ما رد فعل مصر الرسمي علي التصريح الصادم للرئيس السوداني - نقلته عنه الجزيرة القطرية- والذي قال فيه إن حلايب سودانية..توقيت التصريح هو أول ما يستحق التوقف أمامه..فهو يأتي والقاهرة في قمة تضامنها مع الرئيس السوداني ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية الصادر في مارس من العام الماضي بضبطه..وهي قضية تتعلق بشخص البشير وليس السودان. لم تتخل مصر عن البشير بحكم العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين..ولعل قرار القاهرة برفض طلب بعض الدول الأوروبية بضرورة عدم حضور البشير القمة الفرنسية الأفريقية التي كان مقررا عقدها أول يونيو الماضي في شرم الشيخ يؤكد ذلك..بل دفع القاهرة إلي عدم إقامة القمة علي أرضها وجري نقلها إلي فرنسا..وخسرت مصر بسبب هذا الموقف دعما سياسيا كانت بحاجة إليه..وربما كان سيضيف إلي قوتها الناعمة التي بدأت في التآكل..وعندما ترفض مصر الطلب الأوروبي السابق..فهو تأكيد لتضامنها مع البشير في مشكلته. اللافت في التصريح الأخير-أيضا- أنه لم يرد علي لسان أحد مسئولي الحكومة السودانية مثل وزير الخارجية..لكنه جاء علي لسان رئيس الدولة نفسه..مما يعني أنه توجه جديد للحكم في السودان..وليس تصريحا منفلتا لأحد المسئولين السودانيين..وربما يكون مهما هنا التذكير بتصريح وزير الخارجية السوداني منذ أيام..الذي انتقد فيه تراجع الدور المصري فيما يتعلق بعلاقتها بالخرطوم..وهو التصريح الذي نفاه الوزير - بعد أن التقي السفير المصري بالخرطوم- متذرعا بأن وسائل الإعلام قد نقلت عنه بالخطأ..ولم تعلق القاهرة وقتها. والسؤال الآن هو: هل التصريح الأخير للبشير عن سودانية حلايب تم تحريفه أيضا أم أن شيئا ما غامضا يدور في دائرة الحكم بالسودان..ومصر لاتعرفه..وإذا صح هذا الاستنتاج فإنها سوف تكون الكارثة وشهادة بالتغييب المصري.. فأقرب دول الجوار إلينا وعمقنا الاستراتيجي..لا نعرف ما يدور داخل دائرة الحكم به. .الغريب أن هذا التصريح يأتي بعد أيام قليلة من إبلاغ الخرطوم للقاهرة بتجميد موقفها من التعامل مع دول حوض النيل..بسبب تعنت الموقف الإثيوبي حسبما ذكرت الخرطوم..والمعروف أن دولتي المصب - مصر والسودان- تقفان سويًا ضد دول المنبع السبع.. فما المعني الذي ينبغي علينا فهمه من تجميد السودان دورها في قضية مياه النيل.. خاصة أن السودان لا يعاني مشاكل مائية بينما مصر هي المتضررة الوحيدة حال تغيير اتفاقية دول النيل الموقعة عام 1929؟ إذا وضعنا التصريح السلبي لوزير الخارجية السوداني تجاه مصر..ثم تجميد السودان لموقفها تجاه أزمة دول الحوض..وأخيرا تصريح البشير بسودانية حلايب بجوار بعضهما البعض.. فلابد أن نظن بوجود شيء ما يلوح في أفق العلاقات المصرية السودانية. ولعل أغرب ما يثيره تصريح البشير هو أن الرجل يعرف تماما أن بلاده ذاهبة إلي الانقسام في العام القادم، الذي سيشهد ظهور دولة الجنوب السوداني وتبلغ مساحتها نصف مساحة السودان الحالية..لكن البشير لم يرتجف له جفن وتوقف أمام 20 كيلومترًا..وعمل منها مشكلة مع مصر..حتي يظهر في موقف العنتري وزاد بأن وضع حلايب علي خريطة دوائر الانتخاب السودانية..فما تفسير هذا التناقض؟!. تصريح البشير لا يجب السكوت عنه مع ضرورة تجنب التصعيد الإعلامي ..فلا يجب أن تخوض مصر الرسمية ملف حلايب عبر وسائل الإعلام..والأهم هو تحري صدق الخبر ومن ثم التعامل معه رسميا داخل دوائر الاتصال المغلقة. شيء ما يجري في السودان يستحق الاهتمام والانتباه.