كنت أجلس بجوار سائق التاكسي ليصلني أكبر قدر من هواء التكييف، كنا في منتصف الكوبري الذي يعبر ميدان العباسيه، لاحظت أن سائق السيارة المجاورة من جهة اليمين يخرج يده ويشير لنا لكي نهدئ قليلا فيمر قبلنا، فاندفع سائق التاكسي بدلا من أن يهدئ وتخطيناه في مشهد أصابني بالرعب، فالسيارة المجاورة كان علي يمينها سيارة مسرعة وتتخطاها في التوقيت نفسه. في رمضان الشوارع إما واقفة تماما بلا أي حركة أو مفتوحة لسرعات غير منطقية. (ليه بس كده ؟) فلت مني السؤال، وهذا أيضا كان من تأثير الصيام علي، ففي الأحوال العادية أنا لا أعلق إطلاقا علي طريقة سائق التاكسي في قيادة السيارة، وأعلق نادراً وفي أضيق الحدود علي اختياره للشوارع، وقد تعلمت هذه الفضيلة بعد ما دفعت ثمنا غاليا عدة مرات لتهوري في إبداء الآراء والملاحظات، أي سائق عادي لا يرحب بالملاحظات، أما سائق التاكسي فغالبا ما ينتقم ممن يسمعه أي ملاحظه، وقد تعرضت لهذا الانتقام كثيرا. رد علي سؤالي قائلا: (أنا مش تحت أمره.. ما يهدي هو) قلت له: (بنفس التهور لنفس السبب) ، (كان في عربية كابسة عليه من يمينه) . قال: (أكيد حضرتك مش بتسوقي، لو بتسوقي هتعرفي إن ما ينفعش كل واحد يشاور لك عشان تعديه.. تهدي له.. يبقي مش هتمشي). كنا قد توقفنا تماما بعد أقل من دقيقة. فقلت له: (أدينا وقفنا يعني فرقت معاك إيه). قال: (لأ معلش فرقت كتير.. أنا ماحدش يعديني.. يشاور لي بإيده ويعدي؟ يا سلام.. ده علي أساس إن أنا إيه؟ السواقة أساساً ذوق). بصعوبة تمكنت من منع نفسي أن أقول له (والله إنت اللي قليل الذوق). وأكملت الطريق أفكر في شخصية السائق علي أساس هذا الموقف. وبنيت تصورا سلبيا شبه متكامل . عندما جاء وقت الحساب توقعت أنني سأدفع نتيجة تعبيري عن رأيي، كان العداد 16 جنيهاً ونصف الجنيه، في العادة يدفع الراكب أكثر من مبلغ العداد كمقابل للتكييف وقد علمني هذا الدرس أحد سائقي التاكسي الأبيض مؤكدا إن العداد لا يراعي إن التكييف يسحب بنزيناً أكثر، وإن الراكب الذي يطلب فتح التكييف عليه أن يكون ذوق ويدفع. قدمت عشرين جنيها للسائق وأنا متوقعة (بناء علي الشخصية التي رسمتها والدرس الذي تعلمته) أن يطلب المزيد، ففوجئت به يصر علي أن يعيد الباقي. قال: (حقك.. وأنا آخد حقي بس) وأكمل: (حضرتك اسمحي لي.. إحنا في زمن غير زمانكوا.. اللي ماياخدش حقه.. يضيع) .