هذا كتاب ينتصر للمرأة علي طول الخط، يسير معها تاريخيا من صدر الإسلام حتي اليوم، يشد علي يدها ويساندها تجاه كل الدعاوي التي ارتضت للمرأة سكونها وخمولها وابتعادها عن تكوين مجتمعها وبناء أعمدته جنبا إلي جنب مع الرجل، لا يحذو هذا الحذو بدافع المواطنة وحق المجتمع المدني في استثمار طاقة بناته فقط، بل يناقش هذا من زاوية فقهية مقارنة معاصرة، تميل إلي التدقيق والتمحيص، وتعمد إلي ربط الدين بالدنيا، وتعرض آراء المؤيدين والمعارضين لكل حق من حقوق المرأة السياسية بكل حياد، وأعتقد أن المرأة في هذا العصر لو أرادت أن تخرج ثائرة مطالبة بحقها، فلن تجد كتابا ترفعه عاليا أفضل ولا أجمل بيانا من كتاب "المرأة.. من السياسة إلي الرئاسة" للمؤلف محمد عبد المجيد الفقي . حتي مقدمة الكتاب التي كتبها الدكتور وحيد عبد المجيد، ينتصر فيها للمرأة تماما، ويؤكد أننا نعيش ردة فكرية حقيقية بالنسبة لحقوق المرأة بالتحديد، فلم يكن كل مفكرينا القدامي الذين نادوا بحقوق المرأة من قبل وثاروا علي الحرملك يتوقعون أنه سيأتي اليوم الذي سيتوسع فيه الحرملك ليشمل كل نواحي الحياة بالنسبة للمرأة لباسا وسلوكا ومكانا، وهذا بسبب الأثر الفادح للاستعمار الغربي الذي جثم علي صدر أمتنا فترات طويلة، فكان علي مجتمعنا المصري أن يتحصن خلف العديد من التقاليد الاجتماعية الموروثة التي اختلط الكثير منها بالدين، وبمرور الوقت صار دينا خالصا يلتزم الجميع باتباعه. والكتاب في مجمله يؤصِّل معني أن المرأة ما فقدت حقوقها في المجتمع إلا بعد ابتعاد المجتمع كله عن الدين الحنيف، فالمرأة المسلمة الأولي عاشت في قمة عليائها وكرامتها وعزتها وشعورها بدورها الفعال في بناء المجتمع والنهوض به، فكان العصر الذهبي لحرية المرأة وإعطائها حقوقها هو عصر النبوة، ثم عصر الخلفاء الراشدين، ولكن هذه القمة العالية التي بلغتها المرأة بدأت في الانهيار تدريجيا حتي انحطَّت مكانتها وتدنَّت منزلتها وحدث هذا باسم الدين ظلما وعدوانا، فمرة باسم ضرورة التفرغ لوظيفة الأمومة، وثانية باسم الحرص علي شرفها وعفتها، وثالثة باسم سد الذرائع لشيوع الفتن، كما اخترعوا اختراعات ما أنزل الله بها من سلطان تفرض علي المرأة عزلتها السياسية باعتبار أن مشاركتها السياسية والمجتمعية تتنافي مع أنوثتها الفطرية، وتتنافر مع حياتها الأسرية، وهكذا ظلت المرأة في عصرنا الحالي يعطيها الله ويمنعها البشر! والكتاب يحتوي علي ثمانية فصول، حيث يتناول الفصل الأول الحديث عن المشاركة السياسية للمرأة في صدر الإسلام، والفصل الثاني يتحدث عن مشاركة المرأة السياسية داخل بيتها ومع أفراد أسرتها، والفصل الثالث يبين الأحكام الشرعية لتولي المرأة الوظائف خارج البيت توطئة للحديث عن الوظائف السيادية التي من الممكن أن تتولاها المرأة، والفصل الرابع يتناول الحديث عن الحكم الشرعي لتولي المرأة وظيفة القضاء، والفصل الخامس يبين الحكم الشرعي لمشاركة المرأة في التصويت للانتخابات، والفصل السادس يتحدث عن الأحكام الشرعية لترشح المرأة لعضوية المجالس النيابية والمحلية، والفصل السابع يتحدث عن حكم تولي المرأة حقيبة وزارية، والفصل الثامن يتحدث عن حكم تولي المرأة الإمامة العظمي ورئاسة الدولة. اللافت في الكتاب هو تخريج الأحاديث وذكر الصحيح والحسن منها فقط، والاستعانة بما كتبه العلماء السابقون من آراء في قضية المرأة وحقوقها السياسية وغيرها مثل ما كتبه كل من الشيخ الغزالي والشيخ محمود شلتوت والدكتور مصطفي السباعي والعقاد ومحمد عبد الحليم أبو شقة وبنت الشاطئ والشيخ القرضاوي ومحمد قطب والدكتور محمد سيد طنطاوي والشيخ محمد إسماعيل المقدم وغيرهم، وربما يلاحظ القارئ اختلاف هذه الأسماء فيما يتبعونه من مذاهب وما ينادون به من أفكار وفتاوي، وهو مايشير إلي أن المؤلف أراد أن يعرض كل الآراء بشفافية مطلقة وبرغبة صادقة في الوصول إلي جوهر القضية دون الانتصار لمذهب علي حساب آخر. وبرغم أن الكتاب كما ذكرنا ينتصر للمرأة علي طول الخط فإنه يقف أمام توليها رئاسة الدولة، وينتصر للرأي الذي يمنع المرأة من تولي الرئاسة، فرئاسة الدولة عند جمهور العلماء كالإمامة العظمي مخصوصة بالرجل دون المرأة واستدلوا بحديث "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة".. ورغم أن المؤلف ساق العديد من آراء العلماء الذين دللوا علي أن هذا الحديث واقعةُ عينٍ علي موقف ما وليس تشريعا عاما، فإن المؤلف يناقش هذه الآراء جميعا بما يعارضها من آراء لعلماء آخرين، ليصل في النهاية إلي اجتهادٍ مَفاده منع المرأة من رئاسة الدولة.