.. أضحكني أثناء الانتخابات الرئاسية المصرية سبتمبر 2005 ، لافتة ضخمة وضعها بعض أنصاري في منطقة الدرب الأحمر، كتبوا عليها.. «يا مصر.. لا شيء مستحيل!! مليون نملة أكلت فيل»!! وعندما سألني البعض عن دلالة اللافتة التي ظهرت في باب الخلق، وانتشرت بسرعة الصاروخ، لتظهر ذات العبارة علي لافتات مشابهة في الإسكندرية .. وكفر الشيخ وبورسعيد والبحيرة وأسوان، قلت: إنها رد فعل تلقائي مضاد في الاتجاه- وإن كان غير مساوٍ في المقدار - لحملة اليأس التي يروج لها حكومياً. .. فأخطر الأسلحة «المحظورة» التي استخدمتها الأجهزة الحكومية «أمنية وإعلامية» هو بث شائعات تقول: «الرئيس مبارك سينجح .. سينجح!! والانتخابات مجرد تحصيل حاصل!!»، كما تم الترويج لمقولات ملغومة علي غرار «من نعرفه أفضل ممن لا نعرفه»!! وأيضا «من فعلها وشبع أفضل ممن يحتاج أن يفعلها ويشبع». ومن الشائعات المحظورة - والخطرة- التي استباحت الأجهزة الإعلامية الحكومية استخدامها في ذات المعركة الترويج الكاذب أن الغرب والولايات المتحدةالأمريكية - تحديداً - تمول حملتي الانتخابية!! وهي الشائعة التي استمر الترويج لها، رغم ما بدا واضحا للجميع من فقر حملتي الإعلامية «مالياً» فكانت حملتي الأقل إنفاقا علي الإطلاق من بين العشرة المتنافسين - خاصة - الوطني والوفد!! والأكثر تأثيراً !! .. فضلا عن تنويعات من الشائعات الساذجة - بل المؤسفة - والمتعارضة أحيانا مثل: الترويج في بعض الأقاليم التي توجد بها كتل تصويتية قبطية، إنني أنتمي لحركة «الإخوان المسلمين»!! والترويج في محافظات أخري - مثل دمياط -أن اسمي الثلاثي هو أيمن عبد المسيح نور!! .. أعترف بأن أيَّا من هذه الشائعات لم يكن له - منفرداً - أثر سلبي قاطع، أو حاسم، بقدر ما كان مؤلماً، أن تكون الدولة هي الطرف الفاعل والمتورط بعنف في هذه الخطايا والجرائم السياسية والأخلاقية، التي ترسّخ قيماً سلبية تخصم من رصيد الوطن وتستبيح كل شيء!! .. نمط آخر من الشائعات الانتخابية، لعب دوراً خطيراً يتجاوز حدود التدخل الحكومي المرفوض والمجرَّم ليرقي لحد التزوير المباشر كان من خلال إطلاق آلاف السيارات الحكومية في القري مساء يوم الانتخابات مزودة بمكبرات الصوت لتعلن أن المواطن الذي لن يذهب في الصباح «لانتخاب الرئيس مبارك» ستوقع عليه عقوبة الغرامة المالية!! .. اللافت للنظر في الشائعة الأخيرة، أنها تخلط بين حقيقة وجود غرامة مالية يفترض أن توقع علي المتخلف عن التصويت في أي انتخابات «وهو ما لا يحدث عملياً أبداً» وبين أن تكون الغرامة علي من لا يصوت للرئيس مبارك «!!» كما تم الترويج في المناطق الريفية عبر سيارات الدولة لتعميق أثر الشائعة وتأثيرها في البسطاء! .. فالشائعة الأخيرة استهدفت تحرك الكتل التصويتية الأقل وعياً لصالح الرئيس، بينما استهدفت الشائعة الأولي «أنه سينجح سينجح» منع الكتل التصويتية الأكثر وعياً وثقافة من الحركة بحقنها بشائعات اليأس والإحباط، بينما استهدفت الشائعات الأخري اللعب علي تنويعات من التناقضات الطائفية والسياسية المحظورة. .. أحسب أن نجاح باراك حسين أوباما في السباق الرئاسي الأمريكي، رغم كل ما أحاط به من شائعات في مجتمع حديث العهد بالحقوق المدنية والمساواة بين مواطنيه، يؤكد أن تقدم الأمم لا يتوقف علي تاريخ اعتناقها لبعض المبادئ والقيم الإنسانية والنصوص الدستورية والقانونية، بقدر توقفه علي جدية الالتزام بهذه المبادئ من المجتمع. .. مقياس تقدم واحترام القيم الديمقراطية، لم يعد هو طغيان الأغلبية السياسية والعرقية أو الدينية بقدر ما هو احترام حقوق الأقلية والمعارضة!!