دعا الدكتور حسن نافعة الأحزاب والقوي السياسية إلي مقاطعة انتخابات مجلس الشعب القادمة حتي لا تعطي الأحزاب بمشاركتها شرعية لتلك الانتخابات..ورأي بعض قادة المعارضة أن المقاطعة ستحقق الضغط علي الحزب الحاكم لتقديم ضمانات لنزاهة العملية الانتخابية رغم أن أحزاب المعارضة قد جربت في منتصف التسعينيات المقاطعة ولم تحصد شيئا. في السياسة عندما يلتقي خصمان ويسعي أحدهما إلي فرض رأيه فالبديهي أن يمتلك هذا الطرف ما يسمي بالأوراق السياسية بين يديه تجعله قادرا علي فرض ما يريد، وإذا طبقنا الكلام السابق علي الدعوة لمقاطعة الانتخابات فإن السؤال الذي ينبغي توجيهه للدكتور حسن نافعة والداعين للمقاطعة هو: ما أوراق الضغط التي تملكها أحزاب المعارضة لإجبار الحزب الحاكم علي تقديم ما يضمن نزاهة الانتخابات؟ بعبارة أخري: ما القوة النسبية لهذه الأحزاب في حياتنا السياسية، والتي عندها سوف يعيد الحزب الحاكم حساباته؟ ظني أن تلك القوة السياسية تكمن في أن مشاركة أحزاب المعارضة في الانتخابات سوف يمنحها مصداقية وشرعية أمام الرأي العام الدولي، وهذا ما يريده الحكم بالضبط لأنه سيحق له حينئذ أن يتباهي بالشكل الديمقراطي للعملية الانتخابية ومن ثم سوف تخف الضغوط الدولية علي مصر وسيقلل الإعلام الدولي من وصف نظامها الحاكم بالديكتاتوري والسلطوي، خاصة أن الحكم يضع جميع عناصر العملية الانتخابية في جيبه الصغير بعد أن حدد أسماء الفائزين بل والمرشحين وحصة كل حزب، كما حدد الدوائر الانتخابية التي سينجح فيها ممثلوه والدوائر الأخري المخصصة للمؤلفة قلوبهم من بعض الأحزاب، لذا فإن من مصلحة الحكم مشاركة أحزاب المعارضة حتي لو اضطر إلي تقديم بعض الضمانات الشكلية. ومن المتوقع أن يكون الحزب الوطني قد بدأ تفاوضه مع الأحزاب الرئيسية خاصة الناصري والتجمع والوفد، لكن هل سيعطي الحزب الحاكم ضمانات حقيقية لنزاهة العملية الانتخابية؟..طبعا لا وألف لا..ولو حلف الوطني علي المصحف فلن تحدث هذه النزاهة. وإذا كان الأمر كذلك وأحزاب المعارضة وقادتها يعرفون الجواب وعنوانه فلماذا الضغط والدعوة إلي المقاطعة؟..هنا يمكن القول إن القوي السياسية التي تدعو للمقاطعة ليست كلها قطعة واحدة بل أكثر من قطعة، فمنها من يدعو للمقاطعة نهارًا ويذهب إلي مقهي الحزب الوطني ليلا، ومنها من يدعو للمقاطعة بهدف زيادة حصة حزبه من المقاعد التي يوزعها الحزب الوطني علي الأحزاب الصديقة، ومنها من عرف أن الحكم لن يسمح بمرور نوابه لمجلس الشعب - ونقصد الإخوان-لذا فإنه يضغط ممسكا العصا من المنتصف فتارة يدعو إلي دعم البرادعي وأخري مع اجتماع الأحزاب وربما في انتظار لقاء المنتصف مع الحزب الوطني. سوف يقف الدكتور نافعة ومعه جمعيته الوطنية وحيدا في عراء الشارع السياسي لأنه ربما نسي أن السياسة مصالح والمصالح تتصالح.. كما أنه لا يعرف أو لم يخبر دهاليز الصفقات المصرية تحت الترابيزات، وربما تتفق جميع القوي السياسية علي المقاطعة ويسخن الجميع لكن فجأة تجد حزبا أو اثنين يخرج عن السياق ويعلن معارضته لفكرة المقاطعة..ساعتها يجب أن تعرف أن الحزب الوطني دخل بسهولة وأغري هذا وذاك. المعارضة المصرية ليست كلها علي قلب رجل واحد فهي قلوب شتي وجيوب عدة إلا من رحم ربي وهم القلة النادرة..فلنضمن ولاء المعارضة للفكرة أولا وللشعب ثانيا وعندها سوف نجزم بأن الحزب الوطني سوف يرضخ لمطالب المعارضة لكنه حاليا يعرف أن كل ما يراه مجرد شغل بولتيكا وهذا ما نعرفه في مصر أما السياسة فقد هجرتنا- وهجرناها- منذ نصف قرن.