عندما يلجأ الحزب الوطني إلي حملة توقيعات بالرقم القومي لمواجهة حملة البرادعي فهذا يعني أننا أمام انتخابات موازية خارج الدستور النظام أعطي الشرعية لكل ما يفعله البرادعي بسكوته عن حملة جمال .. وخرج من قصره للبحث عن شعبية في الشارع«76» الإستفتاء على تعديل المادة 76 عام 2005 مباشرة أقول.. إن لجوء أنصار الحزب الوطني هم أيضا لإطلاق حملة جمع توقيعات لرئاسة جمال مبارك علي طريقة أنصار البرادعي ما هو إلا إعلان شهادة وفاة المادة «76» من الدستور، حتي ولو تبرأ من تلك الحملة الحزب الوطني ذاته! المادة «76» هي مادة الدستور المصري التي تضع من بين أشياء كثيرة، الشروط الواجبة لمن يريد الترشح للرئاسة مستقلا،أي من خارج الأحزاب، ولأن المادة مصرية الصنع، ولأنها تتعلق بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية، فقد كانت هذه المادة دون مبالغة هي أطول وأتعس مادة عرفها أي دستور في أي دولة في العالم، وهي تشبه كثيرا إعلانات الوظائف الحكومية التي تضع شروطا بالمقاس! تتطلب المادة ممن يريد ترشيح نفسه مستقلا أن يحصل علي الموافقة علي ترشيحه خمسة وستون عضواً في مجلس الشعب، وخمسة وعشرون عضواً من مجلس الشوري، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبي من أربع عشرة محافظة مصرية مختلفة..علي الأقل!ولأن كل هذه المجالس بعون الله وكما يعلم القاصي والداني من أسوان للإسكندرية واقعة جميعها تحت السيطرة الحكومية، فطبعا لن يوجد في كل مصر سوي شخص واحد فقط بالمقاس هو وحده من يستطيع الحصول علي كل هذه الموافقات ..وفي أقل من نصف ساعة.. وبالتليفون أو الفاكس إن أراد، ولا يبقي إلا أن تشترط المادة إياها صراحة أن يكون لقب عائلته هو مبارك، ولقد اختصر أستاذ الأجيال في القانون الدستوري الدكتور مصطفي أبو زيد فهمي رأيه في هذه المادة في كلمات بليغة قليلة رائعة عندما وصفها بأنها تقول «لا رئيس إلا الرئيس..أو من يرضي عنه الرئيس!!» ! أما الدكتور محمد البرادعي، فقد كان رئيسا بالفعل، ولكن خارج مصر فقط يا ولداه، رئيسا لواحدة من أخطر المنظمات الدولية، ولكن المادة «7»إياها داخل مصر تقول إنه لا يصلح ..ذلك لأنه برادعي! وهكذا يتحول من كان رئيسا معترفا به في كل العالم خارج مصر إلي زعيم للغلابة في داخلها لأن المادة «76» لا تسمح له هو أو غيره بالترشح مستقلا، ولهذا يحاول أن يتجاوزها بإطلاق حملة شعبية لجمع توقيعات..إلخ! والآن يريد من هم في أروقة الحكم أو أنصارهم علي الأقل أن يلعبوا نفس اللعبة رغم أنهم غير مضطرين لهذا مطلقا، فلماذا؟ تخيل معي واحدة واحدة، رجلا من داخل قصر الحكم يريد أن يلعب مباراة لكرة القدم، فيبني ملعبا قانونيا ويكسوه بالترتان الفاخر، ومدرجات عظيمة، ثم يضع قواعد اللعبة علي مزاجه تماما بحيث يجعل فوز أي فريق غيره من رابع المستحيلات، يأتي بمشرفيه وحكامه الذي انتقاهم نقاوة لتحكيم المباراة، ويأتي بالبطانة لزوم التشجيع، والقاعدة الأولي بأن الكرة إذا دخلت أي مرمي يتم حسابها لصالحه هو، ويأتي بجمهوره من المجالس إياها بتاعت المادة «76» ليضعهم في المخزن تمهيدا للحصول علي تشجيعهم عند بدء المباراة، آه.. القانون كده والدستور كده وكله بالقانون يا معلّم!!ثم يدعو الناس للعب، ولكن زعيم الغلابة كان له رأي آخر، تجاهل قواعد اللعبة بكل تصميم، ثم أتي بكرة شراب غلبانة ولعب بها مباراة أخري في الشارع خارج أسوار القصر هي وحدها التي التف حولها الناس واهتم بها العالم بينما وقف صاحب الملعب الفاخر المهجور بقواعده وقوانينه وحكامه وحيدا يراقب من خلف نافذة قصره ما يحدث في الشارع، وأخيرا وبعد فترة يضطر للخروج من قصره ويحاول المزاحمة ولو قليلا ليأخذ نصيبا من ذلك الذي يتكلم عنه العالم في الداخل والخارج قبل أن يفوته الماتش كله! ولأن الخروج إلي الشارع يترتب عليه حتما التعرض لبعض التراب وشيء من البهدلة، فلا بأس من الاستعانة بالقوي الأمنية لملاحقة هؤلاء الذين ضايقوه في الشارع عندما قالوا له إن مصر كبيرة عليه. أتذكر زمان أيام الحديث عن مجانية التعليم، أن قال لي أحد أصدقائي إنه في كليات الطب المجانية يقف علي الجثة الواحدة في محاضرة التشريح عدة مئات من الطلبة لا يستطيعون أن يفهموا شيئا، ولا ينجح إلا هؤلاء القادرون علي شراء