حتي لا نفرق في التفاصيل، وبعد كل الإخفاقات الخارجية وأهمها مياه النيل منذ تدهور مكانة مصر الإقليمية، والتوترات الداخلية، وتزوير انتخابات الشوري والنجاح الباهر للحزب الوطني في هذه الانتخابات المزورة، يجب أن نتوقف عند سؤال جوهري: ما شرعية الحكم في مصر؟ والسبب في هذا السؤال أن الحكم ماض في طريقه لا يكترث بنقد، ويعتبر أن من ينقده حاسد لنجاحه وفاشل في عمل المثل، كما أن النظام محصن بقدرات أمنية وإعلامية ينفق عليها أموال الشعب لكي يكرس أخطاءه ويحميه من غضبة الشعب الذي وثق النظام أنه إما محذر أو يائس من الفرج أو منغمس حتي أذنيه أو خائف. في الوقت نفسه يردد النظام أنه ديمقراطي يتمتع بكل مؤشرات الديمقراطية وأماراتها وهي الدستور الذي تتصدر مادته الأولي كل مواده، والتي تؤكد أن نظام الحكم في مصر نظام ديمقراطي، ولديه السلطات الديمقراطية وهي البرلمان بمجلسيه بالانتخاب أو الجزء المعين القابل ضمانا لدخول الكفاءات والرموز، كما ينص الدستور الذي عدله الحزب الوطني من طرف واحد عدة مرات علي هواه ثم يقسم علي احترامه بنص هذا الدستور علي أن سيادة القانون من أهم أركان الحكم وأن العدل الاجتماعي هو أساس الملك. المعلوم لأساتذة العلوم السياسية والقانون أعلام الحزب الوطني أن للشرعية أربعة مصادر وإذا لم تتوفر يتحول النظام إلي عصابة، لأن الخط الفاصل بين العصابة والدولة أو الاستخدام المشروع وغير المشروع للقوة هو أن تستخدم وفق القانون الذي يراقب والقضاء النزيه المستقل سلامة تطبيقه. المصدر الأول لشرعية الحكم هو الدستور أي أن ينشأ النظام ويمارس سلطاته وفق الدستور. وقد قام البرلمان علي أساس نص الدستور علي الانتخابات وعين الرئيس رئيس الحكومة وأعضاءها وفق الدستور وأقسم الجميع علي احترام الدستور ورعاية مصالح الشعب. المصدر الثاني هو سلامة الإجراءات الدستورية والقانونية أي أن تتم مساعدة الشعب علي فهم العملية الانتخابية وإرشادهم إلي كيفية ممارسة حقهم في انتخاب البرلمان أو الرئيس أو غيرهما، ولكن النتيجة هي أن الحكومة بمساعدة الأمن المصري تولوا انتخابا بطعم التعيين ولم يلقوا بالاً إلي التقارير الوطنية والدولية التي تحدثت عن تزوير إرادة الناخب بكل الطرق المعروفة والمبتكرة حتي صارت مصر مثلاً لا يحتذي في امتهان إرادة المواطن وتشكلت أجهزة السلطة بقرار لاعلاقة للمواطن المصري به، وكان طبيعياً أن يفقد المواطن القدرة علي رقابتها أو عزلها أو حتي نقدها، وكانت هذه السلطة من الجسارة بحيث تتحدث وكأنها فعلا منتخبة وتتصرف وكأنها تستند إلي أرضية شرعية، فكانت النتيجة كل هذا الفساد في كل شيء، سياسي، أخلاقي، وإداري، وكانت محصلته أنين المواطن، وهذا يقودنا إلي الأساس الثالث للشرعية. المصدر الثالث لشرعية السلطة هو الفعالية، أي أنه لا يهم أن تأتي السلطة غصباً أو بالتزوير أو بالتعيين، ولكنها قادرة علي الإنجاز رغم الفساد وحجمه، فالمواطن يهمه أن تتوافر لديه مشاعر الاعتزاز الوطني في الخارج، وسد احتياجاته المعيشية علي أن تعبر السلطة عن رأيه وتحل محله. كان ذلك هو الحال تحت الحكم الناصري، سلطة وطنية نظيفة تواجه التحديات دفاعاً عن الاستقلال والكرامة، وتسد حاجات الشعب وفق الموارد المتاحة في مجتمع تتقارب فيه المستويات ويصدق فيه المسئولون ويحترم فيه القانون، ويعيش فيه الحاكم كما يعيش المواطن العادي. في هذا النظام تنعدم إمكانية نقد النظام، ولكن هذا الجانب أي غياب حرية النقد بقدر ما كان غير محسوس عند المواطن، إلا أنه تسبب في كارثة 1967، لأن أعضاء السلطة خافوا قول ما يجب قوله للزعيم، فتصرف وحده في أزمة معقدة وحرم موارد الأمة من أبنائها وتجليات عقولهم، فغرق الجميع، لكن بقيت إرادة مصر واستغلالها رغم احتلال سيناء. وفي البلاد العربية لا يتمتع المواطن بحريات سياسية واسعة لكن النظم تعمل لمصلحة المواطن، ولاعبرة لديه بما يحصل عليه الحاكم إذا أشبعت حاجات المواطن ولم تبدد ثرواته لمصالح أجنبية. المصدر الرابع هو الشرعية السياسية وهي رضا الناس وقبولهم للسلطة مهما كان سبب وجودها أو سبب استمرارها. ويتحقق الرضا بالأعمال الوطنية المخلصة والتجرد من الفساد ونهب الثروات وتبديد مصالح الأمة والتماهي مع مصالح أعداء الوطن في الداخل والخارج. والسؤال لأساتذة الحزب الوطني الذي ينتظر الشعب المصري الإجابة عنه بإلحاح: ما أساس شرعية الحكم في مصر؟، هل يختارون أحد الأسس الأربعة، أم يزعمون أنها كلها متوافرة، وهي الشرعية الدستورية، وشرعية الاختيار في انتخابات نزيهة وشرعية الفعالية والكفاءة والإخلاص والشفافية، وأخيراً، شرعية الرضا والالتفاف الشعبي علي السلطة حتي من خلال الجمعيات الخيرية المشبوهة. السؤال الثاني: هل هناك ارتباط بين شرعية السلطة وطاعة الشعب لها، أم أن الشعب رغم علي طاعتها بالقوة حتي لو افتقدت الشرعية وتجاهلت مصالحه؟