تداولت الصحف الكثير من الحديث عن الشأن المؤسسي لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة مع انتخاب مرشدها العام الثامن الدكتور محمد بديع، ومكتب الإرشاد الجديد. وفي الشأن المؤسسي لجماعة الإخوان، يعد التزامها بالشوري من القضايا العامة التي تهم الرأي العام، لأنه جزء من التزامها بتطبيق الشوري وآليات العمل الديمقراطي في الشأن العام. ولكن الحديث عن مؤسسات الجماعة وتشكيلها، فيه الكثير من الشأن الخاص، كما فيه الكثير من الاختيارات بين أكثر من صواب، وليس كله اختيارًا بين صواب وخطأ. وتعدد الآراء عن البنية المؤسسية للجماعة، لا يعني أن أحد الآراء صواب دائما، والآخر خطأ دائما. فالتركيب المؤسسي يحتمل العديد من الاختيارات الصائبة، والأمر يتوقف علي التجربة العملية، والكثير من جوانبها يعد شأنا خاصا، يعرفه الممارسون داخل الجماعة، بأكثر مما يعرفه المراقب الخارجي. ولكن النظر في الجانب المؤسسي لجماعة الإخوان المسلمين، يمكن أن يكشف عن مدي فاعلية الجماعة وقدرتها علي إنجاز ما تريد تحقيقه، مما يجعل دراسة هذا الشأن تتيح المعرفة بوضع الجماعة وكفاءة مؤسساتها. وإذا نظرنا لقضية فصل السلطات داخل مؤسسة الجماعة، بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، فأول ما يلفت النظر هو تشبيه الجماعة بالنظام السياسي والدولة، وهو تشبيه غير دقيق، لأنها تمثل حركة وليست دولة. ولهذا فالسلطات داخل الجماعة، لها أدوار أقل من أدوارها في حالة الدولة، مما يعني أنها لا تحتاج لكل التعقيدات الموجودة في بناء الدولة. كما أن مؤسسات الجماعة تدير الشأن الخاص بأعضائها كما تدير دور الجماعة العام، ولكنها لا تدير أي شأن عام في المجتمع. ويلاحظ أن الجمعيات الأهلية، وهي الصورة المؤسسية الأقرب إلي طبيعة جماعة الإخوان كحركة اجتماعية، تقوم علي جمعية عمومية، ومنها ينتخب أعضاء مجلس الإدارة، والذين يفوضون في معظم شئون المؤسسة، ثم يقدمون تقريرهم سنويا أو نصف سنوي للجمعية العمومية، ويحتفظون بعضويتهم في تلك الجمعية العمومية، وهو أمر شبيه بما نجده في علاقة مجلس الشوري العام بالجماعة ومكتب الإرشاد. كما أن رئيس مجلس إدارة الجمعية يكون هو نفسه رئيس الجمعية العمومية، وهو ما نجد نظيره في رئاسة المرشد العام لمجلس الشوري العام. بما يمكن معه القول: بأن الفصل بين عضوية مكتب الإرشاد ومجلس الشوري العام، يمثل اختيارا بين اختيارات أخري، وأن عدم الفصل بينهما يمثل اختيارًا آخر معمولاً به. ولكن الأهم من ذلك، هو تنشيط دور مجلس الشوري العام، لأن دوره يمكن الجماعة من ممارسة عملية المراقبة علي جهازها الإداري وهو مكتب الإرشاد، وتقييم عمله. ومشكلة الجماعة الأساسية في عدم قدرتها علي تنشيط دور مجلس الشوري العام، لخطورة انعقاده في مكان واحد، ومعظم الأعمال المنوط بالمجلس القيام بها تحتاج إلي انعقاد. وقد نشطت الجماعة دور مجلس الشوري العام في انتخابات مكتب الإرشاد، عن طريق التمرير، لاستطلاع رأيه حول موعد الانتخابات وهل تكون كلية أم جزئية، ولكن ذلك فتح باب النقد بسبب لجوء الجماعة للتمرير، رغم أنها لا تملك وسيلة أخري. لذا يمكن القول بأن التمرير يمثل حالة استثنائية مفروضة علي الجماعة، وهو في كل الأحوال أفضل من قيام مكتب الإرشاد باتخاذ القرار نيابة عن مجلس الشوري. وهناك ضغوط علي الجماعة من داخلها وخارجها لتعديل اللائحة، ولكن الجماعة حتي تعدل اللائحة، سوف تعرض ما تتوصل له من مقترحات علي مجلس الشوري العام بالتمرير، لأنها لا تتحمل مخاطرة عقد جلسة لمجلس الشوري العام، تنتهي بالقبض عليه، وهو يمثل العمود الفقري في الجهاز التنفيذي. وفي كل الأحوال، سوف تواجه الجماعة بالنقد لأنها مررت اللائحة