعت السلطات الأمنية هناك هذا العام مجموعة جديدة من الجواسيس الإسرائيليين الذين ينتمون هذه المرة إلي أهالي البلد نفسها وليسوا قادمين من تل أبيب، وكان علي رأس هؤلاء فايز كرم -قائد التيار الوطني الحُرّ-، الذي يرأسه الجنرال ميشيل عون، وألقت السلطات اللبنانية القبض علي العميد المتقاعد «فايز كرم »القيادي في التيار الوطني الحُر المتحالف مع حزب الله، بعد ضبطه بالتخابر مع إسرائيل ،ويعد التيار الوطني الحر الذي ترأسه العماد ميشال عون المتحالف مع حزب الله، أحد الداعمين الأساسيين للمقاومة ضد إسرائيل وجزءاً من قوي «14 آذار» إلا أنه انسحب منها فيما بعد عندما تحالف مع الحزب وحركة أمل وبعض دروز الجبل.وتنفذ السلطات اللبنانية منذ أبريل 2009 حملة واسعة ضد شبكات تجسس إسرائيلية أوقف خلالها أكثر من 100 شخص بينهم عناصر من الشرطة والجيش كانوا مزودين بأجهزة تكنولوجية متقدمة، وصدرت ثلاثة أحكام بالإعدام في حق ثلاثة من المتهمين، وأعلنت نفس السلطات في يوليو الماضي عن قيامها بتفكيك 22 شبكة متهمة بالتجسس لصالح إسرائيل وأفاد بيان صادر عن قوي الأمن اللبنانية أنها تمكنت من توقيف 22 شبكة منذ بداية العام الماضي، منها عشر شبكات خلال العام الحالي، كان آخرها في 21 يونيو الماضي،وفي فبراير الماضي حكم حضوريا بالإعدام علي رقيب لبناني سابق في قوي الأمن الداخلي، بعد أن أدين بالتجسس لإسرائيل والتورط في اغتيال ناشطين فلسطينيين في 2006، كما أوقفت الأجهزة الأمنية اللبنانية في يوليو الماضي شخصا ثالثا عمل في قطاع الاتصالات في إطار تحقيق حول شبكة تجسس لصالح إسرائيل.أما المفاجأة الأكبر فكانت التي كشفها حسن نصر الله -الأمين العام لحزب الله- بالصور والمستندات، مؤكدا قيام تل أبيب باغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق وسعيها منذ سبتمبر 1993 علي إقناع الحريري بأن «حزب الله» يحاول اغتياله، وفي مؤتمر صحفي ألقي «نصر الله» بقنبلته كاشفا عن قيام المقاومة اللبنانية بملاحقة عميل لبناني لصالح إسرائيل اتضح أنه كان يجمع المعلومات عن حزب الله وتمكن العميل وبتوجيه من إسرائيل من التحكم بموكب الرئيس الحريري، واستعرض نصر الله بعض من نشاط عملاء إسرائيل وأدوارهم قبل أن يقول إن الإسرائيلي الذي قتل رفيق الحريري خطط لاغتيال رئيس مجلس النواب الشيعي نبيه بري، مؤكدا أن اعترافات هؤلاء العملاء موجودة لدي الأجهزة اللبنانية وأن من يرد معرفة حقيقة اغتيال الحريري فعليه أن يبدأ من هنا. بقي أن نشير إلي أن تعامل تل أبيب ومنظومتها السياسية مع قضايا المتسللين والجواسيس الإسرائيليين في الدول العربية ومن بينها مصر والجزائر وليبيا وحرصها القلق علي إعادة هؤلاء كانت أمرا له دلالاته ومؤشرا علي ما يمثلونه من أهمية استخباراتية لها وهو ما كشفته وسائل الإعلام العبرية من تدخل المسئولين الإسرائيليين وبالأخص الخارجية الإسرائيلية ووزيرها افيجدور ليبرمان في إعادة هؤلاء المتسللين وآخرهم حداد وفقا لما تؤكده تلك الوسائل وتحفل به تقاريرها. هذا من ناحية المنظومة السياسية أما نظيرتها الإعلامية فلم تتوقف طوال عامنا هذا من التأكيد علي مدي تدهور صورة الموساد والأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية الأخري كلما وقع إسرائيلي جديد في دول من الدول العربية ، واصفة سقوط مواطنها هذا بمأزق جديد لتل أبيب وجهازها الاستخباري بعد الكشف عن طاقم اغتيال «المبحوح» في دبي وهو الأمر الذي أكدت عليه وسائل الإعلام العبرية بالأخص في قضيتي الجاسوسين الإسرائيليين بكل من الجزائر وليبيا نظرا لحمل كل من الاثنين جوازات سفر غير اسرائيلية فأحدهما حمل جوازا إسبانيا والآخر أخفي هويته الإسرائيلية مكتفيا بجواز سفره التونسي.