من جديد عادت الصحف الحكومية لحشد إمكانياتها وتجييش طاقاتها لدعم مشروع توريث الحكم ومساندة نجل الرئيس وأمين السياسات بالحزب الحاكم جمال مبارك، وذلك من خلال محاولة إقناع العامة بأنه أبرز وأنسب من يرأس مصر خلفاً لوالده، وبدأ هذا الدعم وبشكل فج في التغطية الصحفية الأخيرة التي قامت بها تلك الصحف لكلمة جمال مبارك خلال لقائه بشباب الجامعات في معهد إعداد القادة بحلوان، حيث خرجت المتابعة من سياق التغطية الصحفية إلي ساحة يتسابق فيها رؤساء تحرير الصحف القومية لإثبات انتمائهم وولائهم المفرط لنجل الرئيس وليس للقارئ، ووصل الأمر إلي إعطاء مساحات كبيرة لا تتناسب مع حجم الحدث، وتعاملت مع كلمة نجل الرئيس وكأنها كلمة لرئيس الدولة يلقيها في مناسبة عامة ينتظرها فئات الشعب المختلفة، هذا بالإضافة لقيام رؤساء تحرير بعض هذه الصحف بتغطية الحدث بأنفسهم وليس عبر المحررين المختصين بهذا الشأن. صحيفة «الجمهورية» كانت أكثر الصحف إثباتاً للولاء وإفراطاً في التغطية، حيث نشرت كلمة نجل الرئيس علي مساحة صفحتين داخليتين وثلثي الصفحة الأولي، بل وصل بها الأمر لدرجة أنها جعلت معظم التغطية عبارة عن عناوين كبيرة وبالألوان علي صدر صفحاتها وهذا الأسلوب في التغطية لا يستخدم إلا مع كلمة الرئيس فقط، كما تناست هذه الجريدة التي تمول من جيوب المصريين أن إثبات الانتماء السياسي ومجاملة نجل الرئيس يجب أن يكون من جيوب المستفيدين من هذه المجاملة وليس من أموال الشعب الذي ينفق من ضرائبه علي هذه الجريدة. ولم يفت الزميلة الجمهورية من خلال تغطيتها أن تظهر نجل الرئيس وكأنه يعلم بكل شيء ويتعامل بحكمة مع كل شيء، ويتسع قلبه لجميع أشكال النقد بدليل أنه تحدث عن أكثر القضايا جدلا وإثارة، وعلي الرغم من أن كل هذه القضايا جاءت رداً علي تساؤلات الطلاب فإن إجابات نجل الرئيس جاءت متسمة بالعمومية كالتأكيد علي احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون ومعاقبة المتجاوزين، وغيرها من الكلام النمطي الفضفاض الذي يحرص نجل الرئيس علي ترديده في كل مناسبة. وإذا كانت صحيفة الجمهورية هي الأكثر فجاجة في التغطية من بين الصحف الحكومية، إلا أن باقي هذه الصحف تعاملت هي الأخري بدرجة كبيرة من الاحتفاء بكلمة نجل الرئيس وأفردت لها صفحة كاملة كما حدث في جريدة روزاليوسف، أو أقل قليلاً كما جاء في صحيفتي الأهرام والأخبار، حيث تعاملا بأسلوب أكثر موضوعية وأقل فجاجة من غيرهما. الكاتب الصحفي صلاح عيسي - رئيس تحرير جريدة القاهرة -، يري أن كل صحيفة من حقها أن تغطي أي موضوع بالمساحة التي تقدرها، ولكن المشكلة في الصحف القومية أنها تختلف وفقاً للقانون عن الصحف الحزبية والخاصة، حيث يجب عليها أن تكون محايدة بين كل التيارات والقوي السياسية وأن تتعامل معها بشكل مهني. وقال عيسي: إن بعض هذه الصحف القومية تتعامل وكأنها صحيفة ناطقة باسم الحزب الوطني وهذا خطأ ومخالف للدستور، الذي يلزم هذه الصحف بألا تنحاز لأي حزب من الأحزاب وتتعامل علي قدم المساواة مع كل التيارات. وطالب رئيس تحرير جريدة القاهرة، بضرورة اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية علي أساس مهني وليس علي أساس سياسي، وإذا كان هؤلاء الأشخاص حزبيين فمجرد أن يتولوا مسئوليتهم كرؤساء تحرير لابد عليهم أن يجمدوا عضويتهم في الحزب، حتي يستطيعوا القيام بواجبهم بشكل مهني محايد.