جثة علي بعضها بآلاف الجنيهات لزوم الدروس الخصوصية، وهكذا تضيع مجانية التعليم ويبقي التعليم ذاته حكرا علي الأغنياء فقط وكأن الحكومة عندما تسن قوانين لا يمكنها تنفيذها من الباب، فإن قوانين أخري بديلة سوف تدخل فورا من الشباك. باختصار، وجدت السلطة نفسها بالمادة «7»بتاعتها واقفة وحيدة تماما علي الباب الذي صنعته لنفسها بالمازورة والمقاس، بينما يقف الناس هناك بعيدا حول الشباك، فتضطر السلطة السياسية أن تحاول المزاحمة هي الأخري عند الشباك قبل أن يفوتها قطار الزمن تاركة الباب الذي صنعته بنفسها لنفسها لنعيق البوم، وهكذا يا سادة سقطت المادة «76» !سقطت المادة «76» بلجانها وحكامها ومجالسها النيابية في أربع عشرة محافظة وبكل تقعراتها وعجائبها..وقرفها! سقطت لأن أي حملة شعبية لجمع توقيعات ببطاقة الرقم القومي، عندما تواجهها حملة «شعبية» أخري لصالح الحزب الحاكم تجمع التوقيعات أيضا ببطاقة الرقم القومي أيضا ..فهذا يعني أننا نقف أمام انتخابات موازية خارج الدستور ! وهو يعني كذلك سقوط بطاقة الانتخاب الحمراء التي لا تريد الأقسام إصدارها للناس والتي لا تصح انتخابات الحكومة بغيرها لأن الكل، بما في ذلك الحزب الحاكم وأنصاره، قد اختار أن يدوس عليها وعلي كل المادة بالأحذية! باختصار..نحن اليوم أمام انتخابات حقيقية مفتوحة تستمد شرعية شعبية لا شك فيها، انتخابات أعطت لكل ما يفعله البرادعي الشرعية الرسمية التي يحتاجها ولا يجدها..وكلها خارج حدود المادة «76» من الدستور المصري!. انتخابات يقبل عليها الناس تتجاوز فورا كل القوانين المصنوعة جاهز وتفصيل. ولأن الحزب الوطني أو أنصاره أو مريديه أو عشاقه، قد اتهموا أصحاب حملة البرادعي بفبركة التوقيعات، وهو ببساطة اتهام بالتزوير، فإن المحسوبين علي الحكومة وبنزولهم لملعب جمع التوقيعات ليسوا محصنين من ذات الاتهام، بل علي العكس، أولي بهم أن يسكتوا لأن سوابق الحزب الحاكم في تزوير الانتخابات الرسمية لا يختلف عليها اثنان، وقد كشفها قضاة الاستقلال وفضحوها بالورقة والقلم والصوت والصورة والحساب والسحتوت، وإن كانت السلطة قد نجحت مرارا وتكرارا في منع الناخبين علي الأرض من دخول اللجان والإدلاء بأصواتهم باستخدام العصا والحواجز والبلطجية وأرباب السوابق، فلا أعرف كيف سيفعلون ذلك مع ناخبي الإنترنت في الانتخابات الشعبية وحملة جمع التوقيعات ببطاقة الرقم القومي! والآن وبعد أن أصبحت مهمة اللجنة الرئاسية المنصوص عليها في المادة «76» إياها لا تتعدي مجرد تلقي النتائج وإعلانها بحالتها دون أن تكون شريكا في الإشراف الفعلي عليها، فلقد وقفت كثيرا أمام تصريحات الدكتور مفيد شهاب «العنيفة الفظيعة» الرافضة للتزوير!، وتذكرت أمامها مقولة الدكتور يوسف بطرس غالي في الصحف أيضا قبل سنوات أيام إقصاء القضاة عن الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات عندما قال نحن الذين حضرنا العفريت ونحن الذين سنصرفه! ما ترسونا علي بر يا دكاترة! بالمناسبة يا دكتور مفيد، وبما أنك غاضب من التزوير وتحاربه وتكرهه كره العمي فها أنا أقول لك ولكل من يهمه الأمر، دوغري وعيني عينك وعلي مسئوليتي، إن الاستفتاء علي المادة «76» من الدستور هو ذاته مزور، أقولها لك للمرة الثانية: م..ز..وّ..ر..! وتحت يدي ملف كامل من الأدلة وأتحداك في أي لحظة، فماذا أنت فاعل؟ بل أقول لك أكثر من ذلك، إن الكيفية التي ظهرت عليها انتخابات مجلس الشوري الأخيرة في غيبة الإشراف القضائي كانت المسمار الأخير في نعش شرعية الانتخابات الحكومية الرسمية قاطبة بصناديقها ولجانها ومشرفيها، وإن مشاركة أنصار الحزب الذي تنتمي إليه في جمع التوقيعات علي طريقة الحملات الشعبية هو الإعلان الأخير بأن كل انتخابات الحكومة قد سقطت وفقدت شرعيتها . إن هذا الوطن «خالد خالد»، وفي القريب سيحيا وهو «سعيد سعيد » آمن لن يفقد فيه شاب مصري آخر حياته في الشارع بالتعذيب والضرب والطوارئ ثم يطلب العالم المتقدم أن تتولي التحقيق في مصرعه اختناقا، جهة تحقيق غير منحازة.. ذلك لأن قوات الأمن المسكينة تقول للعالم إنها فشلت في إقناع الشاب المسكين بالحسني والنصح الجميل من العدول عن محاولته الحمقاء المتهورة أن يبتلع سيارة نقل بمقطورة ..محملة كالعادة بنبات البانجو!