بالتمرير، رغم أنها لا تملك وسيلة أخري. وهنا يلاحظ أيضا، أن معظم أعضاء مجلس الشوري العام لهم أدوار تنفيذية، ويصعب أن يصبح القيادي في الجماعة متفرغا للدور التشريعي أو الرقابي، خاصة أن أعضاء مجلس الشوري العام يمثلون أهم مستوي قيادي داخل الجماعة. إذن قضية ازدواجية الدور بين العمل الرقابي والعمل التنفيذي، تتجاوز في الواقع أعضاء مكتب الإرشاد. ويبدو أن سجال الصحافة له توجهه الذي يسير فيه أيا كانت الوقائع. فقد أجرت الجماعة انتخابات مكتب الإرشاد، وانتخابات المرشد العام، وأصبح لديها لأول مرة مرشد عام سابق، وهو الأستاذ محمد مهدي عاكف. وقد اتبعت الجماعة اللائحة، والتي نشرت بعد ذلك، وتبين أن الجماعة التزمت باللائحة، وأن تعدد الآراء كان حول أفضل طريقة للتطبيق وأفضل توقيت، وهي أمور تختلف فيها الآراء. ولكن الصحافة لم تستقبل تلك الانتخابات بمثل استقبالها انتخابات حزب الوفد، والتي تمثل علامة مهمة في تاريخ الحزب، وفتحت مرحلة جديدة بتولي الدكتور السيد البدوي رئاسة الحزب. وقد مثلت انتخابات جماعة الإخوان، وانتخابات حزب الوفد، مرحلة من التحريك الداخلي للقوي السياسية، ولكن الصحافة في معظمها جعلت تجربة الإخوان أقل شأنا من تجربة الوفد. والملاحظ أن كثرة النقد للجماعة، لم تعد تفيد الجماعة أو تساهم في تحريكها، فكثرة النقد تفقدها المصداقية في النهاية، وتجعل النقد المتوالي بلا أثر يذكر علي الجماعة. وهنا تظهر مشكلة عدم قدرة الجماعة والإعلام معا علي التفاعل الإيجابي، بحيث يصبح ذلك التفاعل مفضيا لتطوير الجماعة، مع تمسكها بثوابتها بالطبع، وقد يكون بعض النقد لا يهدف إلي خدمة الجماعة لتطوير نفسها، قدر ما يهدف إلي عرقلة الجماعة وتشويه صورتها. وفي المقابل نجد حساسية الجماعة تجاه النقد تزداد، بسبب إدراكها هذا النقد بوصفه وسيلة لعرقلتها ونشر الاضطراب بداخلها، فنجد الجماعة تحجم عن فتح الباب أمام الحوار الداخلي الواسع، مما يؤثر في عدد من المنتمين لها. وبهذا يفتقد بعض النقد الداخلي والخارجي، القدرة علي تحقيق تطوير داخل مؤسسة الجماعة. وفي نفس الوقت، نجد أن جماعة الإخوان المسلمين تمر بظروف خاصة تعيق عملها، ومع ذلك تحقق الكثير من الإنجازات، ولكنها تحتاج لتطوير عملها بصورة سريعة لتتغلب علي العراقيل التي توضع أمامها، مما يجعلها في حاجة مستمرة للتطوير، وبالسرعة المناسبة لتطور الأحداث. ولكن النقد الداخلي يواجه أحيانا باستجابات غير فاعلة، مما يجعل بعضه يتحول إلي نقد خارجي، فتري فيه الجماعة خروجا علي الالتزام التنظيمي، وتبدأ في حماية نفسها من النقد القادم من داخلها إلي الخارج، من خلال تحصين أعضاء الجماعة تجاه من يحملون هذا النقد إلي خارج الجماعة. والإعلام يستقبل من ينتقد الجماعة، بحفاوة بالغة، ويستخدم ما يقدم من نقد ضد الجماعة، مما يؤثر سلبا فيمن يقوم بالنقد الخارجي من داخل أعضاء الجماعة، وتصبح النتيجة صفرية، لم يربح منها أحد، إلا خصوم الجماعة في الإعلام، نظرا لاختلافهم فكريا معها، ومع المشروع الإسلامي. ويلاحظ هنا، أن في مصر نجد القطاع الأكبر من الجماهير يؤيد التيار الإسلامي عامة، والقطاع الأكبر من الإعلام يؤيد التيار الليبرالي، فمن له الأغلبية إعلاميا ليس له أغلبية جماهيرية، والعكس صحيح. ومع التحولات الحادثة في المنطقة، ستجد جماعة الإخوان المسلمين، أن عليها أن تتطور بأسرع مما يحدث، وبدرجة أكبر ما يتحقق، حتي تستطيع مواكبة الأحداث، وأيضا مواكبة الحصار المضروب عليها مما يجعلها في حاجة للخروج من دائرة الحصار النقدي الذي تتعرض له، حتي تستطيع تطوير بنيتها المؤسسية بصورة مناسبة عمليا، دون النظر لما تتعرض له من نقد، ومع الاستفادة من كل نقد يوجه لها، حتي المتربص منه ضدها.